وفاة غامضة لبريطاني تعمق شكوك أزمة سياسية صامتة في الصين

لندن تطالب بتحقيق.. وأنباء عن علاقة الضحية بإقالة زعيم كبير في الحزب الشيوعي

TT

قبل أسبوع، لم يكن كثير من الصينيين قد سمع عن نيل هيوود، ولم يثر أحد أي تساؤلات عنه، عندما عثر على المستشار البريطاني في مجال الأعمال (41 عاما) مقتولا في الغرفة التي كان يقيم بها بأحد الفنادق. واليوم، يتمتع بشهرة مدوية، وبات يمثل موضوعا حساسا، إلى حد أن جهاز الرقابة على الإنترنت قام بحظر عمليات البحث عن اسم هيوود الصيني، هاي وو دي.

ذلك هو النهم الشديد من قبل عشرات ملايين الصينيين بالأخبار، بصرف النظر عن مدى عدم ارتباطها أو كونها تخمينية، بشأن الدراما السياسية الكبرى التي شهدتها الدولة خلال عقدين، والممثلة في أن هيوود قد شارك في «انقلاب عسكري»، ومجموعة مفردات بحث أخرى يحظر الحزب الشيوعي الحاكم الآن استخدامها في إطار سعيه لتخفيف موجة من الغضب الشعبي العارم.

عبر رسائل الإنترنت والتغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» والمقالات المنشورة في الصحف الصادرة باللغة الصينية في هونغ كونغ، لعبت وفاة هيوود في نوفمبر (تشرين الثاني) في مدينة تشونغتشينغ الضخمة الواقعة جنوب غربي الصين دورا في إشباع النهم الشديد بالأخبار الذي ظهر منذ 15 مارس (آذار)، عندما أعلنت وكالة الأنباء الرسمية في الصين، في عبارة واحدة، عن أن أحد نجوم السياسة البازغين، بو تشيلاي، قد فقد وظيفته كرئيس للحزب الشيوعي في مدينة تشونغتشينغ.

ربما لا يعرف سوى تسعة رجال فقط هم أعضاء اللجنة المركزية للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، السبب الحقيقي الذي قاد إلى سقوط بو المفاجئ. غير أن الشهرة المفاجئة لمواطن بريطاني مغمور سابقا توضح كيف أنه بات من الصعب بالنسبة للماكينة السياسية، المتأصل فيها مبدأ السرية التامة والقواعد الصارمة التي وضعها فلاديمير لينين قبل نحو قرن، للتعايش مع مزيج من الحقيقة والخيال كشفت عنه تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين.

وعلى الرغم من كونها شبه مختفية تماما عن الأنظار داخل مجمع قيادة تشونغتشينغ في بكين، فإن الدراما في مؤتمر القمة الذي عقده الحزب قبل تحول في القيادة يحدث مرة واحدة كل عشر سنوات تظهر كرياضة تمتع المشاهدين بدرجة هائلة.

والحزب لا يفتقد للوسائل الدفاعية. فثمة جهاز مراقبة ضخم يضيف مفردات جديدة يوميا إلى قائمة المواضيع المسكوت عنها. حتى إنه قد تم حظر استخدام كلمة «فيراري»، بعد وقوع حادث غامض في الطريق في بكين يوم 18 مارس، والذي يحتمل أن يكون قد تسبب في مقتل ابن مسؤول حزبي رفيع المستوى.

وحتى فصله من العمل، كان يعتقد أن بو، نجل أحد نبلاء الحقبة الثورية بالحزب، سيشغل مقعدا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب في الخريف. غير أن طموحات بو تحطمت على صخرة الواقع، عندما فر مساعده السابق، وانغ ليجون، القائد العام لشرطة تشونغتشينغ الذي كان قد تم فصله للتو في تلك الفترة، إلى القنصلية الأميركية في تشنغدو وظل لمدة 24 ساعة مختبئا داخلها. ويخضع وانغ، الذي تم نقله إلى بكين من قبل وكلاء الأمن الحكوميين لتحقيق رسمي، غير أن المسؤولين لم يدلوا بأي تعليق عن وضع بو على وجه التحديد، حتى إن مكانه غير معروف.

وقد ظهرت موجة من التكهنات، التي يدعمها بشكل جزئي تقارير من وسائل الإعلام الأجنبية تناقلتها مواقع الإنترنت الصينية، مفادها أن هيوود ربما يكون قد قتل على يد بو أو أسرته أو حاشيته. وصرحت الحكومة البريطانية هذا الأسبوع، مستشهدة بالتكهنات المتداولة، بأنها قد أصدرت أمرا رسميا للسلطات الصينية بإعادة فتح التحقيق في مقتل هيوود.

وبحسب رجال أعمال أجانب كانوا على صلة به، أعطى هيوود انطباعا بأنه كانت تربطه صلات وثيقة ببو وأسرته. وقال مستشار بريطاني متخصص في مجال التجارة والأعمال، التقى به في الصين: «كان شخصا كيسا. من الواضح أنه كان مقربا من الأسرة. ما أدهشني هو سبب اهتمامهم به». من المرجح أن يكون مجال التجارة وإدارة الأعمال قد لعب دورا، مع أنه لا يبدو أحد متأكدا مما قدمه هيوود للأسرة على هذا الصعيد.

