اختبارات الأدوية الجديدة تثير جدلا واسعا في الهند

الشركات تستفيد من انخفاض التكاليف.. وشكوك حول موافقة الأفراد

شاراد غيتي يعرض صورة زوجته التي توفيت بمرض ألزهايمر («واشنطن بوست»)
TT

اكتشف شاراد غيتي، 80 عاما، أمرا مروعا بعد شهرين من وفاة زوجته بمرض ألزهايمر، وهو أن الأدوية المجانية التي ظلت زوجته شيلا تتناولها لمدة عامين قبل وفاتها كانت جزءا من تجربة سريرية.

وقد تساءل غيتي، بينما هو جالس في منزله في بلدة خاندوا، وهي بلدة صغيرة في ولاية ماديا براديش الواقعة في وسط الهند، قائلا: «لقد قال لنا الطبيب إن هذه الأدوية مجانية، وإنها كانت ستطرح في الأسواق قريبا من قبل شركة أجنبية، ولكنه لم يقُل لنا قط إنها أدوية يتم تجربتها أو اختبارها، ولكن هل كنت سأخاطر إذا كان قد أخبرني بالحقيقة؟».

وقد ارتفع عدد الهنود المشاركين في اختبارات الأدوية منذ أن خففت الهند من المبادئ التوجيهية الخاصة بإجراء الاختبارات على الأدوية في عام 2005 مما يقرب من الصفر، ليصل عددهم إلى 150 ألف شخص، حيث تحاول شركات الأدوية الدولية الاستفادة من انخفاض التكاليف في الهند، ولكن الشكوك حول عملية الحصول على موافقة الأفراد الذين يتم تجربة الدواء عليهم قد أثارت مخاوف من أن الكثير من الهنود يشاركون في هذه التجارب دون معرفة المخاطر التي تكتنفها.

وقد كشف التحقيق الذي أجرته حكومة ولاية ماديا براديش عن انتهاك ستة أطباء للمعايير الأخلاقية من أجل الحصول على موافقة المرضى للمشاركة في اختبارات الأدوية، وعن أنهم لم يقوموا بصرف تعويض لأولئك الذين عانوا من آثار جانبية ضارة خلال الـ76 اختبارا من اختبارات الأدوية التي تم إجراؤها، والتي شارك فيها 3300 مريض منذ عام 2006، وذلك وفقا للنتائج التي نشرت في يونيو (حزيران) الماضي.

وقد دعا المجلس الهندي للأبحاث الطبية، في أعقاب الجدل الذي ساد مؤخرا، أفراد الجمهور إلى تقديم آرائهم حول التعويضات عن الإصابات التي تحدث خلال البحوث السريرية.

وقد ذكر في استمارة الموافقة التي وقع عليها غيتي أن الأدوية التي تناولتها زوجته كانت جزءا من إحدى الدراسات، حيث قال غيتي متحدثا عن زوجته، التي كانت تعمل مغنية: «لقد دفعني قلقي الشديد على صحة زوجتي إلى الموافقة على كل ما جاء بالاستمارة والتوقيع عليها، حيث إننا لم نشك قط في الطبيب، وكنا نثق به ثقة عمياء. ولكن زوجتي أصبحت طريحة الفراش بعد ذلك، وتوقفت عن الكلام معنا أو الاستماع لنا، وتحولت إلى نبات لا يعي شيئا».

ووفقا لما ذكرته وكالة تنظيم الأدوية التابعة للحكومة فقد توفي 1700 شخص من الذين شاركوا في تجارب الأدوية السريرية في جميع أنحاء الهند في الفترة من 2007 إلى 2010، وعلى الرغم من ذلك لم يتم إجراء تشريح لجثة أي من أولئك المرضى لتحديد أسباب الوفاة. وقد تم تعويض 22 أسرة من أسر المتوفين من جانب شركات الأدوية الأميركية والأوروبية في عام 2010، حيث تراوحت قيمة تلك التعويضات بين 2000 و20000 دولار.

