«الصحافي المواطن».. مراسل الفضائيات الخاصة في سوريا

يشترط توافر مقاطع فيديو معه.. ويعتبر بديلا لإرسال الأطقم الإعلامية

لقطة من «يوتيوب» لناشطين مكبلين بالسلاسل يقتادهم عناصر الأمن الى شاحنة في درعا أمس
TT

خلال عام من الثورة السورية قتل نحو 7 صحافيين أثناء تغطيتهم للأحداث، منهم ثلاثة أجانب، فيما أصيب نحو 12 آخرين، فيما بدا أنه استهداف من جانب السلطات السورية لعمل الصحافيين، ومع ازدياد وتيرة القمع وانفجار حمام الدم بحق الجميع، قررت العديد من القنوات الفضائية العربية والأجنبية الاعتماد على مراسلين سوريين من الداخل، وهو ما عزز من ظاهرة «الصحافي المواطن». ويقول مسؤول بقناة «الجزيرة» إن الصحافي المواطن يشكل أفضل بديل في الوقت الراهن، خاصة مع صعوبة تأمين إدخال صحافيين تابعين للمحطة.

ومنذ بداية الثورة في مارس (آذار) 2011، حظرت السلطات السورية عمل كافة الصحافيين الأجانب؛ لكنها بدأت مؤخرا في إصدار تأشيرات لمدد محدودة وتصريحات للتجول في مدن معينة وبصحبة مرافقين من الحكومة، لكن ذلك التصريح لم يشكل حماية للصحافي الفرنسي، جيل جاكييه، مراسل قناة «فرانس 2» التلفزيونية الفرنسية الذي قتل في يناير (كانون الثاني) الماضي بصاروخ حكومي رغم أخذه تصريحا من الحكومة لتغطية الأحداث في حمص، وكان جاكييه حينها أول صحافي أجنبي يقتل منذ بدء الثورة قبل نحو عام، وتلاه مقتل صحافية غربية أخرى.

ويقول مسؤول بقناة «الجزيرة»، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن القناة تريد بطبيعة الحال إرسال أطقم لتغطية الأحداث لكن الوضع الأمني في سوريا جد خطير ومختلف تماما عما حدث في ليبيا، وقال المسؤول، الذي شارك في تغطية الحرب في ليبيا: «في ليبيا كانت الأمور واضحة، هناك زحف باتجاه الغرب، وظهورنا مؤمنة بشكل كبير.. أما في سوريا فالقتل في كل مكان وليس هناك تأمين لأي شيء»، متابعا «وجدنا مسألة تأمين مراسلينا عملية معقدة وربما تكون مستحيلة، لذا نبحث عن صوت من الشارع ينقل لنا ما يحدث بشرط التأكد من اطلاعه على الواقع عن قرب» متابعا أن «الصحافي المواطن يشكل أفضل خيار لنا في تلك الظروف الأمنية الصعبة».

ومنذ بداية الأحداث تقوم القنوات الإخبارية العربية باستخدام مواطنين سوريين موجودين في المدن المشتعلة لتغطية الأحداث، كما تستخدم تلك القنوات مقاطع الفيديو نفسها التي يصورها الناشطون بأنفسهم بعدما تتأكد من صحتها وزمنها وفقا للمسؤول الذي قال «أهم شيء أن يوفر لنا المواطن الصحافي مقطع فيديو يؤكد صحة كلامه.. وأغلبية الناشطين يوفرون ذلك».

وعبر عام من الثورة، تطور تنظيم «المواطن الصحافي» في سوريا، حيث قسم الناشطون أنفسهم إلى فريقين: فريق إعلاميي الداخل وفريق إعلاميي الخارج، كما تم تأسيس شبكة أخبار النشطاء في القاهرة والتي تقوم على نقل أخبار النشطاء والتنسيقيات.

ويقول وليد فارس، (28 عاما)، وهو اسم مستعار لمواطن صحافي يظهر باستمرار على قناة «الجزيرة» وقناة «العربية» وغيرهما من القنوات، إن تنسيق العلاقة بينه وبين الجزيرة يتم عبر إعلاميي الخارج الذين يذهبون للقنوات الفضائية ويخبرونهم بوجود ناشطين على الأرض قادرين على نقل الحقيقة، مضيفا أن القنوات تستفسر عن مقاطع الفيديو التي يصورها «المواطن الصحافي» ومكان وجوده، ولغاته ومدى لباقته في الحديث لاعتماده مراسلا، حيث يتم التواصل بعدها مع القنوات عبر برنامج «سكايب» على الإنترنت أو عبر تليفونات «الثريا».

وقال فارس، الذي يعيش في حي الخالدية المحاصر في حمص، في اتصال عبر الإنترنت لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أنهم يقومون بالتأكد من معلوماتي عبر آخرين».

ويقول مسؤول «الجزيرة» «نحن نبحث عن المصداقية بطبيعة الحال.. ولا يمكن تصديق كل ما يأتينا إلا بعد التأكد منه»، مشيرا إلى معضلة أن المواطنين يمثلون وجهة نظر واحدة، لكن هذا يعود إلى أن دمشق لا توفر لهم خيار الاستماع لكل وجهات النظر عبر السماح لها بالعمل في سوريا في ظروف مناسبة.

