تركيا: فشل في التوصل لحلول ملموسة مع النظام السوري يثبت محدودية دورها إقليميا

رغم احتضانها للاجئين وعناصر الجيش الحر.. ومبادراتها السياسية

TT

في الوقت الذي تتزايد فيه الأعمال القمعية للحكومة السورية ضد مواطنيها، تجاهد تركيا لمواجهة أزمة تتفاقم على أعتابها، كاشفة عن محدودية دورها القيادي في المنطقة.

سعت الحكومة التركية، خلال العام الذي مر منذ بداية الثورة في سوريا، إلى لعب دور قيادي في حل الأزمة، والمشاركة في دبلوماسية هجومية إلى جانب الجامعة العربية، وطالبت مؤخرا بإنشاء ممر إنساني في سوريا للمساعدة في حماية المدنيين، فيما شبه وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، الرئيس السوري بشار الأسد بسلوبودان ميلوسيفيتش، رجل صربيا القوي الذي أسقط بلاده في حرب عرقية أهلية.

وعلى الرغم من كل التهديد والوعيد، فإن تركيا لم تتمكن من القيام بعمل ملموس, وقال مسؤولون ومحللون إن تركيا قلقة للغاية من الدخول في عمل عسكري أحادي، لأنها تعي مخاطر إشعال فتيل حرب طائفية على حدودها، وإثارة كراهية الرأي العام في العالم العربي، أو ما هو أسوأ، إثارة حرب إقليمية دون قصد.

وقال سولي أوزيل، كاتب الرأي في صحيفة «هابرترك»، الصحيفة التركية الواسعة الانتشار: «الرهانات كبيرة للغاية أمام تركيا في سوريا. إذا أثبتت تركيا أنها غير فاعلة في حل النزاع في تركيا، فستصاب بخيبة أمل كبيرة في دعاواها بنفوذها الإقليمي».

ويشير المسؤولون الأتراك إلى أنهم لا يستبعدون مشاركتهم العسكرية في خطة دولية لتشكيل منطقة عازلة في حال واصل الأسد قتل أبناء شعبه وتدفق اللاجئين الذي استتبعه. وقد أثار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هذا الاحتمال مرة أخرى يوم الجمعة، عندما صرح للصحافيين في العاصمة التركية، أنقرة، بأن «منطقة عازلة، منطقة أمنية، هي أمور تجري دراستها». لكن هذه الفكرة تجري دراستها منذ الأيام الأولى للصراع دون خطوات ملموسة من قبل تركيا أو أي دولة أخرى باتجاه تنفيذ هذه الفكرة.

لكن ما تزايد كان النزوح الجماعي للاجئين، على الرغم من وجود القوات السورية على الحدود مع تركيا، حيث صرح المسؤولون الأتراك بأن أكثر من 1000 سوري عبروا الحدود خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، لتصل أعداد اللاجئين السوريين الذين يقيمون في خمسة معسكرات في إقليم هاتاي التركي على الحدود إلى أكثر من 14.700 شخص.

ويوضح المسؤولون الأتراك أن بلادهم أعدت خططا طارئة في حال تدفق اللاجئون بشكل كبير، حيث يظهر السوريون جرأة كبيرة في تجاوز المنطقة التي تم تلغيمها, متحدين كذلك رغبة القوات العسكرية السورية في إطلاق النار على المدنيين العزل. ويتوقع أن تفتح تركيا معسكرا بالقرب من مدينة كيليس الجنوبية الشهر المقبل لاستضافة 10.000 سوري إضافي. وسيقام معسكر آخر سيلانبيانار، بالقرب من الطرف الشرقي من الحدود الذي يستقبل ما يصل إلى 20.000 شخص.

بيد أنه في الوقت الذي تبدي فيه تركيا رغبة في القيام بعمل أحادي، يرى المحللون أنها لن تتمكن من القيام بفرض منطقة عازلة في سوريا بسبب الدعم الروسي والإيراني لسوريا، وعدم رغبة تركيا في الدخول في مواجهة مع سوريا. ويشيرون إلى أن تركيا تخشى من أن يؤدي الانتشار العسكري إلى تقويض شعبيتها في منطقة لا تزال ذكريات الحكم العثماني ماثلة في الأذهان فيها.

