أميركيون ذوو أصول سورية يراقبون الانتفاضة بقلق.. ويساهمون فيها ثوارا افتراضيين

يتواصلون مع بني جلدتهم في الداخل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. وبعضهم يتعرض لتهديدات

جانب من مظاهرة حاشدة مناوئة للنظام السوري أمس
TT

في الوقت الذي تتوجه فيه غالبية جيرانها كل ليلة إلى مضاجعهم في سيلفر سبرينغ، تفتح خولة يوسف كومبيوترها المحمول لتشارك في ثورة.

عبر «سكاي بي» و«فيس بوك» تتواصل خولة مع السوريين الذين يحاولون على مدى عشرة أشهر تغيير النظام. وتشاهد فيلما، تم تسجيله من هاتف جوال مهتز، لمظاهرات في مدن نائية وتستمع إلى أبناء بلدها يصفون الحياة اليومية الغريبة لبلدهم تحت الحصار.

تقول خولة، ابنه الثالثة والأربعين وهي أم لشابين، التي حصلت على إجازة من عملها معلمة للغة العربية لمساعدة الانتفاضة التي انطلقت ربيع العام الماضي والتي ووجهت بأعمال قمعية عنيفة من جانب الحكومة السورية: «أحيانا ما أقول بتسجيلها، لأنها جزء من تاريخنا». من ناحية أخرى، يقضي أفراد عائلتها، عمار عبد الحميد، زوجها، الناشط منذ زمن بعيد، وابنتها علا، 25 عاما، وابنها مهند، 21 عاما، ليلهم ثوارا افتراضيين. وتقول خولة، التي يتابع صفحتها على «فيس بوك» 7.000 شخص: «صفحاتنا على (فيس بوك) أشبه بالوكالات الإعلامية، أحيانا ما أجري حوارات مع 10 أشخاص في آن واحد». تفاعل السوريون في جميع أنحاء العالم مع الأحداث في بلادهم بطرق عديدة، وهو ما اتضح خلال الصيف عندما تجمعت مجموعتان متنافستان من المتظاهرين السوريين؛ إحداهما مؤيدة والأخرى معارضة لنظام بشار الأسد، أمام البيت الأبيض في اليوم ذاته.

ويقدر فرج السنبلي، رئيس المجلس السوري - الأميركي ومقره شيكاغو، عدد الأميركيين ذوي الأصول السورية ما بين 40.000 و50.000 شخص، يمثلون المزيج السوري المعقد للأديان، ويعيش كثير منهم هنا منذ أجيال. يشعر بعض الأميركيين السوريين هنا بالغربة إزاء الأحداث في سوريا، والبعض يؤيد الأسد بقوة ويحذرون من أن رحيله سيؤدي إلى الفوضى، فيما يقوم آخرون بحشد المسيرات المعارضة له، مستشهدين بأن أكثر من 5.000 قتيل، أحصتها منظمات حقوق الإنسان خلال الأعمال القمعية منذ مارس (آذار) الماضي وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل. ويقدر السنبلي عدد الأميركيين السوريين الذي يدعمون الانتفاضة بما يقرب من 10.000 شخص، يشكلون جماعات ضغط على المشرعين والدبلوماسيين وينشرون معلومات حول الاعتقالات وعمليات القتل ويرسلون بالأموال سرا إلى سوريا ويقدمون التمويلات والإمدادات الطبية إلى معسكرات اللاجئين في تركيا والأردن.

ولا تزال الأغلبية الصامتة من السوريين في الولايات المتحدة، واقفة على الحياد، كما هي الحال في سوريا.. هذه الأغلبية تتألف من قادة الأقليات الدينية الذين لا يثقون في إمكانية حصولهم على حقوقهم في سوريا ما بعد الأسد، والكثيرون ممن يرغبون في السفر إلى سوريا أو ممن لديهم عائلات هناك يخشون من تعرضهم للخطر.

يؤكد هؤلاء أن العيش في الولايات المتحدة لا يعني أنهم بمعزل عن التعرض للانتقام، مشيرين إلى قضية الرسام السوري الذي يعيش في أطلانطا والذي عزف في مسيرو في يوليو (تموز) الماضي دعما للثورة، وبعد ذلك تعرض والداه في سوريا للضرب المبرح من قبل الشبيحة.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) تم اعتقال محمد أنس هيثم سويد، أميركي سوري من ليسبيرغ، 47 عاما، في فيرجينيا لقيامه بجمع أفلام فيديو وتسجيلات صوتية ومعلومات أخرى عن المتظاهرين بأوامر من الاستخبارات السورية. وقالت لائحة الاتهام: «لإسكات وتخويف وربما الاعتداء على معارضي النظام»، وقد اتهم سويد بتزويد الاستخبارات السورية بأرقام هواتف ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمتظاهرين في الولايات المتحدة. وأشار تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في الشهر نفسه إلى أن المتظاهرين السوريين في أوروبا والولايات المتحدة «تعرضوا لرقابة ومضايقات منهجية من قبل أعضاء السفارة وآخرين، وأن أقاربهم في سوريا، تعرضوا نتيجة لذلك، في بعض الحالات، بشكل واضح لمضايقات واعتقالات وحتى التعذيب». وقد أنكرت السفارة السورية في واشنطن أي علاقة لها بسويد ووصفت مزاعم تقرير «العفو الدولية» بأنه «مختلق تماما». وتقول عائلة عبد الحميد إنهم تلقوا رسائل تهديدية، بما في ذلك تهديدات بالقتل، وإن التحذيرات بدأت تزداد جرأة.. فكتب مجهول على صفحة خولة على «فيس بوك» مؤخرا: «بالنسبة لك والمجموعة التي معك هنا في واشنطن سوف نصفيكم واحدا تلو الآخر، وسوف ترون». وقالت: «عادة ما يبعثون برسائل خاصة، لكن هذه كانت عامة».

