تصريحات لافروف عن «حكم السنة» في سوريا تثير إدانات موسعة

استنكار عربي لـ«دس الأنف الروسي» في «خصوصيات» الرئيس القادم

مظاهرة بإدلب أمس تخرج مناصرة للمدن السورية المنكوبة (أوغاريت)
TT

هاجمت أغلب القوى العربية والإقليمية تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن المخاوف من ضغوط في المنطقة لإقامة نظام سني في حال سقط النظام السوري الحالي برئاسة بشار الأسد. وفي حين أشارت بعض القوى السياسية والدينية إلى «جهل» لافروف بطبيعة دور الأقليات في العالم العربي، أعربت أغلب الآراء عن شديد استنكارها لـ«دس الأنف» الروسي في الشؤون الداخلية أو العرقية بالمنطقة.. فيما التمس البعض العذر للارتباك الروسي، الذي يأتي خشية فقدان آخر معاقل روسيا في العالم العربي المعاصر.

وفي لبنان، علق رئيس «هيئة علماء الصحوة الإسلامية» (السلفية) الشيخ زكريا المصري على كلام لافروف، فرأى فيه «تهويلا على الناس لتخويفهم من أهل السنة، من أجل إيجاد المبررات السياسية لتثبيت نظام الأسد المجرم والقاتل في الحكم». وأكد المصري لـ«الشرق الأوسط» أن «الوزير الروسي يجمع بكلامه بين العداء الروسي الشيوعي التاريخي للإسلام والمسلمين وأهل السنة بشكل خاص، وبين مصالحه السياسية مع النظام العلوي المستمد عقيدته من الفكر الشيوعي الملحد»، مشددا على أن «أهل السنة هم الأكثر قبولا للتعايش مع الآخرين، لأنهم أهل الانفتاح ويستمدون شرعهم من القرآن الكريم الذي يقول (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)».

بدوره، اعتبر عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أن ما أدلى به لافروف «هو محاولة تخويف من أن البديل عن نظام آل الأسد الذي يدّعي العلمانية، هو نظام إسلامي، بمعنى أن ذلك يخالف مطالب الشعب السوري بالحرية والتنوع والديمقراطية»، مذكرا بأن «الثورة السورية انطلقت من شعارات وهتافات تقول «واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد»، ولذلك، فإن أفكار التخويف من البديل ما هي إلا أسلوب من أساليب الدفاع عن هذا النظام وإعطائه مبررات الاستمرار، لكن هذا لن يفيد لأن الشعب السوري حسم خياراته تجاه هذا النظام القمعي». وقال «بعد التجربة اللبنانية رغم صعوبتها، وبعد وثيقة الأزهر الأخيرة والشهيرة، ومع كلام الإسلام المعتدل، فإن الشرق الأوسط يذهب باتجاه الاعتدال وقبول الناس لبعضهم بعضا، ولن يكون هناك مجال لغلبة فئة على أخرى».

وفي القاهرة، قال مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، إن الأمر ليس بجديد على روسيا، وإن السفير الروسي بالقاهرة عندما قام بزيارة لمكتب الإرشاد مؤخرا حاول تغيير موقف الجماعة من الوضع في سوريا واستمالته نحو تأييد النظام، وهو ما رفضته الجماعة، مضيفا أن «المرشد (الحالي الدكتور محمد بديع) حمل روسيا مسؤولية إراقة النظام السوري لدماء الأبرياء من السوريين».

من جانبه، أكد الدكتور رشاد البيومي، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، أن هذا التصريح ليس مستغربا من النظام الروسي، مؤكدا أن النظام الروسي لا يهتم إلا بمصالحه فقط، وأنه نظام يتضاد مع الأديان السماوية، مستغربا من استناد بعض البلدان «الإسلامية» لهذه الأنظمة التي تبيح القتل والتدمير مقابل الحفاظ على مصالحها الشخصية مع أنظمة بعينها. وقال البيومي «من المؤسف أن يكون لمثل هذه الأنظمة الرأي في بلادنا، فهم لا يهتمون إلا بمصالحهم.. ومصالحهم الآن مع نظام الأسد، وهم يقفون معه ما دامت مصالحهم تتطلب ذلك».

من جانبه، قال الدكتور طارق الزمر، المتحدث الرسمي باسم مجلس شورى الجماعة الإسلامية في مصر، إنه ليس من حق روسيا ولا غيرها تحديد الملة الأصلح لحكم سوريا من غيرها، سواء كانت الشيعية أم السنية، مشيرا إلى أن الشعب السوري هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار قادته ونظام الحكم الذي يحكمه. وأوضح الزمر لـ«الشرق الأوسط» أن المخاوف من انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد ووصول السنة إلى الحكم هي تفسير سطحي وساذج للأمور، مؤكدا أن سوريا في الأصل يسودها المنهج السني السلفي، الذي يضع قواعد صارمة في التعامل مع الواقع المعاصر ولن يميز حيال الأقليات هناك حال وصوله للحكم.