والأمر المعروف هو أن عددا من مسؤولي الحزب الشيوعي رفيعي المستوى في تشونغتشينغ قد تم فصلهم في أعقاب فصل بو، ومن جانبها، بدأت السلطات في بكين في إدخال تغييرات على بعض مبادرات بو الأكثر إثارة للجدل تدريجيا، مشيرة إلى أن الزلزال السياسي الذي هز أرجاء المدينة التي يزيد تعداد سكانها على 30 مليون نسمة الواقعة على نهر يانغتسي لم ينته بعد.

وفي يوم الثلاثاء، أعلنت وسائل الإعلام في تشونغتشينغ عن فصل تشين كونغين، أحد أعضاء اللجنة الدائمة للحزب ببلدة تشونغتشينغ. وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة «أوبزرفر» الاقتصادية أن سكرتير الحزب في مقاطعة نان بتشونغتشينغ قد تم إقصاؤه من قبل سلطات اللجنة التأديبية. ونقلت مجلة التحقيقات «كايكسين» أن رئيس الأمن العام في مقاطعة يوبي في تشونغتشينغ خضع لتحقيقات بسبب منحه سيارة لوانغ، رئيس الشرطة صعب المراس. غير أنه تم لاحقا حذف ذلك المحتوى الإخباري من الموقع الإلكتروني لمجلة «كايكسين». وإضافة إلى ذلك، فقد كانت هناك تقارير غير مؤكدة، معظمها واردة من وكالات أنباء صينية بالخارج، مفادها أنه أجريت تحقيقات مع وو ون كانغ، نائب بو كسكرتير للحزب وصديقه المؤتمن لفترة طويلة.

وقد عكفت السلطات على تفكيك أجزاء من الحملة الثقافية «الشيوعية» المستلهمة من التيار الماوي التي قادها بو، والتي قد جعلت منه بطلا في أعين مجموعة صغيرة من «اليساريين الجدد» المخلصين في الصين. وأعلنت محطة «تشونغتشينغ» التلفزيونية الفضائية، التي كان بو قد أحالها إلى «محطة تلفزيونية لدعم الشيوعية»، هذا الأسبوع عن أنه سيتم إلغاء برنامجها اليومي «حفلة الأغنيات الشيوعية» من الفترة التي تشهد أعلى نسبة مشاهدة. وإضافة إلى ذلك، فإنه بداية من هذا الأسبوع، تم إلغاء خمسة «برامج سياسية» كان يتم بثها في فترة الإرسال التي تشهد أعلى نسبة مشاهدة، والتي كان بو قد أمر ببثها على الهواء مباشرة، والاستعاضة عنها ببرامج الألعاب والمواعدة والمسلسلات التلفزيونية القصيرة التي كان قد سبق وألغاها بو من قائمة فقرات المحطة العام الماضي.

وقد نقل عن رئيس قسم الدعاية بتشونغتشينغ، هي شيزهونغ، قوله لوسائل الإعلام الإخبارية المحلية، إن الحملات الغنائية لمجموعة بو سيتم أيضا «تغييرها وتحسينها»، وهو ما أوله السواد الأعظم من الناس على أنه يعني إلغاءها.

ويطالب محامون ونشطاء حقوقيون بإعادة النظر بشكل رسمي في جانب آخر مثير للجدل، وأكثر إزعاجا في فترة تقلد بو منصبه في تشونغتشينغ، ألا وهو حملته ضد عصابات الجريمة المنظمة المزعومة في المدينة، والتي ذكر نقاد، من بينهم هدف سابق فر هاربا إلى الخارج، أنها قادت إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، كما أصبحت ستارا يستغله مسؤولون على اتصال جيد ببعضهم في الاستيلاء على عقارات خاصة. وفي قضية حظيت بدعاية كبيرة، تم سجن محام بارز في بكين، لي تشوانغ، في «تشونغتشينغ» بعد دفاعه القانوني عن رئيس عصابة تم اتهامه أثناء الإجراءات القمعية.

وقال تشين يوتسي، محامي لي تشوانغ، إن حملة بو تعدت نطاق العصابات الإجرامية في تشونتشينغ، مستهدفة أفراد من عامة الشعب ورجال أعمال. وأضاف: «أكبر خطأ في حملة تشونغتشينغ هو أنها غالت في تقدير خطر عصابات المافيا ووقع ظلم على كثيرين بناء على تلك الذريعة»، مشيرا إلى أن التعذيب كان شائعا إبان الحملة».

ومثلما حدث بصدد حادثة وفاة هيوود، أعيد النظر مجددا في قضايا سابقة كان قد أغلق باب التحقيق فيها. وقال تشين: «تسببت الحملة في حالات خطأ كثيرة، يجب إصلاحها، لكن ذلك يعتمد على شجاعة القادة الحاليين وقدرتهم على معالجة أخطاء الماضي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»