«التاروما ألتاموضة» أسبوع روما للأزياء الراقية.. يسعى لاستعادة أمجاد الماضي

«لوي فيتون» تحط الرحال في العاصمة الإيطالية.. فتزيدها بريقا

TT

قد تعتقد باريس أن موسم الأزياء الراقية من حقها وحدها ولا يمكن لأحد أن ينافسها فيه، لكن لروما رأي آخر. فهي ترى أن تاريخها يعطيها حق دخول هذا المجال، وفعلا دخلته منذ سنوات على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتها، سواء من ناحية شح الموارد أو هجرة أسماء كبيرة من أبنائها إلى ميلانو أو باريس. وهكذا، في كل موسم تؤكد أنها لا تقصد سحب السجاد من تحت أرجل باريس أو حتى منافستها، بقدر ما تطمح إلى إحياء أمجادها في الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، حين كان أمثال «فونتانا» و«فالنتينو» يعرضون فيها ويجذبون لها بريق هوليوود. وهكذا مرت عشرون عاما، هي عمر «التاروما ألتاموضة» AltaModa، أسبوع الأزياء الراقية الروماني، وهي لا تزال تصارع لترسيخ مكانته العالمية، مستعينة بالفن وسحر روما ومعالمها التاريخية لجذب الأنظار إلى مصمميها، سواء من المخضرمين أو المبتدئين، وإلى حرفيتهم العالية. فهي تعرف أنها في موقع لا يمكنها الاعتماد فيه على أسماء مصمميها فقط، بل إلى مجالات أخرى تغني الأسبوع وتستقطب له جمهورا أكبر. ومن هنا جاءت فكرة اعتمادها على الأماكن التاريخية كخلفية للكثير من العروض، إلى جانب دعم الشباب من خلال برنامج «ليمتد/ أنليمتيد»، الذي ترعاه سيلفيا فانتوريني فندي، من دار «فندي»، هذا فضلا عن اعتمادها على شتى أنواع الفنون، من خلال معارض تتزامن مع الأسبوع، مثل تعاونها الأخير مع الفنان إيريك باينبريدج Eric Bainbridge وغيره. لكن يبقى مشروع «ليمتد/ أنليمتيد» من أهم من الفعاليات الجانبية التي يرعاها الأسبوع. فهو لا يسلط الضوء على إبداعات مصممين شباب وإعطائهم فرصة العمر للانطلاق إلى العالمية، بل أيضا يحضرهم لتسلم المشعل من الكبار عند الضرورة. فهم يشكلون أمل روما في دماء شابة تضخ فيها حيوية، بعد أن شاخت معظم البيوت الكبيرة وأصاب أصحابها الهرب أو غيبهم الموت. وهذا ما نجحت فيه إلى الآن بالنظر إلى أسماء المصممين المبتدئين، التي تزيد موسما بعد موسم.

انطلق الأسبوع في نفس المكان المعتاد، ألا وهو «إس سبيريتو إن ساسا»، حيث تقام أغلب العروض، باستثناء عروض قليلة اختارت مواقع تاريخية أخرى متفرقة.

وعلى الرغم من أن الأسماء المشاركة في الأسبوع الروماني قد لا تكون ببريق «ديور» و«شانيل» بالنسبة للمتابعات للموضة من الشابات خصوصا، لكنها حتما باقة من المخضرمين المحترمين من أمثال «سارلي»، «غاتينوني»، «باليسترا» رافائيلا كوريال، سيلفينا مايسترو، من المصممين الذين تعرفهم النخبة من الخبيرات بالموضة. وفي هذا الصدد لا يمكن أن ننسى ذكر أسماء باقة من اللبنانيين المبدعين أمثال عبد محفوظ، جاك غويسو وطوني ورد، الذين لا يكتمل الأسبوع ولا يحلى من دونهم. أجواء أسبوع روما تختلف عن أجواء باريس، ليس في الأهمية والتجربة فحسب بل أيضا في تعامل الرومانيين، مصممين وحضورا، مع الموضة.

فبينما تشعر في باريس بأنك في عاصمة تتقن فنون الإبداع ولغة التسويق والتواصل مع العالم، كما لها إتيكيت معين في هذه العروض، فإنك في روما تشعر أنك في مناسبة عائلية أو حفلة حميمة، جاءها الحضور لدعم صديقا أو فردا من العائلة. في عرض «فاوستو سارلي» مثلا كانت كل الحاضرات من الطبقة الارستقراطية اللواتي يعرفن بعضهم بعضا، يتبادلن القبلات والحديث وكأنهن في بيتهن. كن أيضا في قمة الأناقة وإن كانت أناقة تليق بمناسبات المساء والسهرة أكثر من عرض أزياء في منتصف النهار، من حيث الماكياج وتسريحات الشعر والألوان الذهبية التي تلمع والإكسسوارات الباهظة الثمن. مظهر يذكر بأن عروض الأزياء في الستينات وحتى السبعينات من القرن الماضي كانت مناسبة خاصة للنخبة وليس وسيلة للتسويق العالمي، كما أن العرض كان لدار «فاوستو سارلي» التي يكن لها المجتمع الروماني الأرستقراطي كل الاحترام والود.

من جهتها، لم تخيب الدار آمال الحضور، وإن لم تقدم جديدا يذكر. كان واضحا أن هدف مصممها التذكير بالحرفية التي تتميز بها وباحترامها لأذواق زبوناتها في كل أنحاء العالم. كانت «التايورات» والفساتين المفصلة البطلة؛ بعضها جاء بسيطا في تصميمه والبعض الآخر فنيا لعب فيه على فن الأوريغامي، أحيانا في منطقة الصدر أو الأكتاف وأحيانا في التنورات. كانت هناك أيضا تطريزات بالأحجار والترتر للمرأة التي تميل إلى بريق الثمانينات، في حين أنهى العرض بمجموعة من الفساتين التي يمكن أن تكون اقتراحات لعروس صيف 2012، كلها بالأبيض باستثناء واحد بالوردي بتنورة فخمة من التول.