وقبل شهر، أبلغ فارس قناة «الجزيرة» أنه تسلم أربع جثث لأطفال رضع، لكنه أوضح أن «الجزيرة» أبلغته بضرورة توافر فيديو للواقعة قبل إذاعة الخبر، وهو ما تم لاحقا فعلا ليظهر الخبر مساء مصحوبا بمقطع الفيديو الذي صوره بنفسه.

ويقول فارس، الذي يظهر فضائيا بالصوت فقط: «أستخدم اسما مستعارا خشية تعرض أسرتي للخطر»، كاشفا عن أن المواطن عبد الباسط الساروت يظهر باسمه الحقيقي على قناة «العربية»، مما جعل السلطات تستهدف خاله وعمه وأخاه، مضيفا أن قوات الأمن تقتحم بيوت أقاربه باستمرار.

ووفقا للعديد من النشطاء ولمسؤول «الجزيرة» نفسه فإن الناشطين الذين يظهرون فضائيا لا يتقاضون أموالا نظير خدماتهم. وقال فارس «نحن لا نتقاضى أموالا، فنحن نفعل ذلك من أجل ثورتنا»، قبل أن يضيف: «أتمنى أن يصل صوت حمص للخارج.. نحن يمكن أن ندفع أموالا لمن ينقل معاناتنا»، لكن ناشطا سوريا مطلعا على الأمر أبلغ «الشرق الأوسط» أنه من الصعب تأكيد أن المواطنين لا يتلقون أموالا نظير خدماتهم.

وقال الناشط عمر شاكر، الذي يظهر باستمرار على القنوات الأجنبية ومنها «الجزيرة الدولية» للتحدث بلغة إنجليزية: إن فكرة المواطن الصحافي لم تكن لتنمو بهذا الشكل لولا الحظر الذي تفرضه السلطات على دخول الصحافيين الأجانب، وقال شاكر: «ما لا يعرفه الناس أننا شبكة كبيرة ومترابطة الأوصال ولسنا بالداخل فقط». وقبل أسبوع خرج شاكر مهربا خارج حمص بعدما تقرر إجلاؤه من المدينة المحاصرة للحفاظ على حياته وعلى الكثير من مقاطع الفيديو التي لم تظهر بعد فضائيا، والتي يقول نشطاء إنها ستستخدم لرفع قضية جنائية ضد نظام الأسد، ليواصل شاكر الحديث فضائيا من موقعه الجديد خارج سوريا.

ويقول عروة، (25 عاما) وهو ناشط سوري باسم مستعار، إن فضائية «العربية» عرضت عليه مبلغا ماديا مرتفعا للعمل معها كمراسل من حلب، بعد إرسال تقريرين مصورين للقناة لاختباره، لكن عروة، المنتمي أصلا لحماه والمطلوب أمنيا، فضل العمل عبر فضائية «أورينت» السورية بمبلغ أقل كجزء من نشاطه الثوري.

وتقوم الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالتنسيق بين 230 من ناشطيها في مختلف المدن السورية. وقال سامي إبراهيم، المتحدث باسم الشبكة، إنه يتم مد ناشطي الشبكة بأجهزة الثريا بالإضافة إلى أرقام تجوال دولية للتواصل مع الإعلام.ويقول ناشطون إن السلطات السورية تستهدف المواطنين المصورين بشكل متعمد حتى لا تصل مقاطع الفيديو للقنوات الفضائية، ومنذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي تم قتل المصور الحر باسل السيد، برصاصة في الرأس عند نقطة تفتيش في حمص، وتلاه مقتل المصور مظهر طيارة، وهو مصور صحافي كان يعمل لحساب وكالة الأنباء الفرنسية بالإضافة لعدد من وسائل الإعلام الدولية بنيران القوات الحكومية في حمص، وهو ما تواصل بمقتل الناشط المصور رامي السيد في حمص قبل أسبوع.

لكن رامي جراح، أحد مؤسسي شبكة أخبار النشطاء، يقول إن الشبكة تعمل على إرسال المزيد من الكاميرات عالية الجودة إلى ناشطيها في حمص، موضحا أن العديد من أشهر الشبكات العالمية تتلقى تقارير شبكته وتبثها باسم مصادره.

وفيما يقول وليد فارس، الذي يظهر فضائيا مرتين على الأقل يوميا من حمص، إنه لا يتلقى أي توجيهات معينة من قبل القنوات التي يظهر عليها بخصوص تغطياته لها، قال جراح، الذي يشرف على نحو 300 ناشط مواطن صحافي، إنه يحرص على توجيه ناشطيها وإعطائهم نصائح تتعلق بكيفية التصوير من زوايا معينة.

ويقول ضياء دغمش، أحد المؤسسين في شبكة أخبار النشطاء، إن السلطات قتلت نحو 15 من المواطنين الصحافيين المتواصلين مع الشبكة، لكنه أوضح أن استهداف المواطنين الصحافيين لا يمنع آخرين من امتهان نفس المهمة لتبقى في النهاية تغطية أخبار الثورة السورية مستمرة حتى ولو لم يوجد الصحافيون المهنيون.