وقد نتج عن تجارب الأدوية السريرية أعمال تجارية بقيمة 300 مليون دولار في الهند في عام 2010، وذلك وفقا لما ذكره اتحاد الصناعة الهندية، حيث قال المحللون إن إجراء اختبارات الأدوية هنا في الهند يوفر على شركات الأدوية ما يقرب من 40 في المائة من التكلفة الإجمالية لتطوير الأدوية، نظرا لأن مهنيي الرعاية الصحية أرخص أجرا في الهند، بالإضافة إلى كون المسؤولية القانونية ليست كبيرة جدا. كما أن وجود عدد كبير من المرضى الذين يعانون من أمراض مختلفة، وأطباء يتحدثون اللغة الإنجليزية، يجعل أيضا من الهند وجهة خارجية جذابة لإجراء اختبارات الأدوية فيها.

وقال غولهاتي، وهو رئيس تحرير مجلة «المؤشر الشهري للتخصصات الطبية»، في مقابلة أجريت معه: «إن الهند قد أصبحت مركزا لاختبارات الأدوية، كما أصبح المرضى الهنود مثل خنازير التجارب الغينية، ولم تعد لجان مراجعة النواحي الأخلاقية تجدي نفعا، حيث توافق هيئة الرقابة على الأدوية على جميع طلبات إجراء الاختبارات تقريبا، دون تمحيص دقيق، وهكذا يتم خداع المرضى الفقراء المطمئنين، بينما يجني الأطباء والمستشفيات الأموال الطائلة».

وقد شارك المرضى في مدينة إندور بوسط الهند، وهي المدينة التي ذهب إليها غيتي وزوجته لعلاجها من مرض ألزهايمر، في اختبارات الأدوية التي تجريها فروع شركات الأدوية العالمية في الهند، مثل «نوفارتيس»، و«فايزر»، و«ميرك»، و«غلاكسو سميثكلاين»، و«بورنغير إنغلهايم»، وذلك وفقا للوثائق التي حصل عليها مجموعة من الناشطين من خلال قانون الحق في الحصول على المعلومات، حيث أجرت شركات الأدوية الأميركية مجموعة من اختبارات الأدوية الخاصة بأمراض متنوعة، مثل داء باركنسون، والسكتات الدماغية، وعدوى العين، وأمراض القلب والمعدة.

وقال أناند راي، وهو طبيب يعمل في مستشفى «إم واي» الذي تديره الحكومة، وأحد الذين يقومون بالإبلاغ عن المخالفات: «لقد حول حفنة من الأطباء هذه العملية إلى عمل تجاري جانبي مربح، ومعظم المرضى الذين شاركوا في الاختبارات لم يكن لديهم فكرة عما كان يجري، حيث تم إجراء الكثير من التجارب على الأطفال، والمرضى المصابين بأمراض عقلية، والمرضى الأميين».

وقال راي إنه حصل على استمارات وقع عليها المرضى الأميون ببصمة إبهامهم، وإن الأطباء أنفسهم هم من صدقوا على هذه الاستمارات، وليس شهود المستقلين، مضيفا أن استمارات الموافقة المكتوبة باللغة الهندية لا تزيد عن صفحة واحدة طويلة «مليئة بالكلمات الصعبة»، بينما تقع الاستمارات المكتوبة باللغة الإنجليزية، التي نجح في الحصول عليها، في 30 صفحة.

وقال راي إنه تلقى رسالة بالبريد الإلكتروني في الشهر الماضي من مكتب هيئة الأغذية والدواء في السفارة الأميركية في نيودلهي تطلب منه «معلومات محددة بشأن التجارب السريرية المثيرة للقلق»، التي أجريت في ولاية ماديا براديش.

وقال متحدث باسم شركة «ميرك» في رسالة بالبريد الإلكتروني إن الشركة كانت على علم بالادعاءات، ولكن فرع الشركة في الهند، شركة «إم إس دي»، قد أعطى بيانات كاملة عن التجارب التي يجريها إلى وكالة تنظيم الأدوية الهندية، وإن الوكالة «لم تجدها مسؤولة عن تعويض أي مريض»، حيث لم يتم الإبلاغ عن حدوث أي وفيات من جراء هذه التجارب، التي ظلت مستمرة طوال السنوات الخمس الماضية.