واستدل الزمر بحديث سابق للمرشد الأعلى الإيراني الراحل آية الله الخميني قبل عودته إلى إيران عام 1979، قال فيه إن مشروعه للعالم الإسلامي هو أن يحكم السنة في الدول التي بها أغلبية سنية، وأن يحكم الشيعة في الدول التي فيها أغلبية شيعية. وتابع الزمر أن «الخميني ذكر من بين الدول التي يجب أن يحكمها السنة سوريا، واعتبر أنه من الظلم أن يحكمها العلويون».

ودعا الزمر بشار الأسد لئلا «يستأسد» في مقاومة شعبه في سبيل المحافظة على الحكم، معتبرا أن المشهد الذي يوجد في سوريا الآن يجعل مظهر العرب أمام العالم دمويا وغير حضاري، وقال إنه يتشبث بالكرسي حتى لو أباد شعبه بالكامل رغم أن النهاية معروفة وهي إنهاء نظامه مهما طال الزمن.

من جهته, قال كبير مستشاري الرئيس التركي إرشاد هورموزلو، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن كلام لافروف، إن تركيا «تعتقد أن ما يجري في بلدان النهضة العربية هي مسائل تعبر عن نفسها، وترتبط بمطالب الشعوب من الحرية والكرامة وليست قضايا طائفية أو دينية.. فالديمقراطية تحمي الكل».

واعتبر هورموزلو أن أي نظام عصري وحضاري هو ضمانة للجميع في سوريا، مؤكدا أن بلاده لا تتخوف من انجرار سوريا إلى مسائل تنم عن التفرق المذهبي والديني والعرقي، ومعتبرا أن الشعب السوري «يمتلك من الدهاء والحكمة ما لا يسمح بحدوث حرب أهلية ولا انشقاقات طائفية ومذهبية وعرقية»، ومشددا على أن «التشرذم الديني هو الخطر الذي يتهدد بلدان المنطقة ويجب تجنبه». وشدد المسؤول التركي على أن وحدة سوريا مبنية على التصارح والتسامح والمعايير الديمقراطية التي من شأنها أن لا تسمح بجر الشعب إلى نزاعات طائفية.

ورأى مسؤول تركي رفيع أن تجربة بلاده في الديمقراطية «لا تتوافق مع مخاوف لافروف»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المخاوف ليست واقعية لأن سوريا التي تسعى إليها المعارضة السورية مدعومة من المجتمعين الدولي والعربي لا تقوم على مبادئ الفرقة والانتقام. وأوضح المسؤول أن تركيا لا تنظر إلى مساندتها المطالب المحقة للشعب السوري من منظار طائفي، لكنها في الوقت نفسه تمتلك تجربة رائدة في مجال حكم حزب إسلامي الجذور لأكبر الدول الإسلامية العلمانية، وهذا من شأنه أن يكون الجواب الواضح على مثل هذه المخاوف.

ومن العراق، أكد النائب البرلماني عن القائمة العراقية، حامد المطلك، أنه «لا بد من القول في البداية إن ما يحصل في المنطقة بشكل عام، وهو ما جرى في العراق قبل تسعة أعوام، هو تدبير إسرائيلي أميركي لتفتيت المنطقة العربية برمتها». وقال المطلك لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمر المستغرب هو أن تدس روسيا نفسها حتى في المشاكل الطائفية أو العرقية في المنطقة، من منطلق الخوف من إقامة نظام سني في سوريا، وبالتالي تبرير الوقوف مع النظام خوفا كما تقول على المسيحيين أو الدروز أو العلويين أو غيرهم». وأشار المطلك إلى أن «المسيحيين وسواهم من الأقليات كانوا يعيشون بين العرب منذ آلاف السنيين كمواطنين من الدرجة الأولى، ولهم أدوارهم المعروفة في التاريخ العربي والإسلامي». وأوضح أن «المصالح الروسية والغربية في المنطقة تتلاقى مع الأهداف الكلية لتمزيق المنطقة، وبالتالي فإن كل طرف من هؤلاء يريد أن يبرر تدخله تحت هذه الذريعة أو تلك».. وأوضح المطلك أنه كان له رأي مختلف عن القائمة العراقية في ما يتعلق بالشأن السوري، لكن مع استمرار عمليات القتل ضد أبناء الشعب السوري فإنه لم يعد ممكنا وتحت أي ذريعة الدفاع عن النظام السوري الحالي لأنه يذبح شعبه علنا.

بينما أكد النائب في البرلمان العراقي عن التحالف الوطني والقيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك قلقا عميقا في المنطقة مما يجري في سوريا، وقال «أعتقد أن الراعية لمحاولات الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة هي إسرائيل وأميركا، وبالتالي فإن مخاوف روسيا تأتي من هذه الزاوية؛ حيث إنه - وبصرف النظر عما يقوله وزير الخارجية الروسي بشأن حكم سني أو شيعي - فإن سوريا بالنسبة لموسكو هي آخر معاقلها، بعد أن كان الروس خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي يتقاسمون نفوذ المنطقة مع الأميركان». وأشار الزاملي إلى أن «مخاوف روسيا تبدو من هذه الزاوية حقيقية، بصرف النظر عن كونها مشروعة أم لا»، موضحا «لكن من ناحية أخرى، لا بد من القول إن هناك مخاوف فعلا من تحول منطق الصراع إلى طائفي بالكامل، حيث بدأت الآن مؤشرات واضحة في سوريا من خلال عمليات قتل وتهجير للشيعة والعلويين وغيرهم، وهناك دول في المنطقة تدفع بهذا الاتجاه».

