بحفل موسيقي كلاسيكي.. فيينا تبدأ العام الجديد

ينطلق في الساعة الـ11.15 في اليوم الأول من السنة الجديدة

قاعة الميوزيك فراين في فيينا («الشرق الأوسط»)
TT

فيما لا تزال الكثير من المدن الأوروبية تعاني من آثار سهرات عارمة ودعت بها العام الذي مضى، يختلف الحال تماما في العاصمة النمساوية فيينا التي تستقبل إطلالة العام الجديد بحفل موسيقي هو الأشهر من نوعه والأكثر تميزا من حيث توقيته وبرنامجه وموقعه وحتى حضوره.

ففي تمام الساعة الحادية عشرة والربع، صباح اليوم الأول من كل عام، تنتظم بالقاعة الذهبية بمبنى الميوزيك فراين الذي يرجع تاريخ تأسيسه لعام 1870 نخبة من محبي الموسيقى الكلاسيكية من مختلف الجنسيات والثقافات والإمكانات لحضور الحفل السنوي الذي تحييه فرقة فيينا فيلهارمونيكا للموسيقى الكلاسيكية المصنفة الأولى عالميا.

يخصص الحفل بالكامل لتقديم مقطوعات من أشهر الأعمال الموسيقية لأسرة شتراوس خاصة يوهان الأب ويوهان الابن بالإضافة للابنين جوزيف وإدوارد. وعادة ما يشتمل البرنامج على أربعة أنواع من الألحان هي البولكا والفالس والمازوركا والمارش. وفي بعض الأحيان، يضم البرنامج مقطوعات لبعض عمالقة المؤلفين الموسيقيين النمساويين أمثال موتسارت ومعاصريهم من عباقرة الألمان.

تقليديا يختار عازفي فرقة فيينا فيلهارمونيكا القائد الذي يتشرف برئاسة الفرقة لكل حفل، وقد وقع اختيارهم هذا العام على المايسترو اللاتفي بيتر تشايكوفسكي، 67 عاما، وهو موسيقار ابن موسيقار يقود حاليا الفرقة الموسيقية لراديو بافاريا كما يعمل بالفرقة الماسية الملكية الهولندية وسبق أن قاد لندن فيلهارمونيكا وأوسلو وسانت بيترزبيرغ كما قاد حفل فيينا فيلهارمونيكا مطلع عام 2006.

من جانب آخر، يبدو جليا أنه حتى الحصول على تذكرة لحضور هذا الحفل أمر مختلف، إذ يتم بيع الجزء الأكبر من تذاكره كتابة عن طريق «اليانصيب». وتصل للفائزين منتصف شهر مارس (آذار) من العام، كما يخصص جزء لشخصيات بعينها لها دورها المهم موسيقيا. وهذه بدورها تتوارث المقاعد التي تشتريها بالطبع، أما الأسعار فتتراوح ما بين 930 يورو و31 يورو، وذلك وفقا لموقع المقعد وموقع الوقوف. وتشمل القاعة التي تعتبر واحدة من أجمل 5 قاعات مشيدة لمبنى موسيقي 1744 مقعدا، بالإضافة لصالة فارغة تسع 300 موقع وقوفا، وفي مجملها تبلغ مساحة القاعة 48 مترا طولا و19 مترا عرضا و18 مترا ارتفاعا.

وكانت محطة التلفزيون الحكومي «أو آر إف» قد فازت منذ عام 1959 بحق نقل الحفل على الهواء مباشرة، ويبث اليوم حيا في 70 دولة، منها ألبانيا والصين وأستراليا وموزنبيق كما ينقل للمرة الأولى على الشبكة العنكبوتية «أون لاين». ومنذ عام 2007 بدا عرض مشاهد حية لرقص باليه يناسب ويصاحب المعزوفات يتم نقله من قاعات قصور منها قصر الشونبرون وقصر البلفدير وقصر الهوف بورغ.

ومعلوم أن تقليد إقامة حفل موسيقي فخم يستهل به الشعب النمساوي العام الجديد بدأ عام 1939 لتذكير الأمة بأيام مجدها وبما عرفت من عهود راقية وحفلات كلاسيكية إمبراطورية الطابع تمجد الفنون وتستمتع بها.

ومما يميز الحفل وطريقة ديكوره ما يحف بالقاعة من زهور وورود يزيد عددها هذا العام على 30 ألفا وصلت كهدية تقليدية من مدينة سان ريمو الإيطالية التي تتبرع سنويا كما تتبرع بالزهور التي تزين القاعة التي تشهد حفل تقديم جوائز نوبل بالعاصمة السويدية استوكهولم.

وتقع سان ريمو شمال غربي إيطاليا على خليج يطل على البحر الأبيض المتوسط مما خصها بمناخ رائع طيلة العام ساعد مع مرتفعاتها الجبلية على جعلها أرضا خصبة لأنواع متنوعة من الورود والزهور فأصبحت تعرف بوردة الريفيرا الإيطالية، لا سيما أنها لا تبعد كثيرا عن الحدود الإيطالية - الفرنسية.

وكما أوضح لـ«الشرق الأوسط» عضو بفريق الديكور بالقاعة أن الكميات التي وصلتهم من زهور وورود احتاجت لأربعة أيام لتنسيقها (يومان لنظافتها وتشذيبها ويومان لتنسيقها وتوزيعها وتركيبها).

وكما هي العادة عقب نهاية كل حفل يتم توزيع كل تلك الورود على الحسان من الحضور للاحتفاظ بها كتذكار لحفل لم يستمتعن بموسيقاه فحسب بل شاركن فيه وفقا لتعليمات المايسترو، الذي ما أن تبدأ جوقته في عزف لحن مارش رادتزكي حتى يلتفت تجاه الحضور المتحفز وبالإشارة وإيماءات يأمره أن يزيد من وتيرة التصفيقات ويخفضها أو يثقلها أو يخففها وهكذا.

وقد اكتسب هذا المارش جماهيرية وشعبية واسعة لكونه ورغم طبيعته العسكرية يمتاز بروح فرحة مرحة إذ وضعه يوهان شتراوس، الأب، لشكر القائد العسكري الذي قرر ألا يعدم ابنه. ولشهرة المارش أصبح تقليديا مسك الختام لحفل دون غيره من الحفلات.

مما يجدر ذكره أن برنامج اليوم أو برنامج حفل مطلع العام تتم إعادة تقديمه في نسخة صيفية مسائية مجانية حية في الهواء الطل أمسية اليوم الأول من الأسبوع الأول من شهر يونيو (حزيران) بحدائق قصر الشونبرون الإمبراطوري، وما الهدف من ذلك إلا إشاعة ثقافة وحب الموسيقى الكلاسيكية بين العامة وحتى لا تصبح موسيقى للخاصة وحتى لا يحرم من الاستمتاع بهذا النوع من الموسيقى أي شخص كان، ويحضر حفل يونيو رئيس الجمهورية والسيدة الأولى وضيوفهما وكل من شاء، فالحفل مجاني مفتوح، ولا يقل روعة عن حفل قاعة الميوزيك فراين.