في انتظار أدب الثورة

المشهد الثقافي المصري في 2011

TT

حزمة من المفارقات الدامية عاشها المشهد الثقافي المصري خلال العام الماضي، بلغت ذروتها بحريق المجمع العلمي المصري الذي يضم كنوزا من وثائق مصر النادرة في شتى دروب المعرفة والعلم، على رأسها نسخة أصلية من كتاب «وصف مصر» الذي وضعه علماء الحملة الفرنسة.. ففي اللحظة نفسها الذي كان يرقص «بلطجية» وصبية عابثون على أشلاء المجمع انتشاء بمشهد ألسنة اللهب التي أشعلوها وهي تتطاير من نوافذه الباكية، كان السلفيون وجماعات الإسلام السياسي يواصلون اكتساحهم ماراثون الانتخابات البرلمانية، فرحين بانتصارهم المدوي، الذي يؤهلهم للسيطرة على أول برلمان يتشكل بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بنظام حكم مستبد دام لثلاثة عقود من الزمان، وترسي دعائم عهد سياسي واجتماعي جديد في المجتمع، ولم يعكر صفو هذا الانتصار تصريحات أطلقوها تنتهك حرية الإبداع والفن، وتصنف أدب نجيب محفوظ باعتباره أدب رذيلة وفاحشة يجب مصادرته.

زاد هذا المشهد الكارثي من أوجاع الثقافة المصرية المضطربة أصلا، التي توافد على أجندتها 4 وزراء خلال 10 أشهر من عمر الثورة، لم يستطيعوا إعادة هيكلة هذه المؤسسة، وتخليصها من إرث بيروقراطي عقيم، يتناسل فساده على مدار سنوات طويلة، ولم يكترثوا بوضع صياغة صحيحة لعلاقة المثقفين والمبدعين بالمؤسسة الثقافية، أو تجديد دماء الخطاب الثقافي، الذي أصبح ضرورة قومية فرضها المتغير الثوري الجديد، الذي شمل نواحي عديدة من أوجه الحياة في البلاد.

ومن ثم، ظلت الثقافة المصرية في واد، والثورة في واد آخر، بل إن جل هموم الكثيرين من المشتغلين بالعمل الثقافي داخل المؤسسة الرسمية، وتحت مظلة الثورة، انصب في القيام باحتجاجات فئوية للمطالبة بمكاسب وظيفية، أو السطو على مكان أكثر نفوذا داخل المؤسسة؛ ولم يحتج أحد من هؤلاء على أوضاع الثقافة المتردية، ويطالب بتطهيرها ونهوضها ودعمها، في إطار رؤى وخطط جديدة، تعتد بالثقافة كمقوم أصيل في تشكيل الهوية وبناء الإنسان، وليس ترفا يترنح على أكتاف الضرورة، أو سد خانة ببرامج واحتفالات كرنفالية لا طائل من ورائها سوى إهدار المال والوقت.