المعارضة السورية تتوافق على «وثيقة العهد» لـ«سوريا ما بعد الأسد»

مصدر في المجلس الوطني لـ«الشرق الأوسط»: المنسحبون حضروا لينسحبوا

أعضاء بالمجلس الوطني السوري يتناقشون قبل مؤتمرهم الصحافي باسطنبول أمس (رويترز)
TT

اجتمعت المعارضة السورية أمس على «المبادئ العامة» لنضالها في مواجهة النظام، وبعد خلافات في الاتفاق على الآليات التنظيمية، بعد أن ربط «معارضو المعارضة» - المتمثلة في المجلس الوطني - توقيعهم على «وثيقة العهد» بإيجاد آليات لاستيعابهم داخل بنية المجلس الوطني.. وافقت كافة القوى المعترضة على البيان الختامي بعد اتفاق على تشكيل لجنة تعمل على مشروع لإعادة هيكلة المجلس الوطني. وبدا منذ اللحظة الأولى لانعقاد المؤتمر أن قسما من المعارضين أتوا إلى المؤتمر للانسحاب منه، وهو ما وضعت مصادر في المجلس الوطني «علامات استفهام كبيرة حوله»، مشيرة إلى أن بعض الأعذار والحجج التي استخدمت لتبرير الانسحاب أو الاعتراض كانت غريبة، مثل قيام المعارض هيثم المالح بالانسحاب بعد إلقاء الكلمات الرسمية من قبل ممثلي قطر وتركيا بحجة أنه يفترض أن يترأس هو الجلسة بسبب «عامل السن»، فيما انسحب ممثلو «المجلس الوطني الكردي» لعدم إيراد عبارة تتعلق بـ«تكوّن سوريا من قوميات مختلفة».

ووضعت تركيا ثقلها المعنوي وراء المجلس الوطني «الذي يمثل شريحة أساسية من المعارضة»، ودعا مصدر مسؤول في الخارجية التركية إلى عدم تحميل المعارضة «أكثر من طاقتها»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هؤلاء قدِموا من ظلم وقهر عمره أكثر من 40 عاما (حكم آل الأسد)، ولا يمكن لهم أن يبدأوا بالعمل مجموعة واحدة منذ اللحظة الأولى»، معتبرا أن «الوقت كفيل ببلورة اتجاهاتهم»، ومشددا على أن ما يقومون به «يستحق الإعجاب والتقدير». ولمح المصدر إلى أن تركيا قد تعترف بالمجلس ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري.

من جهة أخرى، قال مصدر رسمي تركي أمس إن المجلس الوطني أقنع الجيش السوري الحر بالكف عن العمل على أنه مجموعة مستقلة، وأن يتحول إلى هيئة موالية للمجلس، مشددا على «ضرورة تعزيز العلاقات بين المجلس والجيش الحر».. وقال: «على المعارضة أن تحدد أطر نظام جديد يحل مكان نظام (الرئيس) بشار الأسد»، معتبرا أن الإجماع على «اتفاق وطني» بمؤتمر المعارضة الذي يعقد اليوم قد يكون نقطة تحول في الأزمة السورية.

واعتبر المسؤول التركي أن «الاستقرار في سوريا يرتبط بدستور ديمقراطي يتلاءم مع النسيج المتعدد الثقافات بالبلاد ويمكِّن المجموعات الدينية والعرقية المختلفة من التعايش في ظل ضمانة دستورية».

وقال مصدر دبلوماسي غربي، واكب اجتماعات المجلس، إن ما تقوم به المعارضة السورية «إنجاز يحسب لها على الرغم من بعض المظاهر غير المستحبة»، وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المعارضة تستحق الإعجاب والتقدير والدعم المستحق لهم لمساعدتهم على الخروج من «النفق المظلم الذي وضعهم فيه النظام». وكان المؤتمر الذي يزاول أعماله خلف أبواب مغلقة، قد استهل بلقاء صباحي شارك فيه أكثر من 300 من الشخصيات المعارضة، ألقى فيه هاليت جيليك المسؤول بوزارة الخارجية التركية كلمة أكد فيها أن بلاده «لن تترك الشعب السوري لمصيره». وأضاف أنه ليس هناك بديل سوى رحيل نظام الأسد، وقدم دعمه للمجلس الوطني السوري باعتباره منبرا للتوجهات المختلفة للمعارضة.