وقال متحدث باسم شركة «فايزر» إن الشركة ألغت التجارب التي كانت تجريها في مدينة إندور بسبب عدم اتباع الإجراءات المناسبة، وإنها قد أنتجت كتابا صوتيا ناطقا باللغة الهندية ليتداوله الموظفون والمرضى في المستشفيات، حيث يهدف الكتاب إلى تعريف المشاركين في اختبارات الأدوية بحقوقهم ومسؤولياتهم.

وقال شاراد بانديت، مسؤول الصحة الطبية في إندور: «الناس الآن سيفكرون مرتين وثلاث مرات قبل دخولهم أي مستشفى في إندور بسبب هذه الفضيحة».

ولكن أحد الأطباء الذين ورد اسمهم في التحقيق قال إن جميع التجارب التي أجريت كانت سليمة من الناحية الأخلاقية والقانونية، وإن البروتوكولات التي اتبعت هي نفسها التي تم اتباعها في كوريا الجنوبية وماليزيا وتايلاند.

وقال أبروفا بورنك، وهو طبيب أعصاب قال إنه أجرى تجارب على 40 مريضا نيابة عن مجموعة من الشركات، مثل «إم إس دي»، و«فايزر»، و«ايساي»، وهي شركة أدوية يابانية: «إن عملية الحصول على الموافقات مليئة بالتفاصيل ودقيقة وموحدة، والمرضى الأقل تعليما والأميون يفهمون جيدا الفروق الدقيقة بين التعمية والسيطرة والعشوائية»، مضيفا أن إدارة الأغذية والأدوية الأميركية قد وافقت بالفعل على الجرعة الجديدة من أقراص الـ«دونيبيزل» التي تنتجها شركة «ايساي» للمرضى الذين يعانون من مرض ألزهايمر، معتمدة بشكل جزئي على التجارب التي تم إجراؤها في إندور. وقد امتنع متحدث باسم إدارة الأغذية والأدوية عن إعطاء أي معلومات عن الدواء الجديد.

وقد ظهرت تساؤلات حول عملية الحصول على الموافقات في العام الماضي أثناء مشروع إرشادي حول لقاح لسرطان عنق الرحم الذي ينتقل بالاتصال الجنسي، والذي قامت به المنظمة الخيرية «باث إنترناشيونال»، التي يقع مقرها في مدينة سياتل، وولاية أندرا براديش الجنوبية، حيث تم تلقيح مئات الفتيات الصغار في المدارس بعد الحصول على موافقة معلميهن والقائمين على مساكن الطالبات، بدلا من الحصول على موافقة ذويهن، كما كانت بطاقات التطعيم التي أعطيت للفتيات مكتوبة باللغة الإنجليزية بدلا من لغتهن الأم.

وعلى الرغم من أن منظمة «باث إنترناشيونال» قد ذكرت أن الهدف من هذه الدراسة لم يكن تقييم فعالية وسلامة اللقاح ولكن توليد الإثباتات اللازمة لإدخاله في برنامج التحصين في الهند، فإن التقرير الاستقصائي الذي أصدرته جماعة «سما»، وهي جماعة حقوقيه تدافع عن صحة المرأة ويقع مقرها في مدينة نيودلهي، أوضح أن الكثير من أولئك الفتيات يعانين من آلام حادة في المعدة ومن الصداع والدوخة، وهو الأمر الذي دفع الحكومة للتوقف عن إجراء تلك الدراسة في وقت لاحق.

وقد أوصى التحقيق الذي أجرته الحكومة في الشهر الماضي في إندور بضرورة قيام الأطباء بتصوير شريط فيديو لعملية الحصول على موافقة المرضى، إلى جانب وضع لافتات كبيرة على جدران المستشفيات تعرف المرضى باختبارات الأدوية الجارية في الوقت الحالي.

ويعمل النشطاء في مجال الصحة في هذه الأثناء على جمع شهادات موقعة من المئات من المشاركين في اختبارات الأدوية وأسرهم في جميع أنحاء الهند، حيث يقول أموليا نيدهي، وهو ناشط في مجال الصحة يعمل في منتدى حقوق الصحة في إندور: «سنرفع قضايا قانونية قريبا» ضد شركات الأدوية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»