أرشيف تلفزيوني مخز

موفق النويصر

TT

يبدو أن الإهمال واللامبالاة هما قدر الرياضة السعودية، فبعد الجدل القديم المتجدد الذي خلفه عدم توثيق البطولات المحلية التي حصدتها الأندية، وتسبب ذلك في دخول معظم الأندية في دوامة البحث عن بطولاتها وإضفاء الشرعية عليها، مرورا بعدم رصد المباريات الدولية التي خاضها النجوم السعوديون في المحافل الدولية، جاء الدور أخيرا على سوء حفظ وأرشفة المباريات التي نقلتها القنوات التلفزيونية الأرضية خلال الأربعين عاما الماضية.

ومن يشاهد البرامج والفقرات الرياضية المعتمدة على استحضار الماضي الكروي القديم، سواء التي تقدمها القنوات المحلية أو التجارية الأخرى، فسيفاجأ بحجم رداءة الصورة التي تظهر للمشاهد، وتحديدا للمباريات والبطولات التي سبقت نهائيات أمم آسيا 1984 بسنغافورة.

كذلك الحال بالنسبة لمتصفح الإنترنت والباحث عن قديم أو جديد الكرة السعودية على موقع «يوتيوب»، سيصدم بحجم الرداءة التي عليها تلك المقاطع المحفوظة بشكل عشوائي لبعض نجوم الكرة السعودية، مع غياب آلاف المباريات التي توثق تلك الحقبة، رغم التحسينات الكبيرة التي أدخلتها إدارة الموقع العالمي لرفع الأفلام المرئية عليها، من حيث المساحة والجودة.

شخصيا لا أعلم حجم المكتبة التي يضمها التلفزيون السعودي، ولكن في المرات التي جمعتني فيها الصدفة بمسؤولين عاملين في هذا الجهاز، رددوا على مسامعي أنهم يمتلكون مكتبة مرئية ضخمة تحوي آلاف الساعات المسجلة لمختلف البرامج والفعاليات، ولكن ما يعيبها أنها غير مفهرسة أو محفوظة بطريقة رقمية.

وبالتالي يكون استحضار تلك المواد وتقديمها للمشاهد بصورة لائقة، فيه الكثير من الصعوبات، مما يضطر القائمين على إعداد البرامج التلفزيونية إلى الاعتماد على ذات التسجيلات القديمة المكررة والرتيبة.

ولعل اللقطات التي صاحبت الحلقة التي قدمها الزميل مصطفى الآغا يوم الثلاثاء الماضي عبر قناة «إم بي سي» مع النجم السعودي ماجد عبد الله تؤكد ذلك، حيث غابت عن أعين المشاهدين الكثير من المباريات والأهداف التي يزخر بها تاريخ هذا النجم.

المحير في الأمر أن بديهيات العمل التلفزيوني، لأي محطة فضائية، تقتضي الاهتمام بأرشفة المواد التسجيلية وحفظها وفق أحدث وسائل الحفظ، كونها تمثل رأس المال الذي تستطيع أن تركن إليه متى ما اضطرت إلى ذلك، فقناة بلا أرشيف كأمة بلا تاريخ.

غير أن واقع الحال يقول بخلاف ذلك، فالعمل القائم حاليا يظهر عدم احترافية المشرفين عليه، إضافة إلى أن ما يقدمونه للمشاهد من مواد «رديئة»، تظهر مدى التقدير الذي يكنه هؤلاء المشرفون للمواد التي بين أيدهم.

الأكيد أن توثيق تاريخ الرياضة السعودية «مرئيا» للأجيال الجديدة أمر في غاية الأهمية، ويحتاج للكثير من الخطط الخلاقة البعيدة عن بيروقراطية المؤسسة الحكومية. تحتاج إلى جهاز يتخصص في حفظ وأرشفة المواد التسجيلية بطريقة رقمية، والعمل على استثمارها ماليا عبر تسويقها على المحطات الأرضية والفضائية المعنية بالشأن السعودي، مع تمكين المهتمين بالشأن الإلكتروني من التعامل معها، عبر الإنترنت ومجانا، شريطة أن لا يستفيدوا منها تجاريا. فهل سيأتي اليوم الذي يتحول فيها أرشيف التلفزيون السعودي من مخز إلى مجز؟.. أتمنى ذلك.

[email protected]