خبراء: المواقع النووية الإيرانية تحت الأرض ليست بمأمن من القنابل الأميركية

مخططون عسكريون: لن تكون حصينة إذا أمر أوباما بقصفها

مدرسة إيرانية تتحدث لطالباتها أمام لافتة دعائية للانتخابات البرلمانية تحمل صورة الإمام الخميني أمس في طهران (أ.ب)
TT

ظلت وكالات الاستخبارات الغربية لسنوات تراقب عن كثب قمة صخرية في شمال غربي إيران، التي تحتوي على أحد أكثر المواقع النووية غرابة في العالم، وهو موقع فوردو، الذي بني داخل مخابئ جبلية مصممة لتحمل الهجمات الجوية. وقد أعلن سابقا مدير الدفاع المدني الإيراني أن هذا الموقع «حصين».

ويقول المخططون العسكريون الأميركيون، الذين يشعرون بثقة متزايدة تجاه قدرتهم على توجيه ضربة قاصمة لمنشأة فوردو، إن هذه المنشأة لن تكون حصينة إذا أمر الرئيس الأميركي بقصفها.

ويقول المسؤولون الأميركيون إنه لا توجد لديهم خطط وشيكة لقصف الموقع، وإنهم قلقون من أن يؤدي هجوم أميركي، أو هجوم من قبل أقرب حلفائها في منطقة الشرق الأوسط (إسرائيل)، إلى عواقب وخيمة مثل ارتفاع أسعار البترول، وقيام إيران بأعمال انتقامية، وتصاعد التوتر بشكل درامي في هذه المنطقة الهشة.

ويقول محللون حاليون وسابقون في الجيش والاستخبارات إنه لاعتبارات فيزيائية، تبقى محطة فوردو أكثر عرضة للهجوم مما هو متصور بشكل عام.

ويضيف المسؤولون أنه ليس من الضروري أن تقوم الذخائر الخارقة للتحصينات الجديدة، التي أضيفت حديثا إلى الترسانة العسكرية الأميركية، باختراق أعمق التحصينات لإحداث ضرر لا يمكن إصلاحه للبنية التحتية وللمعدات النووية شديدة الحساسية أيضا، وهو الأمر الذي سيؤخر البرنامج النووي الإيراني لسنوات.

ومن المرجح أن يتم التطرق إلى قدرات الأسلحة في المناقشات التي ستعقد مع عدد كبير من القادة الإسرائيليين الذين يصلون إلى واشنطن خلال الأسبوع المقبل. وستسعى إدارة الرئيس الأميركي أوباما إلى طمأنة الزائرين، بمن فيهم وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى عزم الولايات المتحدة الأميركية على التصدي لإيران إذا قررت بناء قنبلة نووية.

في الوقت ذاته، يشعر مسؤولو البيت الأبيض بالقلق إزاء قيام إسرائيل بتوجيه ضربة استباقية ضد إيران دون سابق إنذار، وهي الخطوة التي يؤكد المسؤولون الأميركيون أنها لن تكون حاسمة في وقف الطموحات النووية الإيرانية، وربما تؤدي في الحقيقة إلى تعميق التصميم الإيراني على أن تصبح دولة نووية.

وفي هذا الصدد، يعترف المسؤولون الأميركيون بوجود بعض الشكوك حول قدرة حتى أحدث أسلحة البنتاغون «القنابل الخارقة للتحصينات»، التي تدعى «قنبلة الاختراق الهائل» أو (MOP) على اختراق الغرف الواقعة تحت الأرض حيث تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم، بضربة واحدة. ولكنهم يؤكدون أن هجوما أميركيا مستمرا يتم تنفيذه على عدة أيام قدم يؤدي إلى جعل المنشأة غير صالحة للاستعمال؛ حيث سيؤدي إلى تهدم الأنفاق وتدمير معدات الطرد المركزي شديدة الحساسية والعديد من الأميال من المواسير والأنابيب والأسلاك اللازمة لتشغيلها بصورة لا يمكن إصلاحها.

ويقول مسؤول استخباراتي بارز سابق قام بدراسة موقع فوردو الذي كان سريا في الماضي ووافق على مناقشة التفاصيل الحساسة لقدرات ضربة أميركية موجهة ضد إيران بشرط عدم الكشف عن اسمه: «يتطلب تدمير المواقع المحصنة عدة طلعات جوية».

ويرى خبراء ومسؤولون أن ثقة الجانب الأميركي قد تعززت بعد القيام بتدريبات قامت فيها قاذفات القنابل بمهاجمة أهداف مماثلة في مخابئ مدفونة عميقا في الأرض وأنفاق جبلية.

