النمسا تنضم لفرنسا في معارضة فوز ألمانيا برئاسة مجموعة اليورو

وصفه مراقبون أوروبيون بأنه بداية تشكيل تكتل معارض لتولي شخصية ألمانية منصب رئيس المجموعة

تدعم المستشارة الألمانية وزير ماليتها فولفغانغ شويبله لمنصب رئيس مجموعة اليورو (رويترز)
TT

قالت وزيرة المالية في النمسا، ماريا فيكتر: إن رئاسة مجموعة اليورو يجب أن يتولاها رئيس دولة أو رئيس حكومة في منطقة اليورو، الأمر الذي وصفه الكثير من المراقبين الأوروبيين في بروكسل، عاصمة التكتل الأوروبي الموحد، ببداية تشكيل تكتل معارض لتولي شخصية ألمانية لمنصب رئيس مجموعة اليورو خلفا لرئيسها الحالي جان كلود يونكر، رئيس وزراء لوكسمبورغ.

ويرى المراقبون أيضا أن فرنسا تخشى من حصول ألمانيا على المنصب، وبالتالي تزداد السيطرة الألمانية على المؤسسات الأوروبية، وهذا الأمر تعارضه باريس، خاصة أن البعض يعتبر المنافسة شديدة بين أكبر الاقتصادات الأوروبية (ألمانيا وفرنسا) على الزعامة الأوروبية.

يأتي ذلك بينما تعمل دول أوروبية في الوقت الحالي على الحصول على مساندة أكبر عدد من الدول الأعضاء لتولي القيادة في عدة مؤسسات ومناصب أوروبية رفيعة، منها رئاسة مجموعة اليورو وآلية الإنقاذ الأوروبية، وتعمل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على كسب تأييد الدول الأوروبية لترشيح وزير ماليتها فولفغانغ شويبله لمنصب رئيس مجموعة اليورو، خلفا لرئيس وزراء لوكسمبورغ الحالي الذي تنتهي مهمته في يونيو (حزيران) المقبل. وميركل تسعى لضمان التأييد اللازم لوزير ماليتها شويبله، 69 عاما، لكن البلد الوحيد الذي لا يمكن أن يتوقع أحد بموقفه هو فرنسا، التي ربما تسعى إلى العمل من أجل استمرار يونكر حتى نهاية 2014.

ومن المعتاد أن يتولى رئيس حكومة منصب رئيس مجموعة اليورو، وهو ما يحدث الآن بالفعل، وله الحق في الاحتفاظ بمنصبه في بلده ورئاسة مجموعة اليورو، وهناك شخصيات تتولى رئاسة الحكومة في الدول الأعضاء جرى ترشيحها للمنصب مثل رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي والفنلندي جيركي كاتاينن، وعلى هامش اجتماعات وزراء المال في منطقة اليورو التي انعقدت الجمعة والسبت الماضيين في كوبنهاغن، قالت وزيرة المالية النمساوية ماريا فيكتر: إن رئيس مجموعة اليورو يجب أن يكون رئيس دولة أو رئيس حكومة، مما يسهل عليه التحرك والاتصال بشكل مباشر بقيادات أخرى في منطقة اليورو، ورفضت الوزيرة اعتبار ذلك التصريح بمثابة معارضة للمرشح الألماني، وأضافت أن بلادها لم ترشح أحدا للمنصب الذي يتولاه يونكر منذ 2005.

يُذكر أنه خلال الشهور المقبلة من المفترض أن تختار دول الاتحاد الأوروبي شخصيات في مناصب عدة، ومنها عضوية المجلس الحاكم في المصرف المركزي الأوروبي، ورئيس بنك التنمية الأوروبي، ورئيس آلية الإنقاذ الأوروبية الدائمة، وربما يكون الألماني كلاوس ريغلينغ هو الأوفر حظا للمنصب الأخير؛ لأنه يتولى حاليا رئاسة آلية الإنقاذ المؤقتة، لكن في حال اختيار شويبله لرئاسة مجموعة اليورو ستضحي ألمانيا برئاسة آلية الإنقاذ أو صندوق الإنقاذ الدائم.

ومرشح لها الآن شخصية فرنسية، هو إكسافير موسكات، أحد مستشاري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

واختتمت، السبت، اجتماعات وزراء المال في منطقة اليورو التي انعقدت في كوبنهاغن؛ حيث الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، وعقب الاتفاق على زيادة سقف جدار الحماية المالية لإنقاذ الدول المتعثرة، لا صوت يعلو الآن في منطقة اليورو فوق صوت الأوضاع في إسبانيا، والخطوات الحكومية للتقشف ومواجهة عجز الموازنة، خاصة بعد أن أقرت الحكومة الإسبانية، الجمعة، مشروع ميزانية 2012، التي تنص على تأمين 27 مليار يورو من المدخرات والإيرادات الجديدة، من خلال تجميد رواتب الموظفين المدنيين وميزانيات الإدارات التي انخفضت بمتوسط 16.9%.

