إسبان ينتفضون للنهوض ببلدتهم وقت الشدة

قرروا العمل تطوعا عندما شحت الميزانية وتفاقمت الديون

متطوعتان تشاركان في تنظيف شارع ببلدة هيغويرا دي لا سيرنا يوم الأحد وقد بات السكان يتولون العديد من المهام في بلدتهم الآن (نيويورك تايمز)
TT

لم يكن الأمر يتطلب كثيرا من الوقت كي يدرك مانويل غارسيا موريلو، عامل بناء القرميد الذي تولى منصب العمدة في هذه المدينة في يونيو (حزيران) الماضي، أن مدينته تعاني من مشكلة، فديون المدينة بلغت 800.000 يورو، ولم تعد تملك ما يكفي لتسديد نفقات الخدمات، أو الانتهاء من الأعمال التي يجري العمل بها.

حينئذ وقع أمر مثير للدهشة، فعندما كان قسم الصحة على وشك الإغلاق مركز الرعاية النهارية بسبب عدم وجود مطبخ ملائم، عرض بيرناردو بينيتيز، عامل إنشاءات ببناء الحوائط وتركيب السيراميك مجانا، ثم تطوعت ماريا جوزيه كارمونا، معلمة، للقيام بأعمال التنظيف.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فواصل المتطوعون تقدمهم للمشاركة في الأعمال المدينة، وفي كل يوم أحد صار سكان المدينة الواقعة جنوب غربي إسبانيا، شبانا وشيبا، يقومون بالأعمال التي يحتاجها المكان، سواء تعلق الأمر بتنظيف الشارع أو جمع أوراق الأشجار، وتنظيف قنوات التصريف أو غرس الأشجار في الحديقة.

ويقول غارسيا: «كانت تلك مبادرة منهم، كنا نتحدث بشكل يومي إلى الناس ونبلغهم أن الحكومة المحلية لا تملك الأموال. كان بمقدورهم رؤية ذلك. فالعشب بين الأرصفة كان عاليا إلى درجة كبيرة».

تمثل مدينة هيغويرا دي لا سيرنا، نموذجا مصغرا للمشكلات التي تعانيها إسبانيا، في نواح متعددة. ففي الوقت الذي تناضل فيه الحكومة الوطنية والحكومات المحلية لتجنب انهيار صناعة الإنشاءات، يأتي الإنفاق على المشاريع الضخمة في العاصمة وتراكم الفواتير غير المسددة، لتشكل نفس المشكلات التي تعاني منها الكثير من المدن الصغيرة.

لكن ما جعل مدينة هيغويرا دي لا سيرنا تحظى بالشهرة في إسبانيا هو تدخل أهلها عندما فشلت الحكومة. ويقول غارسيا، إنه يتلقى اتصالات من مسؤولين في المدن الأخرى يودون معرفة كيفية الاستفادة من ذلك في مدنهم. ويشير غارسيا إلى أنه يعمل دون مقابل، كحال مسؤولين منتخبين آخرين. وقد تخلوا جميعهم عن السيارات والهواتف التي عادة ما تصاحب الوظيفة.

وأضاف غارسيا: «كنا نعيش بشكل أكبر من قدراتنا. واستثمرنا في الأعمال العامة التي لم تكن معقولة. نحن نعاني من إفلاس تقني، حتى إن بعض الأموال القادمة من الاتحاد الأوروبي التي كان يفترض أن تستخدم لتسديد نفقات التشغيل المعتادة وأن تستمر لعام 2013 قد أنفقت بالفعل».

تتكون مدينة هيغويرا دي لا سيرنا من 900 منزل محاطة بالأراضي الزراعية وتعتمد بشكل أساسي على تربية الخنازير وزراعة الزيتون. وقد شهدت المدينة تطورا كبيرا إبان فترة ازدهار الإنشاءات، فبنت مركزا ثقافيا واستثمرت في دار صغيرة لرعاية المسنين، لكن هذه المشاريع ابتليت بالتأخيرات وزيادة التكلفة.

لا يزال المركز الثقافي من دون حمامات، ودار رعاية المسنين، المبنى الأبيض الواقع في أقصى المدينة، لم تفتتح بعد. وقد تكلف المبنيان معا ما يقرب من 470.000 دولار تدين بها المدينة للمصرف. لكن باقي الدين في أغلبه فواتير لم تسدد لمدينة لم تتمكن من التوافق مع نفقاتها. فهي تدين للمستلزمات الطبية والوقود وإصلاح الطرق وأعمال الكهرباء والموسيقيين الذين يعزفون خلال العطلات.