لم تثن التهديدات الأسرة، التي بدأ نشاطها قبل سنوات في سوريا. وفي عام 2002 أنشأوا منظمة لحقوق الأقليات في سوريا انتقدت النظام، وفي عام 2005 بعد اتهامها بتلقي أموال من الخارج ووصف عبد الحميد الرئيس علنا بأنه «غبي وأشبه بفريدو كورليوني - في إشارة إلى الابن الأوسط الضعيف في فيلم «العراب» - فرت العائلة إلى الولايات المتحدة وحصلت على اللجوء السياسي.

ما إن استقرت العائلة هنا، حتى عمل عبد الحميد مع وزارة الخارجية في تدريب الصحافيين السوريين، ويعمل حاليا زميلا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية.

أنشأت العائلة «الشبكة الأميركية - السورية للناشطين والمنشقين» التي جمعت ما يقرب من 10.000 دولار وأرسلتها إلى اللاجئين وعائلات المعتقلين أو القتلى. كما أرسل عبد الحميد كاميرات وأجهزة هواتف جوالة تعمل بالأقمار الصناعية وهواتف ذكية إلى الناشطين في سوريا.

قبل هذا العام كان الأميركيون السوريون يميلون إلى اعتبار النشاط السياسي خطرا، وعندما بدأت الانتفاضة في مارس كان الدعم هنا ضعيفا.

فيقول عبد الحميد: «في إحدى المراحل كان يمكنك أن تحصي المؤيدين للانتفاضة على الأصابع»، لكن استمرار الأعمال القمعية ساعد في تحرك المزيد من الأميركيين السوريين. ويشير الدكتور مازن حماد، 56 عاما، الذي يعمل في راليغ بولاية كارولينا الشمالية، والذي انتقل إلى الولايات المتحدة قبل 30 عاما، إلى أنه تردد في البداية في استخدام اسمه على حساب «فيس بوك» المؤيد للثورة. ويقول: «لكني عندما رأيت الأشخاص يتعرضون للقتل، ويدفعون إلى السجون ويختفون، شعرت بنوع من الذنب والحماقة في أن يدفع هؤلاء الأشخاص ثمنا أكبر من أي شيء سيحدث إذا استخدمت اسمي».

هناك آخرون لا يزالون مترددين، وحتى وهم يقدمون المال للمعارضة، فيقول طبيب آخر في راليغ، لم يرغب في ذكر اسمه: «كنت أدعمهم قلبيا، وأدعمهم الآن سرا». ويشير نزيه ظريف، رئيس «الرابطة العربية - السورية في أميركا»، منظمة تضم 300 عضو مؤيدين للنظام التي شكلت في ألينتون بولاية بنسلفانيا، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى أن الأميركيين السوريين يعارضون الانتفاضة. ويقول: «عما قريب ستكون سوريا معيارا للديمقراطية للدول الأخرى في الشرق الأوسط».

أما المسيحيون السوريون تحديدا فقد انقسموا بشأن الانتفاضة، فالبعض منهم يخشى من التعرض للاضطهاد تحت النظام الجديد؛ فيقول بسام بيطار، رئيس مجلس أمناء منظمة «السوريون المسيحيون من أجل الديمقراطية» وأحد مؤسسي «الشبكة الأميركية - السورية للناشطين والمنشقين»: «نحن نحاول أن نعظ كل مسيحي، ونحاول أن نقنعهم».

ومؤخرا، خلال جلسة عائلة عبد الحميد في المستنبت الزجاجي، كان صوت هاتف الـ«آي فون» الخاص بمهند ينقل أصوات الاحتفالات والصرخات من مسيرة في ذلك اليوم في سوريا.

وعادة ما تتحدث خولة مع الأشخاص الذين يستطيعون سماع الرصاصات خارج منازلهم، وأحيانا ما يختفي مراسل منتظم دون تحذير. وتقول: «من الصعب على الإنسان الوقوف مكتوف اليدين»، وتضيف: «أنا بحاجة لأن أكون مع أهلي وأصدقائي. في أميركا ليس لي دور. أنا مجرد شخص ينام ويأكل لا شيء غير ذلك. أنا أحب أن أكون هناك حتى وإن قتلت».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»