نازح سوري: «الحولة» على مشارف كارثة إنسانية.. وأبناؤها يحولون أسرتهم إلى حطب

قال لـ «الشرق الأوسط»: قوات النظام تقتحم المنازل وتخربها.. ولا يحمينا إلا قليلين من المنشقين

TT

يجلس أبو يامن القرفصاء مدخنا سيجارة تلو الأخرى، يبدي في بادئ الأمر، حماسة للإفصاح عما يختلج قلبه من خوف ومآس حملها معه من قريته «حولة» في حمص إلى لبنان، الذي وصل إليه قبل أيام باحثا عن لقمة عيش لأطفاله السبعة.

لكن هذا الشعور يتبدل بعد لحظات معدودة حين يعرف أن كلامه هذا يأتي على مسمع أحد الصحافيين، فيمتنع عن الكلام معلنا صراحة «يكفينا ما نعانيه».. إلا أن هذه المخاوف تتبدد شيئا فشيئا ليترك العنان عندها لهذه المآسي كي تخرج إلى العلن ويفصح عن 4 أشهر من «الذل والحرمان» عاشها هو وعائلته، قبل أن يغامر بحياته ويقرر العودة إلى إحدى مناطق جبل لبنان، حيث كان يعمل قبل بدء الثورة، باحثا عن أي عمل يعود إليه بالقليل من المال ليرسله إلى عائلته في الحولة.

لم تكن رحلة أبو يامن وصولا إلى لبنان بالأمر اليسير، فهي التي امتدت إلى أكثر من 12 ساعة، كلفت أكثر من 100 دولار أميركي، بدلا من 20 دولارا، نظرا للمبالغ التي كان عليه دفعها إلى عناصر الأمن على الحواجز السورية ليتمكن من الوصول إلى الحدود اللبنانية.. ويقول لـ«الشرق الأوسط» هذه الخسارة لم تقتصر على المادية، فكان الأكثر منها «ثقلا» هي الإهانات اللفظية التي كان عليه تحملها والتي تبدأ بـ«الكلب» ولا تنتهي بـ«ابن الحرام»..

ويضيف: «إذا بقيت الحالة كما هي عليها الآن في الحولة لـ15 يوما إضافية، فهذا يعني أن كارثة إنسانية ستقع في هذه المنطقة التي يعاني أهلها من شح في المواد الغذائية والطبية، وسيذهب ضحيتها أكثر من ألفي عائلة». ويتابع «حولت خزانة الثياب وأسرة أطفالي إلى حطب للتدفئة؛ بعدما أصبح الحصول على المازوت مستحيلا. يموت المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة إما بسبب عدم قدرة أهلهم على الحصول على الدواء الذي يستولي عليه التابعون للنظام، أو بسبب الأدوية المغشوشة التي تبيعها الصيدليات من دون حسيب أو رقيب. أما المصابون على يد القناصة المنتشرين على أسطح المباني، فمصيرهم لن يكون أفضل، لا سيما أن أهلهم يفضلون عدم إدخالهم إلى المستشفى خوفا من اعتقالهم أو قتلهم».. ويؤكد أبو يامن أن ضابطا منشقا، يدعى الرائد سليمان، أصيب خلال إسعافهم المصابين فتم وضعه في براد بأحد المستشفيات وهو لا يزال على قيد الحياة إلى أن توفي.

ويصف أبو يامن «حياة من لا يزال صامدا من أبناء الحولة - بعد نزوح عدد كبير من عائلاتها - بالسجن»، ويقول «لا تزال الدبابات تحاصر بلدتنا منذ نحو 4 أشهر. الحواجز تراقب الداخلين والخارجين، وتعتقل كل من كان اسمه مدرجا على لائحة المطلوبين». و«المداهمات التي يقوم بها شبيحة النظام، لا تقتصر فقط على البحث عن معارضين، بل إنها تشمل عمليات السرقة وتخريب لموجودات المنزل».

وفي حين يناشد أبو يامن «الجيش الحر» والمجلس الوطني السوري مساعدة أهالي الحولة، ودعمها بالمساعدات، يؤكد أن «من يدافع عن أهالي هذه المنطقة المنسية من قبل كل أطراف المعارضة، هم نحو 150 عنصرا منشقا من الجيش لا يحملون إلا أسلحتهم الخفيفة، لكن الأمر لا يفي بالغرض المطلوب في مواجهة الأسلحة الثقيلة والدبابات التي يقتل فيها النظام أبناء المنطقة». وهنا يلفت إلى أن الضابط المنشق فايز العبدالله، وهو أحد أبناء المنطقة، «كان قد عمد بعد إعلانه انشقاقه إلى جمع الأموال من المواطنين، بحجة أنه سيشتري الأسلحة لحمايتهم، حصل منهم على 120 مليون ليرة سورية، وغادر من دون أن يعود أو يعرفوا عنه أي خبر».

وأخيرا، كان لا بد على أبو يامن أن يبدي خشيته من بقاء الحولة التي تقع على مسافة 20 كيلومترا شمال غربي مدينة حمص، ويصل عدد سكانها إلى أكثر من 130 ألف نسمة، بعيدا عن أخبار وسائل الإعلام التي تركز على أخبار مناطق أخرى في حمص.. لا سيما أن أحد الناشطين المعارضين الذي كان يتولى مهمة تصوير المظاهرات والتحركات الشعبية والوضع الإنساني في حمص إلى وسائل الإعلام، وعلى موقع «فيس بوك»، قد أصيب منذ فترة ولم يعد بإمكانه القيام بهذا العمل من دون أن يتمكن غيره من سد هذه الثغرة مكانه.