وينوه العمدة بأن المال يرد إلى خزانة الحكومة المحلية على فترات، من الضرائب أو الحكومة المحلية أو المركزية. لكنه عادة ما ينفق في الحال. فالإدارة الأخيرة، مثلا، استخدمت أموال الاتحاد الأوروبي لتقديم برامج تعليمية للبالغين. لكن البرنامج لم يجذب عددا كافيا من المشاركين، وكان على المدينة أن تدفع 34.000 دولار غرامة من أجل ذلك.

وقد استغلت المدينة أموال الاتحاد الأوروبي أيضا في توسيع مقهى في حمام السباحة المحلي. لكن المال أنفق حتى قبل أن تبدأ الأعمال، وتعرضت المدينة لغرامة أخرى.

ويقول غارسيا، إنه يتلقى اتصالات من موردين كل يوم يرجونه دفع المتأخرات عليهم، لأن الكثير منهم يعيشون ظروفا بالغة الصعوبة، فهم يقولون لي: «من فضلك، من فضلك. إنهم جيراننا ونحن نعرفهم. إذا لم ندفع لصاحب الوقود فلن تحظى المدرسة بالتدفئة. لا يحصل هذا الرجل على هامش ربح كبير. وإذا لم ندفع له، فنحن بذلك نجعله يدفع مقابل احتياجاتنا».

لا تخلو مدينة هيغويرا دي لا سيرنا من العمال تماما، فهناك أمين مكتبة يعمل بنصف دوام وعاملا نظافة يعملان بنصف دوام. وشخص يعمل بدوام جزئي في المجمع الرياضي، وسكرتيرة ومدير إداري، وهم يحصلون على رواتبهم من خلال قنوات التمويل الكثيرة بعيدا عن المدينة. لكن المدينة كانت تحظى في السابق بضعف قوة العمل هذه. وعندما يمرض أحد هؤلاء الموظفين يقوم المتطوعون بالدخول إلى صالة التمارين الرياضية أو المجمع الرياضي - الذي يفتح أربع ساعات يوميا - بدلا من أن يغلق.

يرتدي المتطوعون شارات خلال العمل حتى لا يعتقد أنهم يتقاضون راتبا. ويشعر الكثير من سكان المدينة بالشكوك حول تمويلات المدينة، نتيجة الفضائح التي تتكشف كل يوم في أنحاء إسبانيا، والتي كان آخرها زوج ابنة ملك إسبانيا الذي يخضع للتحقيق بتهم اختلاس المال العام. عمل بينيتيز، الذي أصلح دار الرعاية النهارية، يوما عاديا قبل تحويل انتباهه إلى المطبخ المطلوب. لكن غالبية المتطوعين يعملون يوم الأحد، حيث يبدأ بالاجتماع في الساعة الثامنة والنصف صباحا، وفيما بعد يتناولون طعام الغداء بشكل جماعي، حيث يتناول أكثر من 80 مواطنا الطعام سويا.

وربما تكون هناك الأخبار السارة في الأفق. فقد أعلنت الحكومة الإسبانية أنها ستعد خطة لمساعدة الحكومات المحلية في البلاد بتسديد ديون المحليات إلى مورديها، والتي تقارب 40 مليار دولار. والموردون الراغبون في قبول تخفيض يتوقع أن يحصلوا على أموالهم أولا.

وسيتوجب على الحكومات المحلية أن تعد قوائم بالأفراد والشركات أصحاب الديون وقيمة هذه الديون في كل حالة حتى 15 مارس (آذار) المقبل، وبعد ذلك سيتاح لهم الحصول على مساعدة في تسديد ديونهم على الرغم من غموض التفاصيل.

ويوضح غارسيا، الذي ينتمي إلى حزب الوسط المتحد، أنه لا يتوقع أن يتمكن من المضي قدما في تنفيذ وعود حملته بمدرسة رياض أطفال مجانية لأن الأمر، على حد قوله «قد يتطلب سنوات للخروج من هذه الأزمة».

* ساهمت راتشيل تشاندلر في كتابة التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»