وأكدت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية، ثريا ساينز دي سانتا ماريا، بعد اجتماع مجلس الوزراء، تعهد إسبانيا بخفض العجز في نهاية عام 2012.

والخطوط العريضة لخطة رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، ترتكز على رفع الضريبة على دخل الأفراد بأكثر من 4% وعلى الشركات بأكثر من 17%، إضافة لتفاصيل أخرى تمكن الحكومة من الوصول إلى عجز في نهاية العام بنسبة 5.3% بدلا من 8.5%. معظم المحللين يؤكدون ضرورة تأمين إسبانيا لنحو 50 مليار يورو، مع الأخذ في الاعتبار الركود الاقتصادي، الذي ينبغي أن يقلل الناتج المحلي الإجمالي الإسباني بنسبة 1.7% هذا العام.

وأكدت نائبة رئيس الحكومة، سوريا رودريغيز ساينز دي سانتا ماريا، أن هذا الاستقطاع، الذي يعتبر الأكبر في التاريخ الديمقراطي لإسبانيا، تم إقراره لمواجهة «الوضع الحرج» الذي تمر به إسبانيا. وتشمل الموازنة خفض 16.9% من نفقات الوزارات، تتقدمها حقيبة الخارجية والتعاون بنسبة 54.4% وتليها البنية التحتية (34.6%) والصناعة والطاقة السياحة (3.9%) والزراعة والأغذية والبيئة (31.2%). وتأتي بعد ذلك وزارات الصحة (16.9%) والخدمات الاجتماعية والمساواة (13.7%) والدفاع (8.8%) والعمل والتأمين الاجتماعي (7.4%)، والعدل (6.3%) والتعليم (21.2%). ويطالب الاتحاد الأوروبي إسبانيا بخفض العجز العام هذا العام إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بهدف تقليصه في 2013 إلى 3%.

كانت إسبانيا قد واجهت انتقادات من جانب مسؤولين أوروبيين بشأن وضعها الاقتصادي، وكادت التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإيطالي كارلو مونتي في هذا الشأن، التي قال فيها: «إن إسبانيا تثير قلقا شديدا لأوروبا لأن وضعها الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى عدوى يمكن أن تمتد في القارة»، تتسبب في أزمة دبلوماسية بين روما ومدريد. وأعرب وزير المالية السويدي أندريه بورغ عن دعمه للموازنة الجديدة التي أعلنتها الحكومة الإسبانية لعام 2012، وقال إنها «جيدة للغاية» لأوروبا؛ لأنها ستساعد على خفض الشكوك المثارة حول الأزمة المالية. وأوضح بورغ، قبيل مشاركته في اليوم الثاني والأخير من الاجتماعات غير الرسمية لوزراء المالية بالاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، أن «الحكومة الإسبانية قامت بخطوة جيدة للغاية بالنسبة لأوروبا بأسرها؛ لأنه إذا تزايدت الشكوك، واعتقد الناس أن إسبانيا لا تسير في الاتجاه الصحيح، فإن ذلك يمكن أن يعود بنا لما كنا عليه قبل شهرين».

من جانبه، أعرب وزير المالية الفرنسي، فرانسوا باروان، عن ثقة بلاده في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسبانية، برئاسة ماريانو راخوي، من أجل خفض العجز إلى 3% بحلول عام 2013. وفي أعقاب مشاركته في اليوم الثاني من الاجتماعات في كوبنهاغن، قال باروان: «لدينا ثقة في الحكومة الإسبانية؛ فلديها إرادة حقيقية للوفاء بالأهداف المطلوبة، وفي مقدمتها الوصول بالعجز إلى 3%». وأوضح الوزير الفرنسي أن نظيره الإسباني لويس دي جيندوس قد قدم، الجمعة، لوزراء المالية الأوروبيين الخطوط العريضة للموازنة الجديدة لإسبانيا، بـ«قدر كبير من الإقناع». وتابع: «إنه واجب صعب، لكنه إجباري، ليس لإسبانيا فحسب ولكن بالنسبة لجميع دول الاتحاد»، مشددا على ضرورة تطبيق جميع الاتفاقات التي من شأنها إعادة الاستقرار للأسواق. وأشار المسؤول الفرنسي إلى أنه كان قد طالب حكومة مدريد بخفض نسبة العجز للعام الحالي 2012 من 5.8% إلى 5.3%، وهو ما تضمنته بالفعل الموازنة الجديدة التي كشفت عنها الحكومة الإسبانية. كانت الحكومة الإسبانية قد أقرت، الجمعة، خطة الموازنة العامة للدولة لعام 2012 التي تتضمن استقطاعات بـ27 مليارا و300 مليون يورو بهدف خفض العجز من 8.51% إلى 5.3% وفقا لمطالب الاتحاد الأوروبي.

