الحواجز الأمنية تقطع أوصال المدن السورية لتسهيل سيطرة النظام عليها

بدأت بأطراف المدن وتسللت إلى الداخل.. وجدران الأكياس الرملية ارتفعت حول المقرات الأمنية بدمشق

تشييع حاشد لأحد قتلى الانتفاضة السورية في خـربـة غـزالـة بمحافظة درعا السورية أمس
TT

عندما تسلم الرئيس السوري بشار الأسد السلطة في سوريا، خلفا لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 2000، كانت أول مظاهر التغيير التي أريد لها أن تكون معبرة عن مشروع الإصلاح والتحديث، الذي وعد به قبل سنوات قليلة من وصوله إلى السلطة، هو «تخفيف المظاهر الأمنية في شوارع دمشق العاصمة».

يقول عادل، وهو أحد الناشطين السوريين، في نقاش دار ضمن مجموعة سورية على موقع «فيس بوك»، إنه حين قرر النظام رفع الحواجز «نقل مراسلو وسائل الإعلام الخارجية تلك الخطوة كواحد من الأحداث المهمة، باعتبارها خطوة تتجاوز الشكل لتكون رسالة تطمئن المجتمع الدولي، الذي طوب توريث السلطة في الجمهورية السورية».

ورأى عادل أن رسالة النظام آنذاك أرادت القول إن الأسد الابن «بدأ بالحد من تغول السلطة الأمنية في الشارع السوري، كأول خطوة على طريق الإصلاح والتحديث، عبر إزالة الحواجز والمتاريس من الشوارع التي تحتلها المقرات الأمنية والعسكرية، وجعلها تتراجع عدة أمتار مفسحة المجال للمارة».

لكن آخر رد على عادل بالقول إنه «بعد عقود من حكم الأب لسوريا بقبضة من حديد، والاطمئنان لفكرة أن الشعب السوري نام ولن يستيقظ أبدا، لم يعد هناك حاجة لتلك الوسائل في بلد غير مهدد من الخارج بشكل جدي».

إلا أن لمى اختلفت معه حول نقطة التهديد الخارجي، مشيرة إلى «الضغط السياسي الهائل التي تعرض لها النظام بعد احتلال العراق، ومن ثم تأزم الوضع في لبنان على خلفية اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، إلا أن عادل عاد للتأكيد أنه «وعلى الرغم من كل الضغوطات السياسية الهائلة التي تعرض لها النظام، فإن المظاهر الأمنية التي أزيلت عام 2000 لم تعد»، مشيرا إلى «أحداث اغتيال المسؤول في حزب الله عماد مغنية والمسؤول الأمني الرفيع محمد سليمان، وأيضا أكثر من تفجير في العاصمة أنها كلها لم تعيد المظاهر الأمنية» ما يؤكد بحسب وجهة نظره أن الحواجز والمظاهر الأمنية في سوريا وطيلة حكم آل الأسد كانت موجهة للداخل وليس الخارج»، مستعينا على تثبيت صحة رأيه بالإشارة إلى أن «خروج المظاهرات الشعبية المناهضة للنظام هي التي أعادت تلك المظاهر الأمنية وعلى نحو مضاعف، بعد تقسيم المدن والمناطق السورية المنتفضة إلى مربعات تقطع أوصالها وتعزلها حين الحاجة، بواسطة الحواجز».

في حمص، بات الحديث عن الحواجز الأمنية جزءا من الحديث اليومي، الذي لم تستثنِه النكتة، ويقال إن «حمصيا سأل آخر على الهاتف: كم تبقى لك من الوقت كي تصل؟ فرد عليه: باقي عشر حواجز وأصل». أما تحذيرات الناشطين عبر «فيس بوك»، فأغلبها حول الحواجز التي باتت توصف بأوصاف تشير إلى شدة تعاملها مع الأهالي، فيتم التحذير من حاجز بعينه لأنه «حاجز حقير بالقرب منه يوجد قناص»، أو أنهم «الجنود هناك يطلقون النار بشكل عشوائي» أو (وهو الأهم) أنه «عند حاجز معين يوجد قوات من الأمن تقوم بحملة اعتقالات وفق قوائم محددة».

والحواجز منها الثابت ومنها الطيار (المتحرك)، عسكرية وأمنية، فيها قوات مشتركة من الأجهزة الأمنية والجيش، وبدأت في درعا منذ أبريل (نيسان) الماضي، واتسعت لتشمل مختلف أنحاء البلاد، حتى وصلت إلى قلب العاصمة دمشق.

ويقول ناشط في حمص إن «الأهالي في بعض الأحياء كانوا يميزون في تعاملهم بين جنود الجيش النظامي ورجال الأجهزة الأمنية، فكانوا يعطفون على الجنود ويقيمون معهم علاقات ودية إلا أنه عندما كان يتم التنبه من قبل الجهات الأمنية إلى ذلك يتم إبعاد الجنود ودس عناصر أمن بلباس عسكري عند الحاجز، لمنع نشوء أي علاقات ودية مع السكان».

