المراسلون الأجانب يهربون إلى لبنان بعد منتصف الليل

باريس تسعى لاستعادة صحافييها من حمص بالتعاون مع السلطات السورية .. والاعلان عن وصول الصحافي الإسباني إلى لبنان

المصور البريطاني بول كونروي و الصحافي الإسباني خافيير إيسبينوزا و الصحافية الفرنسية إديت بوفييه
TT

تضاربت الأنباء أمس حول دخول الصحافية الفرنسية المصابة في بابا عمر، إديت بوفييه إلى لبنان، بعد إصابتها في سوريا، منذ عدة أيام، وعدد آخر من الصحافيين الغربيين الذين غادروا حمص. وقال ناشطون لبنانيون من وادي خالد يرابطون على الحدود، لمساعدة الواصلين من سوريا، إن 6 صحافيين أجانب كان يتم نقلهم إلى لبنان يوم أمس، بينهم جرحى. وحتى بعد ظهر أمس كان صحافيان أجنبيان فقط قد تم إدخالهما إلى لبنان أحدهما جريح وجروحه طفيفة. والاثنان تم نقلهما إلى عكار في لبنان وتحديدا من جهة قرية أكروم القريبة من وادي خالد.

ومساء أمس، أفادت معلومات صحافية لبنانية عن خروج الصحافي الإسباني خافيير إيسبينوزا من حمص ودخوله إلى لبنان.

ومن جهتهم قال الناشطون بعد ظهر أمس «إن 4 صحافيين آخرين بينهم جرحى، ومن ضمنهم الصحافية الفرنسية إديت بوفييه، لا يزالون داخل الحدود السورية، لكنهم على مقربة من لبنان. وينتظر الذين ينقلون الصحافيين أن يحل منتصف الليل أو بعد ذلك، ليعبروا الحدود، حيث تضعف حركة الجيش السوري». وأضاف أحد الناشطين السوريين أن المعلومات التي وصلته تؤكد أنه «تم إخلاء الصحافية الفرنسية من بابا عمر بالفعل، لكن نقلها إلى لبنان لا يزال متعذرا نظرا للمخاطر الأمنية الكبيرة على الطريق، لذلك يتم التمهل بإجلائها».

ويدخل الصحافيون الغربيون إلى سوريا تهريبا من الحدود اللبنانية أو التركية، لكن شمال لبنان وتحديدا وادي خالد، بات منطقة جذب لهم، نظرا لقربها الشديد من حمص، المدينة المحاصرة والأكثر سخونة.

ويروي أحد الناشطين السوريين الذين ساعدوا الصحافيين الأجانب - بينهم البريطاني والفرنسية اللذان أصيبا منذ أيام - على الدخول إلى حمص من شمال لبنان «أن الصحافيين كان عددهم 5، ووصلوا إلى مدينة طرابلس منذ نحو 15 يوما، بناء على تنسيق بينهم وبين بعض نشطاء التنسيقيات. لكن بعد وصول الصحافيين إلى طرابلس اكتشفوا أن النشطاء الذين ينسقون معهم لا إمكانية لهم لمساعدتهم، فبقوا في الفندق لأيام قليلة بانتظار من يساعدهم، وأجروا اتصالات عدة دون جدوى، وغضب الصحافي البريطاني بول كونري الذي كان أكثرهم حماسة من تقاعس الناشطين عن مساعدته، واتهمهم بالكذب والنفاق وأنهم ليسوا أهلا للتعامل معهم».

ويقول الناشط السوري من حمص الذي يروي لـ«الشرق الأوسط» ما حدث بعدها، رافضا الكشف عن اسمه: «عندما وجدت أن الصحافي مستشيط إلى هذا الحد، أجريت اتصالا مع نشطاء أعلم أنهم متخصصون في هذا المجال، تكفلوا بنقل الصحافيين إلى حمص، بالطرق التي يعرفونها».

وعن الأساليب المتبعة يقول: «باتت هناك فرق تخصصها نقل الصحافيين ومساعدتهم للوصول. أولا العبور من لبنان إلى سوريا ليس سهلا بالتأكيد، لكن هناك من يرافق المنتقلين وبينهم من هو متخصص في إبطال مفعول الألغام المزروعة على شكل مربعات. والخبير غالبا ما يقطع سلكا واحدا ليبطل مفعول مجموعة من الألغام المرتبطة به. الأمر خطر وقد تنفجر الألغام بالخبير، لكن ثمة من باتوا متمرسين بالأمر. الناشطون لهم مراكز وبيوت، يلجأون إليها ويختبئون مع الصحافيين، لتأمين الطريق، واجتياز المراحل واحدة بعد أخرى».

وعند سؤالنا كيف يمكن إدخال الصحافيين إلى بابا عمر المنطقة المحاصرة بالكامل يقول: «هناك طرق سرية، وهناك أيضا الرشوة التي يمكنها فعل كل شيء. لا مشكلة في رشوة ضابط حين يكون المبلغ المدفوع مرتفعا ليغض الطرف عن دخول صحافي أو أكثر».

وحين نسأل كيف يتم إجلاء الصحافيين المصابين وإعادتهم إلى لبنان يقول: «نحن أخذناهم ولكننا لسنا المسؤولين عن إعادتهم، هناك فريق آخر في سوريا هو الذي يتكفل بالأمر».

