أمير مكة المكرمة: المسلمون لا يقطعون الإشارات ويخلقون العشوائيات ويتسترون على سارقي أملاك الدولة والناس

قال إن هناك من يسعى لتطبيق النظام العلماني.. ووصف حال المسلمين داخل المسجد وخارجه بـ«المتناقض»

أمير منطقة مكة المكرمة ووزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد خلال اللقاء (واس)
TT

استغرب الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة أن نكون مسلمين ونحن من يقطع الإشارات وشوارعنا غير نظيفة ومدننا غير مخططة وأحياؤنا عشوائية في وسط المدن، متعجبا في الوقت ذاته أن نثبت للعالم أننا على حق وهناك من يتستر على المهربين وعلى مروجي المخدرات وعلى الذين يسطون على الأراضي وعلى أملاك الدولة وعلى أملاك الناس! ومضى أمير منطقة مكة المكرمة قائلا: «هذه البلاد أسست على النظام الإسلامي، هذا النظام الذي يواجه في هذه الآونة حملة شرسة تريد تأكيد عدم صلاحية الدين للدولة، ووجوب فصل الدين عن الدولة»، مؤكدا أن الهجمة على السعودية ونظامها وحكومتها وشعبها وقيمها وعلى عاداتها وتقاليدها، هي هجمة مفتعلة، لأنها تمثل البلد الوحيد الذي يطبق شرع الله على عباده، وتابع: «هناك حملة كبيرة تريد أن تقنع الجميع بأنه لا مجال للتقدم والرقي إلا بفصل الدين عن الدولة، وتطبيق نظام الدولة العلمانية اللادينية».

وزاد الأمير خالد الفيصل على هامش ورشة تضم الخطباء والأئمة للنقاش حول دور المسجد والمنبر في تنمية الإنسان قائلا: «كانت أوروبا تشكو من النظام الكنسي الذي كان يوزع الأراضي على الملوك والأمراء والنبلاء ليملكوها ويحكموها بمن فيها ومن عليها، فثار الناس على ذلك الاستبداد وعلى ذلك الظلم وعلى تلك العبودية، وكان لهم الحق في ذلك، حتى فصلوا الدين عن الدولة، وابتدأت الثورات في ما بعد إلى أن وصلت إلى الثورات الصناعية في أوروبا التي أسست أولا دولا علمانية لا دينية وثانيا دولا قوية عسكرية ابتدأت باحتلال الجزء الكبير من أفريقيا وآسيا واستعمرته».

وتابع الأمير خالد الفيصل: «كانت تلك الدول المستعمرة للأسف من المجتمعات والشعوب الإسلامية، فابتدأ من ذلك الوقت الهجوم على الإسلام، ومحاولة تغيير هذا الدين وهذه العقيدة وهذا الانتماء لهذا الدين الإسلامي، ثم ثارت الشعوب الإسلامية وغيرها من الشعوب على الاستعمار وانسحبت الدول الأوروبية عسكريا، ولكنها بقيت اقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، وتهيأت لها ثورة المواصلات والاتصال، وبعد ذلك، في هذا الوقت، الثورة التقنية التي سهلت الهيمنة الاقتصادية والثقافية والعلمية على هذه الشعوب من قبل الشعوب والدول الغربية التي لا تزال تحاول باستمرار مع سهولة الاتصال والمواصلات التي تفتحت بها كل الأبواب والنوافذ لدخول هذه الثقافة إلى المجتمعات الإسلامية، وهذا الغزو الاقتصادي والثقافي والعلمي، واسمحوا لي أقول الإداري اللاديني».

وزاد أمير مكة المكرمة «تلك الأفكار أصبحت تدخل ليس فقط الدول وإنما البيوت، حتى إن بعض أبناء جلدتنا من المسلمين ومن العرب اعتنق هذه المبادئ اللادينية بفصل الدين عن الدولة»، مضيفا «وفيما يسمى بالربيع العربي الذي فاجأ العالم بنجاح الأحزاب الإسلامية في الدول العربية ابتدأ الضغط على تلك الأحزاب وعلى تلك الشعوب بقبول فصل الدين عن الدولة في الدستور العربي الإسلامي، بل وأصبح من شروط القبول والتعاون والإعانة الدولية».