وأكد المسؤولون الأميركيون على أهمية مسألة الضربات المتعددة في خضم تحذيرهم إسرائيل من توجيه ضربة من جانب واحد ضد المنشآت النووية الإيرانية. فيرى بعض المسؤولين والمحللين الأميركيين أنه وإن كانت إسرائيل قادرة بنفسها على القيام بقصف موقع فوردو بالقنابل الخارقة للحصون، فإنه ينقصها الذخائر والإمكانات الأميركية الأكثر تطورا على شن حملة قصف مستمرة لعدة أيام أو أسابيع. ويرجع الخلاف الإسرائيلي - الأميركي حول مدى الحاجة الملحة لوقف التقدم النووي الإيراني، إلى اعتقاد بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن فرصتهم في النجاح في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية تتضاءل بسرعة كبيرة، حيث تقوم إيران بنقل الأصول المهمة لبرنامجها النووي إلى المخابئ. فتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في خطبة ألقاها هذا الشهر عن التقدم الذي تحرزه إيران في إنشاء منطقة حصينة للبرنامج النووي الخاص بها. وعلى الجانب الآخر، يرى المخططون العسكريون الأميركيون، أنه حتى إذا كان هناك ما يسمى المنطقة الحصينة من الأساس، فلا تزال أمام إيران أعوام لإنشائها.

وفي الوقت ذاته، لا تستبعد الإدارة الأميركية إمكانية توجيه ضربة لإيران في المستقبل، فهي ترى أن أي عمل عسكري يجب أن يكون الحل الأخير، وتفضل إتاحة المزيد من الوقت لمحاولة تغيير السلوك الإيراني عن طريق ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية.

ويظل المسؤولون الأميركيون غير مقتنعين أيضا بأن تكون إيران قد قررت أن تبني قنبلة نووية، على الرغم من أنهم يعتقدون أنها تسعى للحصول على القدرات اللازمة لذلك. وتؤكد إيران أن برنامجها النووي يهدف إلى إنتاج طاقة سلمية. وتقع منشأة فوردو في التلال القاحلة في شمال غربي إيران في مواجهة مدينة قم مباشرة، وهي المدينة القديمة التي تعتبر المدينة الروحية للثورة التي انطلقت عام 1979. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن إيران قد بدأت منذ عقد تقريبا شق أنفاق لما كان مخططا له أن يكون موقعا سريا لتخصيب اليورانيوم الذي كان سيعمل بالتوازي مع مفاعل التخصيب الأكبر المعلن عنه الذي يقع في ناتانز.

كانت وكالة الاستخبارات الأميركية قد بدأت في مراقبة الموقع خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وفي عام 2009، قام الرئيس الأميركي أوباما، محاطا بزعماء عالميين آخرين، بالكشف عن هذه المنشأة التي تم بناؤها بشكل جزئي، مطالبا إيران بتوضيح نواياها في هذا الصدد.

واعترفت إيران أنها كانت تقوم ببناء محطة أخرى لتخصيب اليورانيوم، وقامت بعدها بوقت قصير بالسماح للوكالة الدولية الطاقة الذرية بزيارة الموقع. وشاهد مفتشو الأمم المتحدة سلسلة من الغرف المبنية على جانب أحد الجبال متصلة عن طريق أنفاق ذات حوائط سميكة وأبواب مضادة للانفجار. كانت بعض هذه المخابئ محمية بـ200 - 300 قدم داخل الجبال.

تعتبر هذا المحطة التي تقع تحت الأرض، والتي لم تعمل بكامل طاقتها بعد، محطة صغيرة نسبيا وبها مساحة تكفي 3000 جهاز طرد مركزي فقط، بالمقارنة بمحطة ناتانز التي تتسع لعشرات الآلاف من الأجهزة. ولكن يقول الخبراء إن المحطة كبيرة بالدرجة الكافية لمعالجة اليورانيوم المخصب اللازم لصنع سلاح نووي واحد على الأقل كل عام، إذا ما قررت إيران بناء أسلحة نووية. وكانت إيران بدأت في تخصيب ال ورانيوم في محطة فوردو في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويؤكد تقرير لمفتشي الأمم المتحدة صدر الأسبوع الماضي أن المحطة تقوم بصنع يورانيوم مخصب أكثر نقاء من ذلك الذي يصلح بسهولة ليتم تحويله إلى وقود أسلحة.

دافعت إيران علانية عن التحصين القوي غير المعتاد لمحطة فوردو مشيرة إلى التهديدات الإسرائيلية المتكررة بتدمير البرنامج النووي الإيراني. ويعتقد محللون غربيون أن محطة فوردو ليست محمية فقط عن طريق الصخور الطبيعية التي تحيط بها؛ ولكن أيضا عن طريق التحصينات الإضافية المعتمدة على الخبرة الكورية الشمالية في بناء المخابئ. وأكد تقرير أصدره مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأسبوع الماضي، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، عن اعتقاده باحتواء هذه المنشأة على العديد من الأبواب المضادة للانفجار وجدران فاصلة واسعة النطاق وأسقف محصنة وجدران خراسانية بسمك 20 سنتيمترا وأسقف خراسانية مزدوجة مملوءة بالتراب بين طبقاتها.

