برامج الكومبيوتر الذكية والروبوتات تحل محل الصحافيين

قد تؤدي لتغيير شكل ومفاهيم الكتابة الصحافية والتقليص من مهام وأعداد الصحافيين

مع التطورات التكنولوجية الحالية والمتزايدة في الذكاء الصناعي، وتطوير برمجيات جديدة لقطاع الصحافة، يتخوف البعض من أن تحل الآلات الذكية محل الصحافيين
TT

هناك حاليا اهتمام عالمي متنام بمجال الروبوتات والنظم والآلات الذكية، التي باتت موجودة في الكثير من مجالات حياتنا، وتقوم بالفعل بأداء العديد من الوظائف والأعمال. وهناك أيضا مخاوف متزايدة من أن يتسبب إحلال مثل هذه الأجهزة الذكية محل الإنسان، في العديد من المشكلات الأخلاقية والاجتماعية.

على سبيل المثال، تقوم الروبوتات والنظم الذكية حاليا بالعديد من الأعمال والوظائف في المجالات الطبية والعسكرية والصناعية والمنزلية، ولكن، السؤال المطروح، ماذا لو التحقت الروبوتات والآلات الذكية بمهنة الصحافة، وخاصة مع التطورات التكنولوجية المتزايدة في الذكاء الصناعي، لتقوم بأعمال ووظائف الصحافيين والمحررين، ولتحل محلهم، وما هي التساؤلات الأخلاقية والاجتماعية الناتجة عن ذلك؟.

مع التطورات التكنولوجية الحالية والمتزايدة في الذكاء الصناعي، وتطوير برمجيات جديدة لقطاع الصحافة، يتخوف البعض من أن تحل الآلات الذكية محل الصحافيين، ويتفاءل البعض الآخر بشأن التقدم الحادث في الذكاء الصناعي وقدرة أجهزة الكومبيوتر والآلات الذكية على محاكاة المنطق البشري، والذي قد يكون مفيدا في التغلب على نواحي النقص أو الأخطاء في العنصر البشري، عندما تتميز هذه الأجهزة الذكية بالدقة والسرعة في إنجاز المهام. وفي جميع الأحوال، فإن ذلك يثير الكثير من النقاشات والتساؤلات الجادة حول مستقبل الصحافة والنشر، ودور الصحافيين وكتاب المقالات ولمساتهم وإبداعاتهم الخاصة والمميزة، في حالة ما إذا قامت الروبوتات والآلات الذكية بدور المحرر الصحافي.

ومن بين شركات تكنولوجيا الذكاء الصناعي المتطورة ذات البرمجيات الذكية والعاملة في مجال الصحافة والنشر وتحويل البيانات من خلال برامج «سوفت وير» ذكية إلى قصص وموضوعات ومقالات إخبارية جيدة ذات معنى، بمجرد تزويدها بالمعطيات كالنصوص والأرقام مثل نتائج رياضية أو أرقام اقتصادية، شركة «علوم السرد أو القصص (Narrative Science)» الأميركية ومقرها شيكاغو، إلينوي، وموقعها الإلكتروني (www.narrativescience.com). الشركة بدأت كمشروع بحثي مشترك بين كليتي الهندسة والصحافة بجامعة نورث ويسترن الأميركية، وتأسست الشركة رسميا في أوائل عام 2010، وقام بتأسيسها كل من كريس هاموند، ولاري بيرنبوم، الأستاذين لعلوم الكومبيوتر والصحافة بجامعة نورث ويسترن، والمؤسسين لمختبر المعلومات الذكية بنفس الجامعة. وجاء على موقع الشركة، أنها شركة لتحويل البيانات، في شكل مقالات طويلة وقصيرة وعناوين صحف، ونشر الأخبار والقصص الرياضية والتقارير المالية والتحليلات العقارية والتقارير والعروض التجارية، وتقارير المبيعات والعمليات، وبحوث السوق. وتعمل الشركة مع مجموعة واسعة من العملاء من الناشرين ووسائل الإعلام والشركات التي تمتلك كميات كبيرة من البيانات، والتي يصل عددها حتى الآن لنحو 20 من العملاء، وتقدم الشركة للناشرين، الحلول المبتكرة والفعالة من حيث التكلفة، حيث تملأ العديد من الثغرات الموجودة في التغطية الإخبارية، وتساعد الناشرين على توفير تغطية عميقة، وتحرير المواد بتكلفة أقل وجودة عالية وسرعة في النشر.

في مقال بصحيفة «نيويورك تايمز»، في 10 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعنوان «في حالة ما إذا استغربت وتساءلت، بأن إنسانا حقيقيا قد كتب هذا العمود»، كتبه ستيف لوهر، جاء فيه أن جهاز كومبيوتر تمكن من كتابة أخبار رياضية موجزة في غضون 60 ثانية من نهاية الربع الثالث لمباراة رياضية لكرة القدم.

يقول روجرز لي، الشريك العام في شركة «باتري فينشرز (Battery Ventures)»، في بوسطن بماساشوستس الأميركية، وهي شركة رأسمال استثماري تستثمر بشكل أساسي في أسواق التكنولوجيا، تأسست عام 1983، والذي استثمر 6 ملايين دولار في شركة «علوم السرد»، «اعتقدت أنه سحر، إن السرد المكتوب كما لو أن إنسانا قد كتبه»، ويقول أورين إتزيوني، عالم الكومبيوتر بجامعة واشنطن، «إن نوعية السرد المنتجة بالشركة كانت جيدة جدا».