أما وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية خالد العطية فقد بادر الحضور بالتأكيد على أن «المطلوب من الاجتماع ليس توحيد المعارضة، بل الخروج برؤية موحدة». أما رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون فقد طالب الأسرة الدولية بدعم الجيش السوري الحر عبر تسليمه أسلحة ودفع رواتب لأعضائه.

وقال المالح، وهو قاض سابق في الثمانينات من عمره وسجن في عهد بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، إنه ينسحب من الاجتماع لأن المجلس الوطني السوري يهيمن على الساحة بشكل زائد ولا يتيح لنشطاء آخرين أن يكون لهم رأي.

وقال المالح لـ«الشرق الأوسط» إن انسحابه جاء بعد أن دخل المؤتمر ليجد أنه «لا كرسي ليجلس عليه»، وأشار إلى أن «اعتماد الأصول هو مفتاح النجاح»، مضيفا أن «الكلام على أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة يستخدمه المجلس عذرا لخرق المبادئ كما استعمله النظام قبلا طوال 40 سنة». وقال: «صحيح أن الوقت يداهمنا، لكن هل هذا يعني أن نبدأ بالخطأ»، مشيرا إلى أن المنظمين لم يطلعوه على الوثيقة قبل عرضها لمناقشتها.

ومن المنسحبين من الجلسة الأولى كان المعارض وليد البني الذي أخذ على المجلس «عدم استشارته»، وكذلك «المجلس الوطني الكردي» الذي طالب في وثيقة رفعها إلى المؤتمر بتضمين البيان النهائي عبارة تنص على أن سوريا «دولة مدنية متعددة القوميات»، كما طالب بالإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي وضمان إيجاد حل ديمقراطي وعادل للقضية الكردية في سوريا وفقا للعهود والمواثيق الدولية ضمن إطار «المتحد الوطني».

وتقدمت مجموعة أخرى من المعارضين من خارج المجلس الوطني بوثيقة تطالب «بإعادة هيكلة المجلس الوطني بكل هيئاته ومكاتبه، وضم ممثلين عن جميع القوى المعارضة، وتشكيل لجنة مشتركة لوضع نظام داخلي جديد للمجلس». ورأى هؤلاء أن الوثيقة تمثل «أفكارا عامة متوافقا عليها من الجميع»، غير أنهم أخذوا عليها عدم تطرقها إلى «السبل الكفيلة بإسقاط النظام بدءا من توحيد المعارضة». وبعد نقاشات ومداولات، أعلن المجتمعون تبني الوثيقة المقدمة من المجلس الوطني، فيما سجل المعارضون للمجلس اعتراضهم على «نهج المجلس». وتنص المبادئ الأساسية التي ستبنى عليها الدولة السورية الجديدة على أن «سوريا دولة مدنية ديمقراطية تعددية مستقلة وحرة، دولة ذات سيادة تحدد مستقبلها حسب إرادة الشعب السوري وحده». وأعلنت التزام الحكومة الانتقالية المؤقتة «التي تشكل فور سقوط النظام اللاشرعي الراهن بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تنبثق عنها جمعية تأسيسية تتولى صياغة مسودة دستور جديد، تتضمن المبادئ الواردة في هذا العهد، وتطرح على الشعب للاستفتاء الحر». وأكدت: «عدم التمييز بين أي من مكونات المجتمع السوري الدينية والمذهبية والقومية، من عرب وكرد وآشوريين سريان وتركمان وغيرهم، واعترافها بحقوقهم المتساوية ضمن وحدة سورية أرضا وشعبا». وأعلنت أن القوات المسلحة السورية «ستخضع للسلطة السياسية، ولن تستخدم بعد اليوم للتدخل في الحياة السياسية أو التدخل للمحافظة على مصالح النظام»، كما أعلنت النية في «إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس دستورية وقانونية لتكون في خدمة الوطن والمواطن تحت رقابة السلطة التشريعية»، مؤكدة عزم سوريا على تحرير (في النص المقترح كانت استعادة) الجولان المحتل بكل الوسائل المشروعة. وتدعم الشعب الفلسطيني في نضاله لاستعادة حقوقه.هذا، وقد وافقت كافة القوى المعترضة على البيان الختامي بعد اتفاق على تشكيل لجنة من كافة قوى المعارضة تعمل على إعداد مشروع لإعادة هيكلة المجلس الوطني في مدة لا تتجاوز 3 أسابيع، يتم خلالها الدعوة إلى مؤتمر موسع للمعارضة يعلن وحدتها.