مشروع «اسمي» للفنانة منال الضويان يحمل أسماء وبصمات سيدات السعودية

ضمن معرض «حافة الجزيرة العربية.. يجب أن نتحاور» الذي يقام في جدة

منال الضويان
TT

في إطار تجربة فنية ممتعة ومثيرة في آن واحد، تقوم الفنانة السعودية منال الضويان بالإعداد لعملها الفني الجديد الذي تشارك به في معرض «حافة الجزيرة العربية.. يجب أن نتحاور»، الذي يفتتح في مرسى نادي الفروسية بجدة يوم 19 يناير (كانون الثاني) القادم. الضويان شاركت في معارض «حافة الجزيرة العربية» (إدج أوف أرابيا) منذ بدايتها، وتنوعت مشاركاتها عبر السنين بين التصوير الفوتوغرافي والتركيب، ولكن ما يميز أعمالها دائما هو الاهتمام بهوية المرأة السعودية ووضعها داخل المجتمع بشكل خاص. العمل الجديد والطموح الذي تقدمه الفنانة في جدة يحمل عنوان «اسمي»، وفيه تستكشف كيفية تعامل المجتمع مع اسم المرأة وإحساس المرأة ذاتها بالتعبير عن نفسها عبر ذلك الاسم الذي يعني الكثير، ورغم ذلك يتم إخفاؤه لسبب أو آخر بسبب تقاليد اجتماعية معينة أو مبادرات فردية.

الحماسة والنشاط الخلاق يرافقان الضويان في كل أعمالها، فهي تطلق الفكرة ثم تتابعها بنشاط وحماسة وهمة لا تفتر، وتتحدث عن مشروعها الجديد بفخر شديد، وتشير إلى أنها تحاول من خلاله ضرب سرب من العصافير بحجر واحد، فهي تعد عملا فنيا تعتمد فيه على روح الجماعة ومساهمات النساء من أنحاء المملكة، كما تقوم برحلة بين المدن لعقد ورش عمل لشرح فكرتها للنساء في كل مدينة ولتجذبهن للمشاركة في عملها، كما تقوم برحلات أخرى للقاء بالنساء في البادية لإشراكهن في مشروعها بشكل فعال. لكن الاستعدادات أيضا اعتمدت على الشبكة الاجتماعية بشكل واسع، فعبر «فيس بوك» و«تويتر» والإيميل أطلقت الضويان نداءها إلى السيدات السعوديات للاشتراك معها في التعبير عن أسمائهن واكتشاف الكثير عن المجتمع وتعامله مع المرأة عبر كتابة أسمائهن على كرات كبيرة يتم لضمها في ما بعد على هيئة سبح ضخمة تستخدمها الضويان بعد ذلك لتشكيل عمل فني ضخم.

تقول الضويان في حديث مع «الشرق الأوسط» إن الفكرة بدأت تدور في ذهنها عبر مناقشة مع عدد من الفتيات من بلدان مختلفة أثناء موسم الحج وتبلورت الفكرة في مناقشة مع أستاذة جامعية حول اسم المرأة والمحظورات المرتبطة به في المجتمع. وتشرح الضويان فكرتها قائلة «من الملاحظ أن الرجال لا يحبون ذكر أسماء زوجاتهم أو والداتهم أمام الآخرين، والأمر يمتد إلى باقي العائلة، فيكفي على سبيل المثال أن التلاميذ في المدارس قد يستخدمون اسم والدة أحد التلاميذ لإحراجه. الآن الوضع تطور وأصبحت حتى الفتيات والفنانات يخجلن من أسمائهن ويلجأن لاستخدام أسماء مستعارة أو يقمن باختصار الاسم بحيث لا يذكرن اسم العائلة على سبيل المثال. وشخصيا أنا لا أفهم لماذا يفعلن ذلك، فأنا أعتقد أن كل امرأة يجب أن تفخر باسمها، فهو ملكها هي فقط».