ومن تونس، قال عبد المجيد الحبيبي، رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير (تيار إسلامي ينادي بالخلافة)، لـ«الشرق الأوسط»، إن الوضع في سوريا بالخصوص أعقد بكثير مما يلوح على الخارطة السياسية الحالية، فهي عقدة المسبحة (حجر الزاوية) - على حد تقديره - بين تركيا والعراق وإيران. واعتبر الحبيب أن المسألة تتعدى تقسيم السوريين إلى أقلية شيعية وأكثرية سنية، وأن الصراع الحقيقي يتمثل في مجموعة المبادئ التي يحملها الغرب ممثلا في أوروبا وأميركا وإدارة الصراع مع روسيا التي تتقاسم في نهاية المطاف المبادئ نفسها مع الدول الغربية.

وفرق الحبيبي بين وصول الإسلاميين بصفة عامة إلى الحكم، وتطبيق الإسلام كمنهاج حياة، وتساءل عما حققه الإسلاميون بوصولهم إلى السلطة في تونس والمغرب ومصر وربما ليبيا، وعن مدى تأثيرهم على حياة الناس هناك، وقال إن المخاوف الروسية في هذا الباب لا قيمة سياسية واستراتيجية لها، على حد قوله، وإن المسالة مرتبطة بالخصوص بمشروع ثقافي واجتماعي يطرحه من يصل إلى الحكم من التيارات الإسلامية. وقال إن الصراع مصيري بين الأمة الإسلامية والنموذج الغربي، وإن روسيا والغرب ممثلا في أوروبا وأميركا يتقاسم الأدوار نفسها، وأن حق النقض (الفيتو) الذي اتخذته روسيا قبل فترة ضد مشروع إدانة النظام السوري كان مسبوقا بتنسيق أميركي روسي للمواقف.

وأوضح الحبيبي في تصريحه أن المسألة الحقيقية المطروحة في هذه اللحظة من الصراع مرتبطة بالرأسمالية كنموذج حياتي والإسلام كمنهج حياتي مختلف، وهو صراع مبادئ بالخصوص بغض النظر عمن سيقود البلدان العربية، التي شهدت ثورات اجتماعية ضد الظلم والغطرسة والديكتاتورية، معتبرا أن تصريحات لافروف من قبيل «ذر الرماد في العيون»، على حد قوله.

وفي المغرب، انتقد عبد الصمد فتحي، رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة تصريحات لافروف، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن موقف لافروف «ينطلق من تحليل غير موضوعي وغير سليم عندما ينظر إلى القضية في بعدها الطائفي بدلا من وضعها في إطار شمولي يراعي مصلحة البلاد، ويتجاوز كل النعرات من أجل تحقيق الديمقراطية وإعطاء الكلمة للشعب».

وأضاف فتحي أن «الموقف الذي عبر عنه لافروف مجرد محاولة للالتواء على حقيقة الأمر، والتغطية على موقف الحرج الذي توجد فيه روسيا بسبب تمسكها بنظام الأسد رغم الدماء التي تسفك يوميا والأرواح التي تزهق على يد النظام»، وقال إن «الأمر في سوريا ليس مشكلة عرقية أو طائفية كما يحاول أن يقدمها وزير خارجية روسيا، وإنما هي مشكلة حرية وإدارة سليمة وتحقيق الديمقراطية ومراعاة مصلحة البلد، التي يجب أن تعلو فوق كل الاعتبارات الأخرى».

ومن جهته، يرى عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، أن تصريحات وزير الخارجية الروسي تحاول تبرير تمسك روسيا بنظام بشار الأسد، قائلا إنه «بالنسبة للروس يعتبر نظام الأسد آخر معقل استراتيجي لهم في العالم العربي وفي المنطقة، ويبدو أنهم غير مستعدين للتخلي عنه». وأضاف حامي الدين أن الوضع في سوريا يزداد تعقيدا، مشيرا إلى أن نظام الأسد ما زال يبدو متماسكا ولا تزال لديه أوراق يلعبها في لحظاته الأخيرة. وقال: «رغم التقتيل المستمر، ما زال الجسم الدبلوماسي لنظام الأسد متماسكا، وكذلك أجهزة الدولة تعمل، في حين تعرف المعارضة السورية في الخارج تشتتا وضعفا».

وأضاف أن من بين الأوراق التي يلعبها الأسد ورقة التهويل من احتمال صعود السنة، رغم أن السنة تعرف صعودا عاما في العالم العربي. وأشار إلى أن الأسد نجح نوعا ما في إقناع بعض القوى الغربية بأن إزاحته قد توفر فرصة لصعود «القاعدة» والتيارات الأصولية المتطرفة، مما جعل بعض القوى ترى أنه قد يكون الاحتفاظ بالأسد أفضل من فتح الباب أمام المجهول.