شبان عراقيون يقلدون «الإيمو» لجذب الانتباه

ظاهرة تلبي دوافعهم النفسية نحو الانعزال والحزن

لم تعارض السلطات العراقية هذه الظاهرة برغم انتشارها الواسع في الجامعات والمدارس حيث بات أنصار الـ«إيمو» يرتدون سراويل «جينز» ضيقة، ويطبـعون الأوشـام على جسدهم («الشرق الأوسط»)
TT

شكلت ظاهرة شباب «الإيمو» المعروفة في الغرب علامة فارقة بين أوساط الشباب العراقي اليوم، وصار من الطبيعي رؤية الكثير منهم وهم يقلدون ملابس وإكسسوارات هذه الشريحة، ولأجله طرحت محال تجارية في الأحياء الراقية خصوصا منتوجاتها من لوازم «الإيمو» من الجماجم وصور الشيطان وغيرها من الأشكال الغريبة، في حين حرصت محال الحلاقة على الترويج لتسريحات تشابه تسريحات «الإيمو» المعروفة عالميا.

وتقدم محلات تجارية متخصصة في عدد من أحياء العاصمة بغداد، مثل المنصور والكرادة وشارع فلسطين، أزياء وإكسسوارات «الإيمو». كما يمكن الحصول على إكسسوارات وأساور وخواتم غالبيتها ذات لون فضي أو أسود من باعة الأرصفة في الشوارع المكتظة. بعض المحال صممت ديكورها بشكل مثير لجذب الشباب، من ناحية إشعال الأضواء الحمراء الخافتة، ونشر الأقنعة والجماجم والملابس التي تحمل تلك الصور باللونين الأسود والأبيض والإكسسوارات الغريبة. ويرى مهند، صاحب محل تجاري، أن هناك إقبالا كبيرا على شراء ملابس «الإيمو»، مضيفا أن «لدينا زبائن يتصلون بنا باستمرار لمتابعة كل ما هو جديد».

ويتوقع أصحاب المحلات التجارية إقبالا أكبر من المعتاد على ملابس «الإيمو» مع تزايد تقليد هذه الظاهرة في المدارس والجامعات، بسبب مطالبة الكثير من الأبناء عائلاتهم بشراء ملابس تحمل صور جماجم، لتقليد أقرانهم ممن ينتمون إلى ظاهرة «الإيمو».

ويعاني شباب عراقيون من تنامي ظاهرة البطالة وقلة فرص السياحة والترفيه وممارسة هوايتهم، مما أسهم في توجههم لتقليد الظاهرة، كونها تلبي دوافعهم النفسية نحو الانعزال والحزن، على الرغم من أن كلمة «إيمو» وكما هو معروف مشتقة من كلمة «emotional» الإنجليزية، ومعناها حساس أو عاطفي أو ذو مشاعر مرهفة، ومعظم شباب «الإيمو» في العراق يتخذون سلوكا خاصا بهم من حيث نظام ملبس معين، وموسيقى معينة، وتسريحة شعر خاصة.

ولم تعارض السلطات العراقية هذه الظاهرة على الرغم من انتشارها الواسع في الجامعات والمدارس، حيث بات أنصار «الإيمو» يرتدون سراويل «جينز» ضيقة، ويطبعون الأوشام على جسدهم، ويتميزون في قصات شعرهم.

الشابة نور عدنان (14 سنة)، من منطقة المنصور (أحد الأحياء الراقية في العاصمة بغداد)، التي فضلت الظهور بقصة شعر مختلفة تغطي نصف وجهها، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «تعرفت على (الإيمو) منذ شهر تقريبا بعدما شاهدت الكثير من زميلاتي يتحدثن عنها وهم يرتدون أزياء مميزة وإكسسوارات وحقائب يد وأشياء أخرى غريبة ومتنوعة». وتضيف «أنا أعشق موضة الملابس المميزة، وقررت الاستغناء عن جميع ملابسي القديمة واستبدالها بأخرى حديثة تواكب موضة (الإيمو). لقد أصبح لدي كم هائل من الإكسسوارات تتناسب مع كل زي أرتديه. لهذا أشعر أنني أصبحت مميزة ومثار إعجاب بين الأهل والأصدقاء».

أما الشابة هبة أحمد (15 عاما)، فقد فضلت تبادل الصور ومقاطع الـ«يوتيوب» مع أصدقائها «الإيمو» في غروبات الـ«فيس بوك» وتصفه بأنه يمنحها حرية أكبر لمشاركة زملائها «الإيمو» بسبب تعرضهم لانتقاد المجتمع أحيانا. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «(الإيمو) هو وسيلة للظهور وفق مزاج شخصي لا علاقة له بما يروج له البعض من كونه عبادة للشيطان».

لكن الشاب أنور هاشم (17 عاما) يسكن منطقة السعدون، عارض ظاهرة «الإيمو» ووصفها بأنها لا تلائم المجتمع العراقي، كون أن بعض مقلديها، ومنهم طلبة جامعات، يتقمصون أجواء الحزن لدرجة تصل للانتحار، ويقول: «بعض الشباب وأيضا الشابات من طلبة المدارس يعمدون إلى ممارسة تقليعات أوروبية غير مستحبة، مثل ثقب الأنف وتعليق الحلي، وكذلك وضع الكحل الأسود بشكل طاغ، وبعضهم يعمد إلى إجراء عملية جراحية في أذنه لتغيير شكلها بما يشابه شكل آذان الشياطين».

الباحثة في علم الاجتماع فوزية العطية ترى أن إقبال الكثير من الشباب على ظاهرة «الإيمو» هو محاولة منهم لجذب الانتباه والحصول على نوع من الاهتمام. وشددت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» على «أن الظروف الصعبة وعدم الاستقرار الذي عانى منه العراق في العقود الأخيرة أثرت سلبا على المجتمع، وخاصة على فئة الشباب».

ولفتت إلى أن «تعرض الشباب لإحباطات متراكمة بسبب الحروب وما نجم عنها من تفكك في مختلف المؤسسات بما فيها الأسرة، يؤدي إلى وجود نزاعات داخلية لدى الأفراد. فالعائلة عندما تتفكك لا تستطيع أن تلبي الاحتياجات النفسية والمادية لأبنائها، مما يدفع بهؤلاء الأبناء إلى التعبير عن ذاتهم بطرق مختلفة حتى وإن كانت غريبة عن مجتمعاتهم». وأوضحت العطية «أن الانفتاح المفاجئ على وسائل الإعلام الحديثة (بما فيها الفضائيات والإنترنت) أسهم في انتشار ظاهرة (الإيمو) وغيرها من الظواهر المستوردة».

مقابلها ترى بعض غروبات «الإيمو» في الـ«فيس بوك» أن توجههم نحو الظاهرة هو جزء من مظاهر الحرية والانفتاح الذي أصبح يعيشه العراق في السنوات الأخيرة، إذ أصبح المرء يشاهد شباب «الإيمو» في العراق يتباهون بأزيائهم المميزة في الجامعات والمدارس، وكذلك في المقاهي والمطاعم، خاصة في ظل التفهم الذي تبديه السلطات العراقية تجاه هذه الظاهرة، وعدم فرض أي حظر عليها.