اشتباكات طائفية جنوب مصر وسط مخاوف من الصعود السياسي للإسلاميين

قساوسة وشيوخ راهنوا على دور الكنيسة والأزهر في تخفيف الاحتقان الديني

عجوز مصري يحمل على صدره لافتة كبيرة كتب عليها الأمراض المزمنة والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها مصر (أ.ف.ب)
TT

استمرت اشتباكات طائفية لليوم الثاني على التوالي في جنوب مصر، وسط مخاوف من الصعود السياسي للإسلاميين في أول انتخابات برلمانية بعد سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك مطلع العام الماضي. وأحرق مسلمون غاضبون منازل مسيحيين بمحافظة أسيوط بعد نشر شاب رسوما مسيئة للرسول بالمحافظة الواقعة جنوب البلاد، في إطار ما يصفه مراقبون بحالة احتقان موجودة بين المسلمين والمسيحيين تنتج عنها مصادمات بين حين وآخر في بعض مناطق البلاد.

يأتي هذا بينما ظهرت مخاوف من تقدم الإسلاميين في النتائج الأولية لانتخابات البرلمان الجارية، بسبب ما ترافق مع تلك النتائج من حديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية وفرض النقاب والحجاب على النساء، وذهب البعض للمناداة بضرورة دفع المسيحيين للجزية، بينما راهن قساوسة وشيوخ على دور الكنيسة والأزهر في تخفيف الاحتقان الديني، خلال مؤتمر الهيئة القبطية الإنجيلية الذي اختتم أمس في محافظة بورسعيد شرق القاهرة.

وفي آخر صور المواجهات الطائفية، امتدت الاشتباكات التي اندلعت في أسيوط منذ يومين بين مسلمين ومسيحيين، لتصل إلى قرية سلام مسقط رأس البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بعد اتهام طالب مسيحي بنشر رسوم على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» اعتبرها أهالي قريته، المسلمون، مهينة للرسول.

وتمكنت قوات الشرطة ووحدات من الجيش أمس من توقيف الطالب والسيطرة على الموقف بعد أن حاصرت ثلاث قرى هي «العدر»، و«بهيج»، و«سلام» (مسقط رأس البابا شنودة). وقالت مصادر قضائية إن نيابة أسيوط قررت حبس الطالب 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة ازدراء الأديان، وإن أجهزة الأمن نقلت أفراد أسرة الطالب المسيحي لمكان آخر غير معلوم حفاظا على حياتهم.

وأضافت المصادر الأمنية أمس أن المواجهات بين المسلمين والمسيحيين في أسيوط أدت لحرق عدد من المنازل وإصابة 5 مجندين من قوات الأمن. ودعا محافظ أسيوط لاجتماع عاجل أمس ضم ممثلين عن الكنيسة وقيادات شعبية وأمنية وأعضاء البرلمان الذين نجحوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالمحافظة لبحث الأزمة والتوصل إلى حلول سياسية.

ويقول المراقبون إن تقدم التيار الإسلامي، ممثلا في حزبي الحرية والعدالة الإخواني والنور السلفي، يثير مخاوف المسيحيين إضافة للتيارات المدنية والليبرالية في البلاد، وإن هذه المخاوف انعكست على العديد من الفعاليات الإسلامية والمسيحية، كانت آخرها جلسات الحوار في مؤتمر «التحول الديمقراطي» الذي نظمته الهيئة القبطية الإنجيلية بمدينة بورسعيد بمشاركة 250 من الدعاة الإسلاميين والقساوسة والإعلاميين.

وحاول منظمو المؤتمر التخفيف من حدة الاحتقان الطائفي الذي بدأ يتجدد في الأشهر الأخيرة التي أعقبت سقوط نظام مبارك. وحرص منظمو المؤتمر على أن يقيم في كل غرفة داعية إسلامي وقس مسيحي طوال فترة المؤتمر التي استمرت ثلاثة أيام، لتوفير مزيد من التعايش بين الجانبين، الأمر الذي انعكس على الجو السائد خلال جلسات المؤتمر.

