100 عام من «النيون» في معرض باريسي

فيزيائي فرنسي اخترعه.. وصحراء لاس فيغاس الأميركية سحرت به العالم

TT

«من يخاف من الضوء الأحمر؟».. هذا هو عنوان أول معرض دولي مخصص لأنوار النيون وفنونه يقام في باريس، حاليا، ويستمر حتى أوائل الصيف. ويسترجع المعرض تاريخ هذا النوع من الإضاءة الكهربائية منذ انتشارها في أربعينات القرن الماضي حتى وقتنا الحالي.

طبعا، تتوزع المعروضات التي زاد عددها على مائة في قاعات معتمة تلتمع فيها أضواء النيون وتشكيلاته الفنية التي تشبه خطوطا مرسومة في الفراغ بريشة فنان يرتدي طاقية الإخفاء. ومن المعروضات أعمال لرواد هذا النوع من الفن في النصف الأول من القرن العشرين، وهم من جنسيات مختلفة من أمثال غيولا كوسيش ولوتشيو فونتانا، أو الذين ظهروا في الستينات من أمثال فرانسوا مورليه وبروس نومان وستيفن أنتوناكوس وماريو ميرز. وهناك أيضا أعمال لفنانين من الوقت الراهن مثل جايزون رودس وكلود ليفيك وسيلفي فلوري.

يشرح المعرض لزواره كيفية صنع أنابيب النيون من غاز عديم اللون والرائحة في حالته الطبيعية، لكنه عند الضغط ينتج ضوءا ملونا حالما يخترقه مجال كهربائي. وقد أطلق على هذا الاختراع اسم نيون، المشتق من لفظة يونانية تعني الجديد. ومع تعدد الغازات تتعدد الألوان الضوئية من الأحمر إلى الأزرق والأصفر وغيرها. ونظرا لما انطبع في الأذهان من صور جذابة لشوارع مدينتي هونغ كونغ أو طوكيو أو واجهات كازينوهات لاس فيغاس، فقد يخطر على البال أن مخترع النيون لا بد أن يكون صينيا أو يابانيا أو أميركيا. لكن الفرنسيين يفتخرون بأنه فيزيائي من أبناء بلدهم ويدعى جورج كلود.

في عام 1912، قبل 100 عام من العتمة والاستنارة بالنار وبالضوء أحادي اللون، تمكن كلود من التوصل إلى أنبوب النيون وعرضه، للمرة الأولى، على الجمهور في المعرض الكوني في باريس. وبعد سنوات، وبالتحديد في عام 1923، قام المخترع الفرنسي بتسجيل اختراعه في الولايات المتحدة الأميركية وباع لشركة «باكارد» أول لوحتين إعلانيتين مضاءتين بالنيون تحملان اسم الشركة. ومن يومها وكل المعلنين وأصحاب الدكاكين والمتاجر والوكالات والعيادات والحرف المختلفة، شرقا وغربا، يجرون وراء النيون ليعلن عنهم ويشير إلى مواقعهم في الشوارع المختلفة.

واجه المشرفون على المعرض تحديات تتمثل في الدقة الفائقة المطلوبة في العرض والإخراج. وكان لا بد من خبراء في الكهرباء ومهندسين ميكانيكيين لمنع حصول كوارث مثل تلك التي جرت في مهرجانات تصدعت فيها اللوحات المضاءة بسبب عدم تطابق الفولتية أو إهمال الهشاشة التي يتميز بها النيون. ومع الافتتاح وإضاءة 108 أعمال لفنانين من 83 دولة زالت المخاوف وغمر الصالات قوس قزح بهيج ومثير. ومن مواطن الإثارة أن غالبية الأعمال تكاد تكون من «الأنتيكات» في مجالها لأنها تعود إلى منتصف القرن الماضي.

ليس من السهل في معرض كهذا توزيع المعروضات حسب تسلسلها الزمني أو جنسية أصحابها، وكان لا بد من مراعاة الانسجام اللوني والشكلي في ما بينها على حساب المسار الموضوعي في العرض. ولعل من أسباب جاذبية النيون أنه يمتلك تلك الخصلة الشاعرية التي تجعله مرادفا للحميمية والغموض والجمال. إن فناني النيون يرسمون به خيالاتهم أو يكتبون به عبارات وتشكيلات لفظية بكل اللغات ويخرجون به من مجاله التجاري والإعلاني ليضعوه في مكانه بين الفنون التشكيلية الأكثر حداثة في مادتها.