وأضاف: «لم يبق أيها الإخوة في هذا الجزء من العالم من يصرخ بملء فمه بأن دستوره القرآن ومنهجه السنة إلا أنتم في هذه البلاد، وهذا هو قدركم، وهذا هو قدر من أسسوا هذه الدولة من بدايتها، فأنتم وهم تسبحون ضد التيار، ولكن بإيمانكم وعقيدتكم انتصرتم إلى هذا اليوم، هذه الانتصارات»، مسترجعا حديث الملك فيصل في يوم من الأيام عندما قال «إذا كانت الرجعية تعني التمسك بأهداف الدين الحنيف فنحن نفخر بأن نكون رجعيين»، ويؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اليوم في جميع خطبه ولقاءاته أننا لن نفرط في هذا الدستور وهذا المبدأ الإسلامي الذي بدأنا عليه.

وخلص للقول «إذن أيها الإخوة كيف نحافظ على ذلك والتيار يجابهنا؟ التيار اللاديني، الذي يحاول أن يقنع شبابنا بأن التمسك بالدين لا يوصلنا إلى العالم الأول ولا للعالمية ولا للتقدم، وللأسف صدقه واقتنع به عدد من المسلمين والعرب، والطريق الوحيد أيها الإخوة هو أن نثبت للعالم أجمع أن الإسلام دين حضارة ودين رقي ودين تقدم ودين علم، وسوف نصل به إن شاء الله إلى العالم الأول، بل ونتصدر به دول هذا العالم».

وأكد الأمير خالد الفيصل أن «للخطيب دورا كبيرا في تحقيق ذلك، بما يملكه من مميزات لم تتوفر لمواطن غيره، فهو الذي يتحدث إلى هذا المجتمع في خطبة الجمعة بغير مقاطعة ولا يؤجل كلامه أحد ولا يعارضه أحد، إذن ماذا ستنقلون لهذا الشعب الذي يراد منه أن يثبت للعالم أن دينه هو الأصلح وأن منهجه هو الأقوى وأنه يستطيع أن يبني الحضارة التي بناها أسلافه؟ إنها مسؤولية كبيرة، ولذلك أطلقت عدة مبادرات، ومن بينها مبادرة شركاء التنمية، وإنني متأكد أنكم جميعكم من شركاء التنمية في هذه البلاد، لأننا بالتنمية سوف نصل إلى العالم الأول».

وطرح أمير مكة تساؤلا أمام الأئمة والخطباء «ما هي التنمية؟»، وأجاب «هي أن نبين القيم الحقيقية للإسلام، وأن نوضح لشبابنا أن الجهاد ليس بتفجير الجسد ودمار الشوارع والمباني، الجهاد يبدأ من النفس، إذا أردنا أن نجاهد في سبيل الله فلنعمل لإعلاء كلمة الله ولنثبت للعالم أن ديننا هو دين الحق وهو دين الحضارة والرقي والتقدم بالعمل وليس بالقول، وأن هذا الدين هو دين النظام، دين النظافة، دين العمل، دين الإخلاص، دين الأمانة، دين الصدق، كيف نكون من المسلمين ونرضى بشوارعنا أن تكون غير نظيفة ومدننا غير مخططة وبأحيائنا أن تبقى عشوائية في وسط المدن؟! كيف نثبت للعالم أننا على حق وهناك من يتستر على المهربين وعلى مروجي المخدرات وعلى الذين يسطون على الأراضي وعلى أملاك الدولة وعلى أملاك الناس؟! كيف لا ننتظم في الخطوط ونحترم إشارات المرور؟!».

ثم قال الأمير الفيصل: «إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نتأمل في خلقه، في السموات والأرض والكواكب والبحار وفي كل مخلوقاته من حيوانات وطيور، الله أخبرنا بأن كل المخلوقات أمم مثلنا، حتى الحشرات والطيور لها لغات ولها أنظمة، وهي أمم.. كيف لا نعتبر؟! كيف نرضى بوجود أحياء عشوائية بجوار الكعبة؟! في مكة وحدها أكثر من 60 حيا عشوائيا، وفي جدة أكثر من 50 حيا عشوائيا، كيف نقبل أن تقصر الإدارات الحكومية في عملها وهم مسلمون؟! كيف يغش التجار في عملهم وهم من المسلمين؟! كيف نخالف النظام والله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون كله على نظام.. الكواكب تسير بنظام، الصلاة بتوقيت، رمضان بتوقيت والأعياد بتوقيت ونحن لا نهتم بهذا الوقت، نهدر الوقت ولا نحترم النظام؟!».

