تصليح الصحون الهوائية.. مهنة «شتوية» تنتعش بالرياح والأمطار

أصحابها ليس لهم محلات ويوزعون «بطاقات زيارة»

عامل يقوم بتصليح صحن هوائي بأحد المنازل في الرباط (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

إذا كانت الرياح والأمطار والعواصف التي تهب في فصل الشتاء تثير المخاوف، وتحذر منها إدارات الأرصاد الجوية مسبقا، حتى يتخذ الناس احتياطات بعدم الخروج من البيت أو تأجيل السفر أو عدم إرسال الأطفال إلى المدارس، فإنها في المقابل تعتبر مؤشرا إيجابيا لدى بعض الأشخاص وباب رزق يفتح. إنهم مصلحو الصحون الهوائية (البارابول)، أو «الدش»، الذين تنطبق عليهم مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد».

فمهنة إصلاح الهوائيات تنتعش بشكل كبير في فصل الشتاء، بسبب رداءة أحوال الطقس، التي تتسبب في تحريك اتجاهات الصحون المثبتة على سطوح المباني أو على شرفات المنازل، أو إتلاف الكابلات الموصولة بها، الأمر الذي ينتج عنه تقطع في الصورة، أو اختفاء الإشارة كليا من جهاز التلفزيون.

أصحاب هذه المهنة لا يكونون في محلات خاصة بهم يقصدون الناس إليها، بل تجدهم في مختلف الأحياء، يقفون في الغالب أمام محلات بيع التجهيزات المنزلية، أو محلات بيع المواد الغذائية (البقالة)، لأن هذه المحلات هي التي يتوجه إليها أي شخص في حاجة إلى «معلم»، كما يسميه المغاربة، لسؤال أصحابها أن يدلهم على كل من يقوم بإجراء مختلف التصليحات في البيت، مثل إصلاح صنابير الحمامات والمطبخ والمواسير وغيرها، بالإضافة إلى إصلاح الهوائيات التي يصيبها العطب بمجرد هطول الأمطار بغزارة أو هبوب رياح قوية، حيث تختفي الإشارة نهائيا من جهاز التلفزيون، ولا يجد الناس أي حيلة أمام هذا الأمر.

يقول «البهجة» وهو شاب مشهور بهذا اللقب في حي أكدال بالرباط، بتصليح «البارابول» إن سكان الحي وحتى الأحياء المجاورة يفضلونه عن «المعلمين» الآخرين، لأنه لا يطلب ثمنا مرتفعا مقابل إصلاح عطب الصحون الهوائية، في حين أن زملاءه في هذه الحرفة «جشعون» ويستغلون عجز الناس عن إصلاح هوائياتهم, ورغبتهم في متابعة برامجهم المفضلة على الفضائيات، فيطلبون مبلغا مرتفعا مقابل عمل بسيط قد لا تتجاوز مدته بضع دقائق، وهو 100 درهم (12 دولارا)، أما المبلغ الذي يتقاضاه فهو ما بين 30 أو 40 درهما حسب نوعية العطب، وأحيانا لا يحدد الثمن مسبقا بل يترك للزبون أن يقدر بنفسه السعر الذي يستحقه مقابل الخدمة التي قدمها له.

ويضيف أن فصل الشتاء هو الفصل الذي يكثر فيه العمل بسبب تضرر الهوائيات بالأمطار والرياح حيث يتلقى مكالمات على هاتفه الجوال من عدة أشخاص في اليوم الواحد. ويوضح أن الطلب يزداد إذا تصادف تعطل هذه الهوائيات مع مباراة مهمة في كرة القدم، حيث لا يستطيع الشباب على الخصوص تأجيل إصلاح جهاز التلفزيون إلى يوم آخر وتفويت متابعة فريقهم المفضل.

ويوضح البهجة، وعمره ثلاثون عاما، أنه ظل عاطلا عن العمل مدة طويلة بسبب انقطاعه عن الدراسة مبكرا، وتنقل بين عدة مهن مؤقتة، حيث عمل بائعا متجولا، ومساعدا لأحد تجار الملابس، كما حاول أكثر من مرة الهجرة إلى الخارج، إلا أنه عدل عن الفكرة نهائيا بسبب الأخطار التي تعترض المهاجرين السريين وفقدان الكثير منهم لحياتهم غرقا في البحار، على حد قوله. إلى أن اهتدى إلى هذه الحرفة عن طريق أحد أصدقائه، الذي نصحه بتعلم إصلاح الهوائيات وتركيبها، لأنها لا تتطلب سوى اقتناء أدوات بسيطة للعمل ومردودها المالي جيد. وقال إنه فضل أن يأتي إلى حي «أكدال» الذي تقطنه طبقة متوسطة، لأن أغلب السكان ميسورون في نظره ويمنحونه أجرا معقولا جراء عمله ومن دون مساومة. وأوضح البهجة أنه وجد تعاطفا من صاحب محل لبيع المواد الغذائية في هذا الحي من بلدته في الجنوب؛ يترك لديه حقيبته التي تحمل أدوات العمل، وكلما جاء زبون يسأل عن «معلم» لإصلاح «البارابول» يعطيه رقم هاتف «البهجة»، وأحيانا يقوم صاحب المحل بالاتصال به ليأتي في الحال ويرافق الزبون إلى منزله.

يقول «البهجة» إن مهنته على بساطتها لا تخلو من مخاطر، فهو قد يتعرض للسقوط من السطوح العالية للعمارات، لذا فإن عمله يتطلب الحذر الشديد.

وحول ما إذا كان يواجه منافسة من زملائه الآخرين، قال إن المنافسة موجودة وعلى أشدها، إلا أنه مقتنع بأن «لكل واحد رزقه»، وبالتالي يبتعد عن افتعال أي مشكلات مع «المعلمين» الآخرين. وأضاف أن عدد الشبان الذي يقومون بإصلاح الهوائيات ليس كبيرا في الحي الذي اختاره «مقرا» لعمله، إلا أن «هناك من يأتي من أحياء أخرى لمنافستنا، وذلك عن طريق وضع (بطاقات زيارة) خاصة بهم داخل صناديق البريد الموجودة في مدخل العمارات السكنية»، حيث يحتفظ السكان بتلك البطاقات،للاتصال بأصحابها عند الحاجة. بيد أنه قال إنه لا يكترث كثيرا لهم، لأنه أصبح لديه عدد من الزبائن «القارين» يثقون به ويتصلون به باستمرار.

وردا على سؤال حول ما إذا كان مصلحو الهوائيات يعانون من البطالة بعد فصل الشتاء واستقرار أحوال الطقس، ضحك البهجة وقال إن مهنته لا تقتصر على إصلاح أعطال الهوائيات فقط، بل يقوم أيضا بتركيب الصحون الهوائية الجديدة وبرمجة القنوات التلفزيونية على جهاز الاستقبال، وهذه العملية يتقاضى عنها مبلغا أكبر وهي غير مرتبطة بالطقس أو بفصل معين، بل طوال العام لأن عددا كبيرا من الناس يرغبون في استبدال أجهزة التلفزيون القديمة واستخدام الأجهزة المسطحة «إل سي دي». كما أن الحي يقصده الكثير من القاطنين الجدد؛ سواء الطلبة بحكم قربه من الجامعات أو الموظفون، وأول ما يقوم به هؤلاء هو البحث عن الذي يركب لهم الصحن الهوائي على الشرفة، أو على السطح، لأنه «لا أحد يستطيع أن يظل ليوم واحد من دون تلفزيون»، على حد قوله.