إذا كان عرض «فاوستو سارلي» درسا في التفصيل ودقة الـ«هوت كوتير»، فإن عرض سيلفينا مايسترو كان أقرب إلى الأزياء الجاهزة منها إلى أزياء راقية. فالتصاميم كانت بسيطة جدا، لم تضف إليها نوعية الأقمشة أي جمالية، بل العكس تماما، جعلتها تبدو أحيانا وكأنها تفتقد إلى التوازن. فالمتعارف عليه أن الأقمشة المترفة والغنية تشكل عنصرا من أهم عناصر الأزياء الراقية، وإلا فإن أسعارها الصاروخية التي تقدر بأكثر من 20 ألف يورو للقميص، تفقد ما يبررها. افتقدت التشكيلة أيضا إلى تيمة محددة ورؤية واضحة، إذ شملت إيحاءات من اليابان في بعضها، بينما بدت في بعضها الآخر مستلهمة من جنون ليدي غاغا، مثل تايور مكون من تنورة ضيقة وجاكيت بدائرة ضخمة تكشف كل الصدر.

تشكيلة المصممة مارتا فيري أيضا كانت أقرب إلى الأزياء الجاهزة، لكنها على الأقل كانت مرحة وعملية وبفكرة واضحة. فقد أخذت الكثير من عناصر الديكور المنزلي وأدخلته إلى عالم الأزياء، بدءا من بعض أشكال الجاكيتات المستديرة إلى نوعية الأقمشة التي يمكن أن تشكل أغطية لكنبة أو ستائر. ما يشفع لها أنها كانت حيوية، مثل تنورة طويلة من المخمل تم تنسيقها مع قميص بلون الكريم، أو جاكيتات ضخمة لكن أنيقة من الصوف المغزول بخشونة. كان تبرير استعمال هذه الأقمشة في التشكيلة سهلا، فبطلة فيلم «ذهب مع الريح» سكارليت أوهارا، سبق أن استعملت ستائر قديمة لصنع فستان فخم في وقت شحت فيه الإمكانيات والأقمشة خلال الحرب الأهلية الأميركية.

شهد الأسبوع أيضا عرض لويجي بوربوني، وهو مهندس معماري أساسا تحول إلى تصميم الأزياء، مما يفسر أسلوبه الهندسي وألوانه الهادئة التي تغلب عليها درجات الرمادي والأبيض التي تستحضر ألوان الإسمنت والجير خصوصا أن الماكياج الذي اختاره لعارضاته كان سرياليا يمحي كل معالم الجمال في وجوههن.

* توقيت افتتاح دار «لوي فيتون» لمحلها

* كان توقيت افتتاح دار «لوي فيتون» محلها «ميزون إيتوال» ذكيا لأنها ضمنت به حضور الكثير من وسائل الإعلام العالمية، التي أتت لتغطية فعاليات أسبوع الموضة الروماني. من جهته، رحب الأسبوع بهذه الفعالية وأدخلها ضمن البرنامج الرسمي حتى يغرف من بريق الشخصيات الأرستقراطية والنجوم، من أمثال كايت بلانشيت، كاثرين دونوف، كانيكا كابور، ناتاليا فوديانوفا وتامارا فالكو، الذين استضافتهم دار «لوي فيتون» وحطوا الرحال في عاصمة الحياة اللذيذة. بعبارة أخرى، فإن الاستفادة كانت متبادلة. اختيار «لوي فيتون» روما لافتتاح واحد من أهم وأكبر بيوتها، مرده إلى القواسم المشتركة بين مبادئها وما تقدمه العاصمة الإيطالية من ثراء ثقافي وفني. من هذا المنطلق جاء «بيتها» الجديد «روما إيتوال» Rome Etoile بديكوره ومعروضاته، احتفالية بالعلاقة المتينة بين الأصالة والمعاصرة أو التقاليد والابتكار. كما تختلط فيه رائحة الماضي بعبق الحاضر، فالمكان كان، ولمدة قرن تقريبا، صالة سينما شهدت الكثير من الأفلام الصامتة والذهبية، لكنها، ككل شيء قديم، احتاجت إلى عمليات ترميم وتجميل.

الدار الفرنسية العريقة رحبت بالتحدي وبالقيام بعملية التجميل، خصوصا أنها كانت تبحث عن مكان مناسب تضع فيه كل ثقلها التاريخي في إطار عصري، وبالتالي كانت السينما القديمة مثل الحلم بالنسبة لها. ما يحسب لها أنها لم تحاول أن تمحي ملامح الماضي، بل العكس، عززته بقطعها الأيقونية، التي تستحضر فن السفر والرحلات مع عرض لمجموعة خاصة جدا من الحقائب التي صنعت بطلب من بعض نجوم الشاشة الفضية، في لقاء مثير بين الموضة والسينما.

وعلى الرغم من أن ديكور المحل الذي صممه المهندس المعماري بيتر مارينو، يكفي ليكون حافزا لزيارته بسلالمه الباروكية المفتوحة على الطابقين العلوي والأسفل، وسقفه العالي. لكن ولأننا في روما، فقد كان لا بد من تطعيمه بقطع فنية، مثل عمل ضخم للفنان جورج كوكوبيل، نصب بالقرب من المدخل، بالإضافة إلى أعمال أخرى تجعل المحل بمثابة سينما تتكلم لغة جديدة.