وختم قائلا «الدين ليس فقط مظاهر، الدين عمل، كيف تكون جميع الدول الإسلامية في آخر دول العالم المتقدم، وتعد من الدول المتخلفة؟! كيف ندافع عن ديننا إذا قبلنا بذلك؟! هذا هو دوركم، أن تعالجوا هذه المشاكل، أن نظهر بمظهر الأمة المحترمة، التي تحترم نفسها قبل أن تطلب من الآخرين احترامها، كيف نتدافع ونحن خارجون من المسجد في حين أننا ننتظم في دقيقة عندما تقام الصلاة، وبعد الصلاة مباشرة تحدث الفوضى؟!».

وتساءل أمير مكة المكرمة: «كيف لا تكون مدننا نظيفة ونحن مأمورون بأن نتوضأ خمس مرات في اليوم قبل الصلاة؟! كيف تكون شوارعنا غير نظيفة وقد أمرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ووجهنا بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة؟! كيف نقبل بكل ذلك ونحن نعلم أن المؤمن لا يكذب؟! بل كيف وصل بنا الأمر إلى أن أصبح للكذب ألوان.. أبيض وأصفر وأحمر؟!.. الكذب كذب ليس فيه ألوان ومسميات، ولن تقوم لنا قائمة ونحن نكذب على بعضنا البعض، علينا مسؤولية في هذه البلاد، فقد أنعم علينا الله وبارك لنا في بلادنا وأعطانا خيرات كثيرة وقيادة حكيمة إسلامية تصر على كتاب الله وسنة رسوله».

وأضاف الأمير خالد الفيصل «لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن جعلنا بجوار هذا البيت العتيق، لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن جعل آخر كتبه بلغتنا وآخر أنبيائه منا، ولذلك علينا مسؤولية، نحن مسؤولون عن الإسلام، مسؤولون عن إظهار هذا الإسلام للعالم أجمع بأنه الدين الحق، والدين القويم، الذي يصلح لكل زمان ومكان، الرهان هو علينا جميعا، جميع مواطني هذه البلاد الكريمة التي شرفها الله سبحانه وتعالى بأن تحمل هذه الرسالة العظيمة على عاتقها، لتكونوا فعلا خير أمة أخرجت للناس، أنا متأكد أننا جميعا سوف نصل ليس فقط إلى العالم الأول بل إلى أول العالم الأول إن شاء الله بالإسلام وبكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

من جهته، أوضح وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح آل الشيخ، أن الأمير خالد الفيصل نبعت منه أفكار عدة في مجال بناء الخطباء والأئمة، معتبرا أنها من الأفكار الإيجابية والمهمة والمؤثرة.

وقال آل الشيخ: «نشهد لخطباء الجمعة أنهم أقاموا للأمة بناء صالحا، إلا أن ذلك يوجب على المؤمن أن يسعى لما فيه مواكبة للزمن ومواصلة لتطوير الخطيب الذي يقوم بتطوير الإنسان»، مؤكدا عناية الوزارة بالخطيب، حيث نفذت العديد من الدورات على مدى سنوات عدة كان آخرها حملة بعنوان «فقه الانتماء والمواطنة»، عقدت خلالها العديد من الورش والملتقيات في مناطق المملكة، خصوصا أن الانتماء والمواطنة فكرة أصيلة وشرعية، مستطردا: «إن هناك إشكالية فكرية ونفسية كبيرة، لأن البناء الحقيقي للإنسان يتضمن أن يبنى القلب في عاطفته وأن يبنى العقل في تفكيره، والإسلام يسعى إلى بناء عاطفة جياشة لدى المسلم ثم عقل مفكر كذلك، وهذا البرنامج الإلهي الكامل يحقق إصلاح الإيمان بالقلب الصادق، وإصلاح القلب بالتفكير الواعي»، مشيرا إلى أن هذين الخطين متوازيان شاملان لبناء الإنسان.