وعلى الرغم من المساحة المحدودة للمناورة، فإن تركيا تحاول التأثير في سوريا ما بعد الأسد، فهي تستضيف المعارضة السورية التي تضم المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، الذي يبلغ قوامه 10.000 جندي يقيمون في معسكر في تركيا بالقرب من الحدود السورية، لكن أيا من هذه المجموعة لم يثبت كفاءته وفاعليته في تمثيل تحدٍّ فاعل لقوة الحكومة السورية.

وفي الوقت الذي يواصل فيه الأسد التمسك بالسلطة في سوريا وتتوالى فيه الانقسامات في صفوف المعارضة السورية، تخاطر تركيا بوضع نفسها حامية لقوات المعارضة الضعيفة، فقد لعبت تركيا دورا قياديا في تشكيل تحالف دولي للضغط على سوريا.

ويرى المسؤولون الأميركيون والأتراك أن الأزمة السورية جعلت أردوغان حليفا لا غنى عنه للرئيس أوباما، وهو ما قد يساعد في التغلب على التوترات التي وقعت نتيجة الشقاق بين تركيا وإسرائيل. لكن النزاع أظهر مدى محدودية قوة تركيا في المنطقة، فقبل اندلاع النزاع السوري، كانت تركيا أبرز حلفاء سوريا، حيث عقدت الدولتان جلسات وزارية مشتركة، حتى إن أردوغان والأسد كانا يقضيان العطلات معا. وتعتبر الحدود التركية السورية التي يصل مداها إلى 500 كيلومتر الحدود الأطول لتركيا مع جاراتها، كما تضاعفت التجارة بين البلدين إلى ثلاثة أضعاف، ليصل حجم التجارة بين البلدين إلى 2.5 مليار دولار في عام 2010.

لكن على الرغم من الشراكة الدبلوماسية والاستثمارات الاقتصادية، فإن تركيا لم تتمكن من إقناع الأسد بوقف العنف والمضي قدما في عملية الإصلاح السياسي. وقد اعتبر النزاع في سوريا بمثابة اختبار جوهري لتركيا خلال محاولتها الجادة لتنفيذ سياستها الخارجية الجديدة النشطة في المنطقة، فقد خبت طموحاتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبدت أزمتها مع قبرص مستعصية على الحل، كما دخلت جهودها للتوصل إلى حل بشأن الأرمن نفقا مظلما. والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مجمدة على خلفية العملية التي قامت بها قوات الكوماندوز الإسرائيلية في مايو (أيار) 2010 على أسطول الحرية الذي حاول الوصول إلى غزة مقبلا من تركيا. أضف إلى ذلك الشكوك الإيرانية تجاه موافقة تركيا على استضافة الدرع الصاروخية لدول الناتو.

ونتيجة لاشتراكها في الحدود مع كل من سوريا والعراق وإيران، تخشى تركيا ذات الأغلبية السنية (79 مليون نسمة) من التورط في انقسامات طائفية تهز جيرانها. وعلى الرغم من انزلاق سوريا نحو حرب أهلية، فإن العراق عاد مرة أخرى إلى الحرب الطائفية، في الوقت الذي أيدت فيه إيران بقوة حكومة الأسد.

فيوضح سامي كوهين، كاتب الرأي في مجال الشؤون الخارجية في صحيفة «ميليت»، الصحيفة التركية الواسعة الانتشار، أن تركيا لديها عدد كبير من السكان من العلويين قد يتعاطف البعض منهم مع الأسد، وهو ما قد يتم استغلاله سياسيا.

في الوقت ذاته عبر المسؤولون الأتراك عن قلقهم من أن سوريا المدعومة من قبل إيران، قد تسعى إلى تشجيع مقاتلي حزب العمال الكردي كوسيلة لعقاب تركيا على دعمها للمعارضة السورية. وعلى الرغم من قدرة تركيا على الاستفادة بشكل واضح إذا ما تمت الإطاحة بالأسد، فإن المحللين يرون أن الدول العربية لن تكون سعيدة برؤية النفوذ التركي يتزايد في المنطقة، فيقول أوزيل: «الدول العربية لا ترغب في أن تلعب تركيا دورا أكبر في سوريا، فالعرب هم العرب والأتراك هم الأتراك».