والإنجاز المبتكر لشركة «علوم السرد»، يثير مسألة، ما إذا كان مثل هذه التطبيقات الواسعة من الذكاء الصناعي، سوف يساعد بشكل رئيسي الصحافيين من البشر أو تستبدلهم. فهذه التكنولوجيا الجديدة، هي بالفعل تقويض لاقتصاديات الصحافة التقليدية، فبينما الإعلان على شبكة الإنترنت في ارتفاع، إلا أنه لم يعوض الانخفاض في الإعلانات المطبوعة.

ويؤكد قادة الشركة، على أن هذه التكنولوجيا الجديدة، من شأنها أن تكون في المقام الأول أداة منخفضة التكلفة للنشر، ولتوسيع وإثراء نطاق التغطية، عندما تتعرض ميزانيات التحرير لضغوط.

يقول جون لافين، عميد كلية ميديل للصحافة بجامعة نورث ويسترن، بأن «هذا النوع من التكنولوجيا يمكنه تعميق الصحافة».

ويقول هاموند، بأن «مزيجا من التقدم في مجال المحرك الإلكتروني للكتابة واستخراج البيانات، يمكن أن يفتح آفاقا جديدة للصحافة بالكومبيوتر واستكشاف الارتباطات التي لم نكن نتوقعها»، ويتنبأ هاموند بأنه «في غضون خمس سنوات، سوف يفوز برنامج الكومبيوتر بجائزة (بوليتز)» في الصحافة» وجائزة «بوليتزر»، المرموقة التي تحظى بتقدير كبير، هي مجموعة من الجوائز التي تمنحها سنويا في مايو (أيار)، جامعة كولومبيا بنيويورك، في مجالات الصحافة والآداب والموسيقى، وتمنح منذ عام 1917، وتم تمويلها أساسا بمنحة من رائد الصحافة الأميركي جوزيف بوليتزر (1847 - 1911).

في مقال بعنوان «هل الآلات ستحل محل الصحافيين؟»، كتبه الصحافي الإيطالي نيكولا برونو، المتخصص في التكنولوجيا والإعلام الرقمي وتأثيرهما على الصحافة بمعهد «رويترز» للصحافة بجامعة أكسفورد، على موقع المعهد (http://reutersinstitute.politics.ox.ac.uk)، أشار فيه إلى أن التصاعد الشديد لسرعة وكثافة تدفق البيانات والمعلومات، ييسر جميع مظاهر حياتنا اليومية. فمع الأخذ في الاعتبار مدى حجم شراسة هذا التزايد، فإنه ليس من الصعب فهم لماذا سيكون للآلات والروبوتات، وليس العقول البشرية والأفراد، مستقبل واعد في مجال الصحافة. وقد يكون من المبالغة فيما يتعلق بمطوري برنامج «ستاتس منكي» (Stats Monkey) بجامعة نورث ويسترن، التنبؤ بأن قصة ما كتبت من خلاله يمكنها الفوز بجائزة «بوليتزر» في الصحافة خلال السنوات القليلة المقبلة، ولكن مع وتيرة هذا التغير السريع جدا، ربما الشيء الذي قد يبدو في ظاهره، كفكرة عبثية، لا يمكننا الاستهانة به واستبعاده تماما.

ويضيف برونو بأنه، علينا ألا يتمثل قلقنا الوحيد في الخوف من أن تحل الروبوتات محل الصحافيين من البشر، فمكانتهم قد شكلتها بالفعل القدرة واسعة النطاق، لدى أي فرد لديه جهاز اتصال رقمي، على إنتاج ونشر المعلومات بشكل غير مكلف ودون عناء على مستوى العالم، فوسائل الإعلام الرقمية التي لا يمكن مقاومتها، تقودنا إلى قنوات من الإعلام الاجتماعي، تغرقنا في فيضان من المعلومات.

جدير بالذكر، أن باحثين في معمل نظم المعلومات الذكية بجامعة طوكيو اليابانية، كانوا قد أعلنوا في العام الماضي عن تمكنهم من تطوير روبوت صحافي، بإمكانه استكشاف البيئة المحيطة وكتابة تقرير عما يجده، حيث يمكنه الكشف عن التغيرات التي تحدث في محيطه ويقرر ما إذا كانت ذات صلة، ومن ثم يقوم بالتقاط صور بالكاميرا التي يحملها، كما يمكنه طرح الأسئلة على الأفراد القريبين منه للحصول على المعلومات، واستخدام الإنترنت للبحث لتكوين مفهوم شامل عما يقوم به.

وأخيرا.. بعد كل هذا يبقى العديد من التساؤلات المهمة، والجديرة بالاهتمام، والتي من بينها: هل يمكننا القول بأن الآلات والروبوتات الصحافية الذكية سوف تصبح يوما ما واقعا وستحل محل الصحافيين من البشر؟، وهل ستكون صالات التحرير بوسائل الإعلام، مزدحمة في المستقبل بالعديد من الروبوتات والأجهزة الذكية الجالسة بجانب الإعلاميين من البشر، وهل سيتقبلون هذا الأمر؟، وهل سيغير ذلك من اتجاهات ووظائف العمل الإعلامي، وستكون مدعاة لخوف الإعلاميين والصحافيين البشر، بالاستعداد من الآن بالبحث عن وظائف أخرى، أم أن مهارات وقدرات وإبداعات الصحافيين المتميزة، لن تستطيع الآلات الذكية أن تجاريها أو تنافسها، وستكون مهام هذه الآلات والروبوتات، مكملة فقط لأدوار ومهام الصحافيين الحقيقيين من البشر؟، وما حدود وأبعاد المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية في حالة حدوث أي أخطاء وتجاوزات من الروبوتات وبرامج الكومبيوتر والأجهزة الذكية التي يمكن أن تعمل مستقبلا بمهنة الصحافة؟.