لكن الشيخ الأزهري، خالد عبد الله، إمام مسجد بمنطقة «كينغ مريوط» بالإسكندرية، قال إن مخاوف المسيحيين من تقدم «الإخوان» المسلمين في الانتخابات البرلمانية غير واقعية، لكنه قال إنه يتفق مع مخاوفهم من التيار السلفي، وأضاف «أتفق مع المخاوف من الجماعة السلفية لأن بعضهم متشدد ويعتنق الفكر التكفيري ولا يقبل الاختلاف معه حتى ولو من مسلم مثله، فهم لا يرون إلا رأيهم فقط». وتابع الشيخ عبد الله «أراهن على عدة أشياء لكسر هذه المخاوف، منها الأزهر الشريف والمؤسسة العسكرية، وقبلهما الشعب المصري الذي يحب التدين ويكره التشدد، وإذا لم تغير الجماعة السلفية من أفكارها فإنها ستزول وتخرج من الساحة السياسية». واعتبر عبد الله أن الحل يكمن في أن ينشر الأزهر والكنيسة الفكر الوسطي، للتغلب على دعوات التشدد من الجانبين. وأوضح أن المشكلة تكمن في انغلاق الكنيسة الأرثوذكسية على نفسها، مشيرا إلى أن «البابا شنودة يطلق على المسيحيين شعب الكنيسة، الأمر الذي يشعرهم بالعزلة، وعلينا أن نعمل جميعا كشعب مصر لا شعب الكنيسة أو شعب الأزهر».

ومن جانبه، قال القس إيهاب حلمي، راعي الكنيسة الإنجيلية بمنطقة العامرية بالإسكندرية، عن المخاوف من صعود الإسلاميين من خلال البرلمان «نعم.. بعض المسيحيين لديهم مخاوف من صعود التيار الإسلامي لأغلبية البرلمان، وهي مخاوف طبيعية لأن هذا الصعود جاء في غياب الدستور الذي ينظم الصلاحيات السياسية والعلاقات بين المؤسسات في الدولة».

واعتبر القس حلمي أن دور المؤسسة الدينية، سواء الأزهر أو الكنيسة، في المرحلة القادمة يتمثل في توفير المناخ الصحي للتنشئة الدينية التي تقدم خطابا معتدلا يقوم على التسامح وقبول الآخر والمواطنة، ويشجع على ممارسة الحقوق السياسية المدنية التي تؤدي إلى إقامة الديمقراطية.

وقال القس حلمي «قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) لم تكن هناك مقدمات لهذا الدور، نظرا للقصور والعوار الواضح في الحياة السياسية، وبعد الثورة بدأت المؤسسات الدينية في إعادة تقييم دورها وبدأت تتجه نحو الدور الصحيح». ورفض أن تكون للمؤسسة الدينية أي علاقة بالانتخابات قائلا «الأمر يجب ألا يتعدى حث المواطنين على المشاركة من دون ترجيح لكفة مرشح أو تيار بعينه، وبالنسبة لنا، في الكنيسة، كنا ندعو الناس إلى المشاركة، ونقول لهم أجب عن ثلاثة أسئلة: من سأنتخب؟.. وما هو برنامجه؟.. وكيف سيطبقه؟».

وعن سبب اتجاه أغلب المسيحيين للتصويت لقائمة الكتلة المصرية التي تضم حزب المصريين الأحرار الذي يرأسه رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس، قال حلمي «كانت هناك في الانتخابات عدة قوائم، اثنتان منها تدعو للدولة الدينية، وهو ما يرفضه المسيحيون، لذلك كان طبيعيا أن يتجهوا إلى التصويت لقائمة تدعو للدولة المدنية».

وكشف حلمي عن أن إحدى المشاكل التي تواجه العلاقة بين المسلمين والمسيحيين هي الجهل بالآخر، معتبرا أن الحوار هو السبيل الوحيد لمعرفة الآخر، وقال «لدينا مساحات مشتركة ولدينا هموم مشتركة، فلنجلس ونتحاور بحثا عن تلك المشتركات، وعلينا أن نتضافر من أجل بلدنا في الفترة القادمة».

ومن جانبه، طالب الشيخ محمود عاشور، عضو مجمع البحوث الإسلامية وكيل الأزهر الشريف الأسبق، بضرورة تجديد الخطاب الديني مع الحفاظ على ثوابت القرآن والسنة، على أن يكون خطابا يجمع ولا يفرق ويحترم المسيحيين، ويراعي حقوق المرأة، مؤكدا على أن الدستور الجديد لا بد أن ينطلق من أسس الشريعة الإسلامية لكن يجب أن يناسب كل أطياف المجتمع. وراهن عاشور على دور الأزهر في الحفاظ على سماحة الدين الإسلامي واعتداله في مواجهة التيارات الدينية المتشددة التي باتت تسيطر على المشهد السياسي.