كبير خبراء «غولدمان ساكس» يرسم صورة قاتمة للعام الجديد

توقع حدوث ركود في أوروبا وتباطؤ في الصين

إيطالية في جولة تسوق تمر أمام متسول في أحد شوارع العاصمة الإيطالية التي تعيش فترة تقشف (أ.ب)
TT

رسم كبير خبراء «غولدمان ساكس» جان هاتزيوس للأنشطة المصرفية الاستثمارية والأوراق المالية صورة قاتمة للعام الجديد للاقتصاد العالمي في عام 2012 والمشاكل في منطقة اليورو وكيف يمكن لأوروبا تجنب حدوث انهيار.. وذلك في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ).

حول توقعاته للاقتصاد العالمي في عام 2012 وعما إذا كان سيحدث ركود، وما هي المناطق المرشحة للركود، قال هاتزيوس إن توقعاتنا هي حدوث ركود في أوروبا خصوصا في منطقة اليورو، حيث إن متوسط توقعاتنا للعام هو انكماش بنسبة 0.8 في المائة. وسيكون الركود أخف إلى حد ما في ألمانيا، لكنه أكبر في إسبانيا وإيطاليا. وفي الولايات المتحدة نتوقع المزيد من نفس ما شهده العام الماضي، أي عدم حدوث تغير كبير بالمقارنة بعام 2011 بما يعني معدل نمو يتراوح بين 1.2 إلى 2 في المائة مع استمرار معدل البطالة المرتفع عند نحو 9 في المائة. ونتوقع في الصين أن يخفت النمو على مدار العام الحالي ليصل إلى نحو 8.5 في المائة مع بقائها أقوى بكثير عن مناطق أخرى من العالم.

وحول أسباب التشاؤم لمنطقة اليورو قال هاتزيوس: «نشهد بالفعل ركودا في المؤشرات الاقتصادية لمنطقة اليورو، على سبيل المثال في مؤشرات ثقة الشركات، أوضاع أسواق المال لا تزال محكومة، علاوة على الآثار العكسية للسياسات المالية من زيادة الضرائب وخفض الإنفاق خصوصا في الدول التي تقع في محيط منطقة اليورو.. لهذا السبب نرى أن الركود سيكون أكبر.

وعما إذا كان ركود عام 2012 سيكون أكثر سوءا من ركود عام 2009 قال هاتزيوس: «في الوقت الحالي، لا نعتقد ذلك. فبالنظر إلى منطقة اليورو، انكمش الاقتصاد بنسبة 4 في المائة في عام 2009، والآن نتوقع انكماشا بنحو 1 في المائة. وإذا تفاقمت أزمة الديون بشكل أكبر وتعرضت منطقة اليورو للانفراط، فإن الانهيار الاقتصادي قد يكون بالتأكيد أكثر سوءا من الوضع قبل عامين».

ولكن ما الذي يمكن أن يتسبب في حدوث هذا السيناريو المفزع في منطقة اليورو، يقول هاتزيوس: «أكبر المخاطر تكمن في التأثيرات المضاعفة بين الديون السيادية وأسواق المال والاقتصاد الحقيقي في منطقة اليورو. ويتعين على إيطاليا وإسبانيا إعادة تمويل حجم كبير جدا من السندات الحكومية في عام 2012. وإذا لم يتم الوفاء بتلك الاحتياجات بأسعار فائدة مرنة من جانب الأسواق أو البنك المركزي الأوروبي إذا دعت الضرورة فحينئذ سيكون هناك خطر تفاقم الأزمة بما يؤدي إلى ركود أكبر».

وعن الإجراء المطلوب للحيلولة دون حدوث انهيار في أوروبا قال هاتزيوس: «في ضوء الآثار العكسية للسياسة المالية المتوقعة، أصبحت هناك حاجة إلى سياسة نقدية توسعية على نحو أكبر بكثير من جانب البنك المركزي الأوروبي. مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) قام بالكثير جدا في مجال السياسة النقدية».