الظاهرة كما ترصد الضويان تبدو منتشرة بشكل أكبر في المملكة «إنها ظاهرة اجتماعية سعودية، عبر نقاشي مع الكثيرات حاولت الوصول إلى أسبابها، فهي بالتأكيد ليست لها علاقة بالدين، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يفخر بزوجاته وبناته ولم يخف أسماءهن. وأيضا لا يبدو أن المجتمعات البدوية تعاني من ذلك أيضا، فنحن جميعا نعرف المثال الأشهر للملك عبد العزيز رحمه الله الذي كان يفتخر بأنه (أخو نورة)».

الفكرة التي انطلقت بسرعة شديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي نتج عنها عدد من ورش العمل التي تسابقت النساء للتسجيل فيها، تقول منال «في الأيام الأولى من الإعلان عن الورش وصل عدد المتقدمات إلى 200 امرأة، وهو رقم أعلى من نصف الرقم الذي كنت أتوقعه، وتزايدت الأسماء بعدها بشكل كبير. الإقبال لم يكن فقط من النساء اللواتي أردن حضور الورش والمشاركة في العمل الفني بل أيضا من الجهات التي طلبنا منها دعمنا مثل الكليات والجمعيات الخيرية التي قامت باستضافة الورش ووفرت لنا كل الإمكانيات للقاء والتواصل واستخدام مساحة داخل مبانيها لعرض بعض أعمالي بالبروجيكتور، وذلك بغرض تعريف الحاضرات بشخصي وعملي ونبذة عن الفن السعودي المعاصر». الجانب التعليمي للمشروع يؤكد على اتجاه تبنته مجموعة «حافة الجزيرة العربية» منذ انطلاقها، وذلك بغرض نشر الوعي الفني في المجتمع وأيضا لاكتشاف المواهب الكامنة في الشباب السعودي.

تقول الضويان إن ورش العمل انطلقت من التعريف بالفنانة وعملها إلى دعوة الحاضرات إلى كتابة أسمائهن كاملة كل على كرة أمامها «كل امرأة هنا كانت تقول بكل ثقة: هذا هو اسمي أعرضه لكل الناس لكي يقرأوه». المشروع الذي أثار حماسة الكثيرات للمشاركة يبدو أنه أيضا نجح في إثارة رغبة بعض الرجال الذي طلبوا أن يقوموا بكتابة أسماء بناتهن على تلك الكرات.

الخطوة التالية كما تقول الضويان «سآخذ تلك الكرات وأقوم بلضمها معا عبر حبل ضخم لتكوين ما يشبه السبحة الضخمة، أرى أن السبحة دائما ترمز للأمل، فالإنسان يستخدمها للدعاء والأمل في الإجابة، وأراها أيضا تمثل حلقات متصلة تربط بين النساء في مختلف أنحاء السعودية. فالحبل الذي تنتظم الكرات فيه ستقوم نساء بدويات بنسجه عبر فن السدو المشهور بتاريخه ومكانته في التراث السعودي». ومن تلك المشاركات تكون الفنانة سبع سبح تقوم بتعليقها في تكوين فني إلى جانب عرض من الصور التي توثق مراحل العمل الجماعي في مشروع «اسمي».

«حافة الجزيرة العربية.. يجب أن نتحاور» يضم إلى جانب مشروع الضويان أكثر من 40 عملا جديدا لفنانين سعوديين معاصرين، منهم عبد الناصر الغارم وأحمد عنقاوي وجوهرة آل سعود وأحمد ماطر ومها ملوح ونهى الشريف وغيرهم. الأعمال تتنوع ما بين الأعمال التصويرية مرورا بالمنحوتات وصولا إلى التركيبات، ويقوم بتنسيق المعرض القيم محمد حافظ بمساعدة ستيفن ستابلتون. ويقول محمد حافظ إن المعرض يعد «بمثابة عودة إلى الوطن بالنسبة لمجموعة «حافة الجزيرة العربية (إدج أوف أرابيا) ويتجه نحو تشجيع النقاش البناء والحوار بين الفنانين السعوديين والمجتمع المحلي. إنها فرصة عظيمة بالنسبة لنا جميعا كي نفكر كيف يمكننا أن نكون إيجابيين في تشكيل العالم من حولنا والتأثير فيه».

يقام المعرض بدعم من مبادرات عبد اللطيف جميل الاجتماعية وأبراج «كابيتال».