في الأشهر الأولى للأحداث في سوريا كانت الحواجز تقتصر على مداخل المدن والبلدات، حيث يتم التفتيش والاطلاع على هويات العابرين بغية التضييق على السكان المنتفضين واعتقال المطلوبين، ومنع توافد المتظاهرين من مناطق أخرى لمساندة متظاهرين في منطقة أخرى، ومع اشتداد الاحتجاجات، تسللت تلك الحواجز إلى الداخل، وباتت على مداخل الأحياء تمنع التواصل بينها، وتتولى مهمة إطلاق النار لتفريق المظاهرات التي تنطلق داخل الأحياء. وفي مناطق يقوم المتظاهرون بتأمين حماية للمتظاهرين عبر وضع مراقبين يشغلون قوات الأمن ويؤخرون وصولهم إلى مكان المظاهرة، بحسب ما يؤكده كلام ناشطون في دمشق. وتقول إحدى الناشطات إن الحواجز وضعت «في كل المناطق التي كانت تشهد مظاهرات قبل أن تصل إلى العاصمة دمشق، حيث لا تزال المظاهرات الكبيرة تخرج في أحيائها الكبيرة المتطرفة، كالميدان والحجر الأسود والقدم ونهر عيشة وعسالي وبرزة وركن الدين، وكل تلك الأحياء تم عزلها بحواجز يتم تعزيزها أو تخفيفها بحسب شدة الأحداث، أما قلب العاصمة، فاقتصر على مظاهرات شبابية طيارة تخرج بشكل مفاجئ، ولم يتم وضع حواجز داخل المدينة كتلك التي نصبت في المدن الأخرى، لكن تم تعزيز الحماية وارتفعت جدران الأكياس الرملية حول المقرات الأمنية والعسكرية داخل المدينة، مع انتشار للعناصر المسلحة حولها وبشكل مكثف، وتأثرت حركة السير في الشوارع التي باتت تضيق على السيارات والمارة وذلك نتيجة تواجد تلك المقرات داخل الأحياء السكنية والوسط التجاري»، مع الإشارة إلى أن ذلك تزايد على نحو «مضاعف بعد الهجوم الذي شنه جنود منشقون في الجيش الحر منذ نحو شهرين على مقر المخابرات الجوية، عند مدخل دمشق الجنوبي من جهة مدينة حرستا، ومن ثم الهجوم على مقر حزب البعث في حي المزرعة وسط العاصمة».

وتقول الناشطة «بعد التفجير الذي حصل في مقر الإدارة العامة للمخابرات في حي كفرسوسة في 23/ 11/ 2011، تم نصب حواجز تمنع السير في الطرق المارة من أمام غالبية المقرات الأمنية، وبدأ سكان المدينة يعتادون تلك المظاهر المسلحة وسط الأحياء، ويجهدون في البحث عن طرق فرعية غالبا تكون طويلة للوصول إلى منازلهم».

رامي، الناشط في بلدة جوبر، تحدث عن الحواجز التي نصبت حول مقر المخابرات الجوية في حي العباسيين، الذي يحتل موقعه بجوار ملعب العباسيين الرياضي، ويقول: «في بداية الأحداث، وعندما قرر المتظاهرون الزحف من ريف دمشق إلى ساحة العباسيين، حيث الملعب، تم نصب حواجز في كل الطرق الواصلة بين جوبر والعباسيين تمنع الوصول إلى الساحة، وعلى بعد كيلومترات، ومنذ ذلك الوقت لا تزال هناك حواجز تحد حركة السير، كما تحول ملعب العباسيين إلى معقل لعناصر الأمن الذين يتولون مهمة قمع المظاهرات في جوبر وزملكا وحمورية وعربين وحرستا ودوما في ريف دمشق، ومؤخرا جرى قطع كل الطريق المار من أمام باب مقر الأمن، مما جعل الدخول إلى الأحياء المحيطة بالملعب عسيرا على السيارات».

محمد مصري يسخر في صفحته على موقع «فيس بوك» من قطع الطرق والحواجز في دمشق، ويرى فيها فوائد للثورة، فيكتب: «البحث في متاهة الطرق الفرعية عن منفذ أو مكان الركن السيارة رياضة ذهنية تتطلب الكثير من التفكير ما يجعل الذهن متأهبا، وأيضا الغضب والشعور بالضيق، والخطر من الرشاشات المنصوبة على بعض الحواجز طريقة جيدة تضمن أسباب استمرار التظاهر لمناهضة النظام».

رشا التي تقطن وسط دمشق قريبا من ساحة السبع بحرات، التي تخرج فيها المسيرات المؤيدة، لفتت عبر «سكايب» إلى أن «إيقاع الحركة في مدينة دمشق تغير في الشهرين الأخيرين، وتحولت من مدينة لا تنام، وبالأخص في الأحياء الشعبية والأسواق والوسط التجاري، إلى مدينة تسكن الحركة فيها بعد العاشرة ليلا»، مشيرة إلى أن الصعوبة ليست في الحواجز الثابتة التي تحيط بالمقرات الأمنية، وإنما في المسيرات المؤيدة التي يتم التحضير لتكون حاشدة، ويتم قطع الطرق الواصلة إلى أماكن تجمعها، وبالأخص ساحة السبع بحرات، ومع كل مسيرة تشل حركة وسط المدينة وفي وقت الظهيرة أي وقت الذروة أما «في الليل فعلى سكان تلك الأحياء المحيطة بالساحة أن يتحملوا بصمت ضجيج تجريب أجهزة الموسيقى التي ستصدح بالأغاني الوطنية في اليوم التالي».

ومع كل مسيرة تقول رشا: «يبدأ البعض بتبليغ الأصدقاء؛ سواء عبر الإنترنت أو الهاتف بأن مسيرة ما متوقعة في ذلك المكان كي لا يتورط في عبور الشوارع المحيطة وإضاعة الوقت في الازدحام» وتؤكد رشا على أن «ثمة خرائط تتوالد يوميا لطرق فرعية يضعها السوريون لتحديد خط سيرهم المتعثر».