وعن الآفاق المستقبلية لعامي 2012 – 2013، وعما إذا كانت صفتي إقامة اتحاد مالي أوروبي كامل، ومساندة أكثر قوة من البنك المركزي الأوروبي لأسواق السندات، ستكونان فاعلتين في حل الأزمة الأوروبية، قال الخبير هاتزيوس «أعتقد أن الاتحاد المالي الكامل أمر مستبعد نسبيا، لكن أعتقد جدا أن البنك المركزي الأوروبي يمكن أن يقوم بشكل كبير بدور أكبر عما يقوم به حتى الآن، ويمكن أن يكون لذلك تأثير إيجابي على الأوضاع المالية والاقتصاد الحقيقي».

وحول المقارنة بالأزمة التي نشأت عن الانهيار المالي الأميركي عامي 2008 – 2009 وأزمة الديون الأوروبية وطريقة معالجة كل منهما، وما الذي يمكن أن تتعلمه أوروبا من الولايات المتحدة، قال خبير «غولدمان ساكس»: «عندما تبدأ مختلف العوامل في أزمة، الاقتصاد الحقيقي والنظام المالي والسياسة الحكومية.. في تغذية بعضها البعض بشكل فعلي، حينئذ ستكون هنالك حاجة إلى جهد قوي جدا لإحداث استقرار في النظام. وهذا هو ما استطاع تحقيقه متخذو القرار الاقتصادي في الولايات المتحدة خصوصا بعد انهيار مصرف (ليمان براذرز). وحتى ذلك الحين كان عملا مجزأ قطعة قطعة، وبعد ذلك أصبح أكثر حسما بشكل أكبر. وحتى الآن ليس لدينا مثل هذا الوضع في أوروبا. لم نر حتى الآن إعادة توجيه راديكالية للسياسات خصوصا السياسة النقدية».

ولكن ما هو الدور المطلوب من البنك المركزي الأوروبي، وخاصة أن لديه خيارات قليلة بالمقارنة بمجلس الاحتياط الاتحادي، قال هاتزيوس إن كلا من البنكين المركزيين في وضع يسمح لهما بالقيام بالكثير. البنك المركزي الأوروبي في بعض المجالات لديه هامش كبير للمناورة عن مجلس الاحتياط. وبالطبع الوضع معقد للعمل كبنك مركزي في منطقة عملة مؤلفة من سبع عشرة دولة. ورغم ذلك فإن البنك لديه بشكل جوهري مهمة دراسة الاستقرار الاقتصادي والمالي لمنطقة اليورو. وحول الاختلاف الثقافي في أن الولايات المتحدة تحملت تدخلا أكثر قوة عبر السياسة النقدية، قال هاتزيوس: «في الولايات المتحدة، لديهم رؤية أكثر براغماتية للسياسة النقدية. وبالنسبة للأميركيين، فهي مجرد أداة في نهاية المطاف ليس من أجل إبقاء التضخم عند نحو 2 في المائة في الأجل المتوسط وأيضا لإحداث استقرار في المدى القصير. وفي أوروبا، هناك استعداد قليل على استخدام السياسة النقدية لتنظيم الطلب على مستوى الاقتصاد الكلي.

وقال إن السبب الرئيسي في الأزمة الأوروبية يعود إلى الأخطاء التي ارتكبت عند إنشاء الاتحاد النقدي الأوروبي. الاقتصادات في الدول الأعضاء تنمو بشكل مختلف جدا وهناك تحرك محدود جدا فقط للعمال بين دول اليورو كما أن انتقال التدفقات المالية محدود. وقال إن الأميركيين كانوا أكثر سرعة في تعلم الدروس من الأزمة الاقتصادية السابقة، فعلى سبيل المثال أصبحت نسب احتياطات رأس المال بالبنوك الأميركية أعلى من نظيرتها في البنوك الأوروبية.

وحول السبب وراء رد فعل سوق وول ستريت المتوترة جدا حيال أزمة الديون الأميركية، يقول كبير خبراء «غولدمان ساكس» إن الأميركيين على وجه الخصوص قلقون لأن انتعاش اقتصادهم لا يزال هشا جدا، وأي صدمة شديدة في أوروبا يمكن أن تدفع الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الركود أيضا.