من جهتها، أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن تفاؤلها بقدرة الحكومة الإسبانية على خفض العجز في موازنتها، وبالتالي تجنب انتقال عدوى أزمة الديون إليها. وقالت ميركل للصحافيين: «أنا متفائلة بقدرة جميع حكومات دول منطقة اليورو على القيام بواجباتها». وأشادت بالوعود التي قدمتها حكومة مدريد الجديدة بقيادة المحافظ ماريانو راخوي، لا سيما وعدها الخاص بخفض العجز في موازنة الدولة الإسبانية تحت معدل 3%، وذلك بحلول عام 2013 «لكنها ما زالت تحاول حل مشكلة العجز الكبير الذي ورثته من الحكومة السابقة».

وعلى الرغم من ذلك، أعلنت المستشارة الألمانية أن الطريق نحو الخروج من أزمة الديون الأوروبية لا يزال طويلا، قائلة: «يجب على حكومات جميع الدول القيام بخطوة وراء خطوة من أجل جعل اقتصاداتها أكثر قدرة على المنافسة.. الطريق نحو هذا الهدف ليس سهلا، لكنني آمل في قدرتنا على حل المشاكل التي تراكمت في العقود الماضية». وعن أزمة الديون في اليونان، قالت المستشارة المحافظة إن حكومة أثينا تحتاج إلى اتخاذ إجراءات قاسية من أجل التمكن من الخروج من أزمة الديون، قائلة في الوقت ذاته: «اليونان اتخذت إجراءات تقشفية كثيرة، الأمر الذي يوفر لها فرصة من أجل التغلب على أزمة ديونها».

يُذكر أن المستشارة الألمانية كررت في مناسبات عدة اعتقاد حكومة بلادها بقدرة الحكومة اليونانية على تخطي أزمة الديون، وبالتالي البقاء في منطقة اليورو. ويُذكر أنه في ختام مفاوضات شاقة في كوبنهاغن، اتفق وزراء مالية منطقة اليورو على تعزيز موارد صندوق الإنقاذ المالي لتصل إلى 800 مليار يورو، والهدف من ذلك منع تكرار أزمة الديون الأوروبية. دول منطقة اليورو كانت قد واجهت ضغوطا شديدة من صندوق النقد الدولي، جعلت من رفع مبلغ الإنقاذ شرطا لأي قرار بزيادة دعمه لها.

«أعتقد أن قرار اليوم سيسمح لصندوق النقد الدولي بزيادة موارده في الاجتماعات المقبلة التي ستعقد في منتصف أبريل (نيسان)»، ذلك ما يأمله أولي رين، المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية. ومبلغ الـ800 مليار يورو المتفق عليه يشمل في الواقع 300 مليار يورو، موجهة لمساعدة 3 دول تعاني أزمات مالية، هي: اليونان والبرتغال وآيرلندا. وزير المالية الألماني أصر، من ناحيته، على موقف بلاده الداعي إلى دعم الاستثمار في الاتحاد الأوروبي كحل للأزمة؛ إذ يقول: «أسواق المال تريد أن تعرف ما إذا كانت أوروبا قادرة على تطوير آليات التوازن المالي، وعلى استثمار رأس المال في منطقة اليورو على المدى الطويل. ونحن نعمل على تحقيق هذه الأهداف». ويرى البعض من المراقبين أنه بعد طول انتظار لاجتماع وزراء مالية منطقة اليورو في الدنمارك، قام الوزراء بالخطوة التي كانت متوقعة جدا في الأسواق، وذلك برفع سقف صناديق الإنقاذ المالية الأوروبية عن طريق الدمج المؤقت منها مع الدائم لتوفير سيولة فعالة أكبر تهدف إلى الحد من انتشار أزمة الديون الأوروبية والاستعداد لتقديم أي مساعدة فورية للدول المتعثرة التي من المتوقَّع أن تطالب بالمساعدات خلال فترة وجيزة أبرزها إسبانيا.