نظرة على معرض الفنان أيمن يسري ديدبان.. «أنا أي شيء وأنا كل شيء»

تنويعات على العلم الفلسطيني

الفنان أيمن يسري ديدبان ومن أعمال الفنان أيمن يسري ديدبان في معرضه
TT

تحولت مدينة جدة خلال الأسبوع الماضي إلى خلية نحل فنية جذبت خبراء الفنون والفنانين من دول مختلفة لحضور افتتاح معرض «إدج أوف أرابيا.. يجب أن نتحاور» للفن السعودي المعاصر، وبعدها بيوم اتجهت أنظار الجميع إلى المعرض المستقل للفنان أيمن يسري ديدبان «أنا أي شيء وأنا كل شيء» الذي أقيم بصالة أثر الفنية.

وبعيدا عن أعماله المشاركة في معرض «إدج أوف أرابيا» يقدم ديدبان في معرضه الفردي تنويعات على موضوع العلم الذي استكشفه من قبل في معارض فنية. العلم هنا هو علم فلسطين، وعند ديدبان يتجرد من ألوانه وخامته ليقطن في صفائح حديدية ضخمة تعكس أسطحها الملساء كل ما يمر أمامها وتتحول إلى مرايا متعددة.

العلم كما يشير ديدبان خلال حديث مع «الشرق الأوسط» لا يقدم هنا بمفهومه السياسي البحت، ويصر الفنان على أن معرضه هنا يعد شخصيا أكثر منه سياسيا، فهو يبحث في فكرة الهوية، هويته هو كفنان وإنسان، وتمتد الفكرة لتستوعب زوار المعرض حيث يمكنهم عبر الانعكاسات على أسطح الأعلام المصقولة أيضا التفكير في هويتهم.

يقول ديدبان «أنطلق في هذا المعرض من خصوصيتي الموجودة خلف رمز وراية متمثلة في العلم»، ويوظف الفنان هذا العلم بشكل متكرر، فهو يمثل حاجته لهوية وطنية، كما يمثل الطبيعة المتغيرة للانتماء التي تنتاب الأفراد في البلدان والثقافات المختلفة.

في الحوار الذي أجراه الناقد الفني روبرت كلايفر مع أيمن يسري، والذي طبع في كتاب صدر بمناسبة المعرض، يبادر كلايفر بسؤال ديدبان عما إذا كان العلم مرتبطا بهوية الفنان كفلسطيني. يجيب ديدبان «نحن كفلسطينيين نحمل الهوية من دون الدولة، وبهذا نتشرب الأماكن التي نوجد فيها من دون أن نكون مقبولين كلية في ذلك المكان.. أرى هويتي الفلسطينية كمصدر للوحي الفني. تبقى بالنسبة لي مشكلة متجمدة في الوقت بينما يتغير العالم حولها». بنفس المفهوم نرى الأعمال في هذا المعرض، فالصفائح المعدنية تصبح تلك الهوية المتجمدة التي تعكس مثل المرآة العالم المتغير من حولها.

يشرح ديدبان بداية فكرة العلم «مررت في حياتي الشخصية بمأزق وجودي جعلني أفكر في معنى الحياة، وربما تزامن هذا مع أزمة منتصف العمر، وعندما حدث مفترق الطرق هذا أحسست كأنني دفعت إلى الخلف دفعة قوية، فكان آخر ملجأ لي هو أن أفهم نفسي والعالم من حولي. وفي لحظة وجدانية خاصة كنت موجودا في المكتب، فقمت بطي ورقة فارغة على شكل يشابه القوارب والطائرات الضخمة التي تتجاوزنا ونقوم بتشكيلها من الورق كنماذج، في تلك اللحظة قمت بطي الورقة على شكل علم، أعجبني الشكل والبساطة، وكان اللون الأبيض للورقة هو الرمز الذي أعجبني، من دون تفاصيل، فقط الفكرة المجردة».

الفكرة تطورت كثيرا عبر الأعوام، وأخيرا في المعرض الحالي انطلقت من الورقة البيضاء السهلة الطي إلى صفائح معدنية مصقولة. تشكيل الصفائح بدأ بشكل واضح ومحدد للعلم، وهو العمل الأول في المعرض والذي يمكننا مطالعته من خلف باب زجاجي، فهو موضوع داخل حجرة مغلقة الأبواب «أردت أن أثبت حالة القلق والوجود الواضح أمامنا، والمتمثلة في العلم، لنكتشف أنه غير حقيقي ولا يمكن الوصول إليه».

أشكال العلم بعد ذلك تبدأ في التفكك، وهي جزء من محاولة الفنان للبحث في طبيعة الانتماء كما يقول. وتبدأ ثنيات العلم في التفتح حتى تفقد معالمها الرئيسية وتصبح صفيحة من المعدن المصقول تعكس كل شيء وأي شيء حولها. يقول ديدبان «العلم يتحول بسطحه اللامع ليعكس الواقفين أمامه والحياة والمارين.. ويعكس أنماط الحياة التي تمر أمامه حتى تصبح في داخله».

تستفيد أعمال ديدبان الفنية من الكثير من الأجسام والمواد المهملة التي يصادفها في حياته اليومية كالعلب، وأوراق السجائر، وصور المجلات، إذ يعمل على الاستفادة من هذه المواد لإظهار التباين بين الهوية الفردية والهوية الجمعية. يقول الفنان «المعرض ينقسم إلى قسمين، أحدهما مادي والآخر معنوي، القسم المادي له علاقة بالاستهلاك، حيث أرى حياتي اليومية كمستهلك». فعبر عدد من الأعمال التي استخدم فيها الفنان أشياء مختلفة من حياته اليومية مثل غلاف شوكولاته «كيت كات» وعلبة دواء أو علبة مسحوق للغسيل. في البداية يلفت النظر علم يحمل شعار سوبرمان، وقد كونه الفنان باستخدام جزء من كارت معايدة «في هذا العمل أتناول فكرة البطل، وهو هنا أبي، وهو شاعر وأستاذ لغة عربية، والذي أراه كبطل».

من جانبه، يعلق محمد حافظ، مؤسس صالة «أثر الفنية بأن «فكرة العلم المتكرر في معرض أيمن (أنا أي شيء وأنا كل شيء) هي تجسيد مباشر للفنان نفسه، بل هي صورة أقرب ما تكون للذات. ويُظهر تطوير ديدبان المستمر لهذا الرمز رحلته الشخصية لاكتشاف الذات والبحث عن الهوية وعن العلم الوطني، حيث إن العلم بالإضافة إلى إحساس الفنان بذاته مسألة دائمة التغير كقصة هزلية يحتاج المرء لقراءتها بتمعن كي يواكب فصولها وأحداثها».

وبعد عرضه في جدة في الفترة بين 20 يناير (كانون الثاني) إلى 16 فبراير (فبراير)، سينتقل المعرض إلى صالة «كوادرو» للفنون الجميلة في دبي، حيث سيبدع عملا جديدا كجزء من برنامج «إقامة فنان».

أعمال ديدبان عرضت سابقا في كل من المملكة المتحدة، وألمانيا، وسويسرا، وإيطاليا، وتركيا، وفي مختلف أنحاء العالم العربي. وفي أبريل (نيسان) 2011، سجل ديدبان رقما قياسيا جديدا لأحد أعماله الفنية التي تم بيعها خلال مزاد «كريستيز» في دبي.