وأكد مصدر في الجيش الحر لـ«الشرق الأوسط» أن عناصره تقوم بإجلاء الصحافيين من سوريا ولا سيما من حمص، وفي حين رفض المصدر إعطاء أي تفاصيل عن عمليات الإجلاء، قال: «الصحافيون جاءوا إلى سوريا لنقل الحقيقة وبالتالي لن نتركهم مصابين من دون مساعدتهم، ونحن ساهمنا في إدخال عدد كبير منهم، لذا نعتبر أنفسنا مسؤولين عن حمايتهم وتأمين إخراجهم بطريقة تؤمن لهم سلامتهم كي يصلوا إلى الحدود الدولية حيث تتولى جهات أخرى مسؤولية حمايتهم ونقلهم إلى مكان آمن لعلاجهم».

وعاد الغموض حول مصير الصحافية الفرنسية إديت بوفييه بعد التناقضات التي ظهرت أول من أمس واستعجال الرئيس ساركوزي تأكيد إخراجها من حمص إلى لبنان ليعود بعدها للاعتذار عن الخطأ بحجة الوضع «المعقد» و«سوء الاتصالات». وذهبت الناطقة باسم الحكومة الوزيرة فاليري بيكريس إلى تبرير المغالطات في تصريحات الرئيس الفرنسي بالقول إنه استند إلى «معلومات صحافية» غير مؤكدة.

ومن جانبها، وتفاديا لمزيد من التناقضات، تحاشت إدارة صحيفة «لو فيغارو» التي تعمل الصحافية الفرنسية لصالحها عن تسريب أي معلومات عن الاتصالات الجارية فيما تساءلت مصادر استخبارية عن «فعالية» أجهزة المخابرات التي لم تنجح في تحقيق ما أنجزته الأجهزة البريطانية في الأوضاع نفسها حيث نجحت في إخراج الصحافي البريطاني من حمص وأوصلته إلى لبنان.

لكن الأمر الثابت، حتى عصر أمس، أن إديت بوفييه ما زالت موجودة في حمص وهو ما أكدته وزارة الخارجية الفرنسية بشكل غير مباشر. وفي المؤتمر الصحافي الإلكتروني، قال برنار فاليرو إن باريس «تنتظر من الحكومة السورية أن توفر كل الشروط لإجلاء آمن وسريع (للصحافية بوفييه) وتحديدا وقف فوري لإطلاق النار في منطقة بابا عمرو (في حمص)» ما يعني بشكل قطعي أن المعلومات التي تحدث عنها الرئيس ساركوزي وتلك التي راجت في العاصمة الفرنسية أول من أمس كانت مغلوطة.

وازداد قلق المسؤولين الفرنسيين على بوفييه بعد الأخبار المتواترة الواردة من حمص عن اشتداد القصف واقتحام حي بابا عمرو الذي تتواجد فيه بوفييه. كذلك تتخوف باريس من الوضع الصحي لبوفييه التي أصيبت في القصف الذي أودى بحياة الصحافية الأميركية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك.

وقالت الخارجية إن باريس «معبأة» من أجل إجلاء الصحافيين الفرنسيين وهما إديت بوفييه والمصور ويليام دانيالز الذي ظهر إلى جانب بوفييه في الفيديو وذلك «بالتواصل مع السلطات السورية والصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر».

وتعكس تصريحات الخارجية الفرنسية رغبة باريس في إجلاء الصحافيين الاثنين بالتعاون مع السلطات السورية وليس بعيدا عنها كما حصل مع الصحافي البريطاني بول كونروي الذي أخرج من حمص وهرب إلى لبنان بعيدا عن السلطات السورية.

وعكست تصريحات الناطقة باسم الحكومة الفرنسية «حذر» باريس إذ قالت للصحافيين أمس إن الحكومة «تتابع ساعة بساعة» موضوع إجلاء الصحافيين الفرنسيين لكنه «ليس بوسعها» الإفصاح عن المعلومات التي تملكها.

من جهته صرح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أمس أن المصور البريطاني بول كونروي الذي نجح في الخروج من مدينة حمص السورية إلى لبنان بمساعدة معارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، تمكن من الوصول إلى سفارة بريطانيا في بيروت وهو «في أمان».

وقال رئيس الحكومة للنواب «يمكنني أن أقول لمجلس (العموم) أن بول كونروي بات في أمان. توجه إلى سفارتنا في بيروت حيث تم الاهتمام به وأنا على قناعة أنه يود العودة قريبا إلى البلاد».

ومن جانبها اتهمت الحكومة السورية «المسلحين في مدينة حمص» بإفشال 3 محاولات لإخراج الصحافيين الأجانب الجرحى والقتلى من بابا عمرو، وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي إن «المسلحين» وضعوا شروطا خلال «مفاوضات كانت السلطات السورية جزءا منها إلى جانب منظمتي الهلال والصليب الأحمر» مؤكدا أن الصحافيين الأجانب «دخلوا متسللين وخرجوا متسللين».

كلام المقدسي جاء خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في دمشق في ظل أنباء متضاربة عن عملية تهريب للصحافيين الأجانب من حمص إلى لبنان لم تحقق نجاحا تاما.