تركيا عازمة على فرض عقوبات على فرنسا بعد إقرار قانون تجريم نكران مذبحة الأرمن

التهديدات التركية لم تنفع في ثني مجلس الشيوخ عن إقرار القانون الجديد

TT

لم تنفع التهديدات التركية في ثني مجلس الشيوخ الفرنسي عن التصويت على مشروع قانون يجرم نكران مذبحة الأرمن، الذي سبق أن صوت عليه مجلس النواب في 22 من الشهر الماضي. كما لم تنفع الدعوات الفرنسية لـ«التهدئة» وتغليب المصالح المشتركة ودعوة تركيا إلى الامتناع عن اتخاذ إجراءات عقابية بحق فرنسا ومؤسساتها وشركاتها، ناهيك عن التعاون معها.

وما بدأ قبل 10 سنوات عندما صوت البرلمان الفرنسي على قانون «يعترف» بحصول مجزرة بحق أرمن السلطنة العثمانية، ما بين عام 1915 و1917، وصل أمس إلى خواتيمه باستصدار قانون إضافي يجعل من رفض الاعتراف بالمذبحة الأرمنية جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي بالحبس عاما وبغرامة قيمتها 45 ألف يورو. وبما أن مجلسي النواب والشيوخ قد أقرا مشروع القانون بالصياغة نفسها، فإن المسار التشريعي انتهى أمس، وتحول المشروع إلى قانون سيبدأ العمل به عندما تصدر مراسيمه التطبيقية، وبذلك يكون القانون الفرنسي يجرم نكران إبادة اليهود وإبادة الأرمن.

وجاء تصويت الأمس في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه اليسار، وسط توتر في محيط المجلس حيث كانت هناك مظاهرتان، الأولى معارضة وتضم أتراك فرنسا وبعض الوافدين من الدول الأوروبية المجاورة، والأخرى تضم الأرمن والمتضامنين معهم. وبينما يتهم الأرمن الأتراك بارتكاب عملية إبادة جماعية ذهب ضحيتها، في ذروة الحرب العالمية الأولى، نحو مليون ونصف المليون من الأرمن، عدا عن تهجير مئات الآلاف باتجاه سوريا ولبنان وأوروبا ومنها فرنسا، فإن الخط «الرسمي» التركي «يعترف» بسقوط نحو نصف مليون ضحية، ولكن بسبب الحرب وظروفها لا بسبب مجزرة مدبرة.

ويبلغ عدد الأرمن في فرنسا 600 ألف شخص بينهم 400 ألف ناخب. وبحسب الطرف التركي، فإن أسبابا محض انتخابية دفعت اليمين الفرنسي إلى اقتراح مشروع القانون الأخير. ويذهب هذا الجانب إلى اتهام الرئيس، نيكولا ساركوزي، شخصيا بالدفع باتجاه تبني القانون لحاجته إلى أصوات الأرمن، خصوصا عشية الانتخابات الرئاسية التي ستجرى دورتها الأولى في أواخر شهر أبريل (نيسان) المقبل على أن تجرى الدورة الثانية في السادس من مايو (أيار).

ولا يجانب هذا التحليل الحقيقة كثيرا، لأن نائبة من حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية (الحاكم)، هي التي قدمت اقتراح القانون الذي ما كان ليقر لولا موافقة الحكومة، وخصوصا الرئيس ساركوزي، عليه. لكن الصعوبة تكمن في أن اليمين واليسار متفقان، باستثناء بعض الأصوات، خصوصا من اليمين، على إقرار القانون، بينما تعارضه أوساط رجال الأعمال والشركات الذين نسجوا علاقات اقتصادية وتجارية وشراكات قوية مع تركيا. وجدير بالذكر أن وزير الخارجية، ألان جوبيه، اعتبر الشهر الماضي أن التصويت على القانون «في غير محله» لأن من شأنه، كما تقول أوساط دبلوماسية فرنسية «استفزاز» أنقرة وتدمير الجهود التي قامت بها باريس من أجل إرساء تعاون دبلوماسي وسياسي بين البلدين، خصوصا في الملف السوري. وسبق لباريس أن أعلنت أكثر من مرة أن دور تركيا في الأزمة السورية «أساسي». وسبق لجوبيه أن زار إسطنبول وأنقرة لهذا الغرض. لكن مصادر فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن التواصل مع تركيا بخصوص الملف السوري «تراجع كثيرا» في الأسابيع الأخيرة.

ودعت الخارجية الفرنسية، أمس، على لسان الناطق باسمها، إلى «التهدئة» مستعيدة ما قاله ساركوزي قبل 4 أيام عن الحاجة إلى «برودة الأعصاب» والتصرف بـ«عقلانية» في إشارة إلى المصالح المشتركة بين الجانبين. لكن وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، استبق التصويت بإشهار سيف العقوبات. وبعد تصويت البرلمان، استدعت أنقره سفيرها في باريس وأوقفت التعاون العسكري والدبلوماسي وألغت مناورات مشتركة كانت مقررة، وهي الآن تهدد بعقوبات اقتصادية. ولا يستبعد أن تعمد إلى استدعاء سفيرها ولكن لفترة طويلة هذه المرة، وربما خفض تمثيلها الدبلوماسية وحرمان الشركات الفرنسية من المشاركة في المناقصات الحكومية الكبرى مثل مشاريع البنية التحتية وإنتاج الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة النووية وخطوط نقل النفط وخفض مستوى التبادل التجاري، وربما مقاطعة فرنسا تجاريا والتوجه إلى مصدرين آخرين.

وفي عام 2010 بلغت المبادلات التجارية بين البلدين 12 مليار يورو. وتوجد مئات الشركات الفرنسية من خلال فروعها في تركيا، مما يعني أن تركيا زبون رئيسي لفرنسا.

والواقع أن العلاقات بين أنقرة وباريس لم تكن يوما جيدة منذ وصول ساركوزي إلى الرئاسة بسبب كثرة المواضيع الخلافية التي أهمها، إلى جانب الموضوع الأرمني، رفض ساركوزي القاطع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.