وقال التقرير الذي كتبه أنتوني كوردسمان، المدير السابق للتقييمات الاستخباراتية في وزارة الدفاع والذي يشغل الآن أستاذ «كرسي آرليغ بيركي» في الاستراتيجية بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، الذي أكد فيه على أثر القصف الجوي: «إن مثل هذه الدفاعات السلبية يمكن أن يكون لها تأثير رئيسي».

واعترف كوردسمان أن «التقارير الخاصة بشأن مثل هذا التحصين عادة ما تكون غير مؤكدة، ومبالغا فيها، أو تتحدث عن معايير إنشائية تفوق ما تم تنفيذه بالفعل».

بيد أن المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين يعترفون أن تحصينات فوردو تفوق نظيراتها في المنشآت الأخرى التي واجهتها الولايات المتحدة في الصراعات السابقة بما في ذلك ملاجئ «التاجي» التي كانت تحمي مقر قيادة صدام حسين وقت غزو العراق عام 2003.

وفي مواجهة مثل هذه الأهداف، تمتلك الولايات المتحدة أسلحة تقليدية خارقة للتحصينات، تشمل القنبلة «BLU-122» أو «الأقحوان القاطع» التي تزن 5.000 رطل والقادرة على اختراق أكثر من 20 قدما من الخرسانة أو 100 قدم تحت سطح الأرض قبل الانفجار، إلى جانب قنبلة الاختراق الهائل والمعروفة اختصارا باسم «MOP» «العملاق» التي تزن 3.000 رطل التي يمكن لأضخم قاذفات القنابل الاستراتيجية حملها. وعلى الرغم من سرية المعلومات بشأن القدرات الدقيقة لهذه الأسلحة، فإن التوقعات تشير إلى أن القنبلة «MOP» قادرة على اختراق 200 قدم من التراب والصخور قبل الانفجار.

ويستثمر البنتاغون في الوقت الراهن عشرات المليارات من الدولارات في تحسين قدرة القنبلة «MOP» التدميرية واختراق الجدران الخراسانية. ويشير البعض إلى أن أداء السلاح يعتمد بشكل جزئي على الجيولوجيا، خاصة ذلك النوع من كثافة الصخور التي تمر فيها القنبلة. ويقول مايكل آيزنستات، المستشار العسكري السابق لوزارة الخارجية الأميركية: «من المستحيل معرفة الأثر الدقيق الذي يمكن أن تحرزه القنبلة ضد أهداف بهذه الصعوبة. صحيح أن الطائرات الحربية الأميركية ستعوق الجهود النووية الإيرانية، لكن إلى متى؟». ويضيف آيزنستات، مدير الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «نحن لا نعلم يقينا حتى الآن. نحن قريبون للغاية من الحواف الخارجية للتكنولوجيا حتى إنها أصبحت تعتمد بشكل أكبر على الحظ». ويرى العديد من المحللين أن القدرة على تدمير فوردو لا تعتمد على ما إذا كانت القنبلة قادرة من الناجية البنائية على الاختراق للوصول إلى حيث تعمل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية؛ فقد قال كوردسمان في مقابلة: «هناك نتائج جيدة بخلاف أماكن أجهزة الطرد المركزي؛ حيث تستطيع الضربات ضد الأهداف الأكثر سهولة - من مداخل الأنفاق وفتحات التهوية إلى أنظمة الطاقة والمياه - وقف المحطة عن العمل. وبمقدور الضربات المتكررة أيضا بث الخوف في نفوس الإيرانيين لصدهم عن محاولة إصلاح الضرر».

وشدد محللون آخرون على الضعف الخاص لأجهزة الطرد المركزي، التي تدور بسرعة الصوت لتنقية غاز اليورانيوم إلى حالة مخصبة صالحة للاستخدام في التطبيقات النووية. فأي شيء يمكن أن يضر بهذه الأجهزة المتوازنة فائقة الحساسية - من موجات اهتزازية والحطام إلى تعطل الكهرباء - يمكن أن يوقفها عن العمل، بحسب أحد مسؤولي البنتاغون الذي طلب عدم ذكر اسمه لمناقشته أهدافا إيرانية محتملة.

وقال المسؤول: «إذا كان بإمكانك استهداف واحدة من المعدات الحيوية بدلا من الأمر برمته، أليس هذا أمرا جيدا؟ وحتى عبر خفض المداخل إلى الأنقاض ستكون قد دفنت الموقع بفاعلية».

*خدمة «واشنطن بوست»