دول «بريكس» توافق على التجارة بعملاتها المحلية وإنشاء بنك للتنمية

في محاولة لإظهار قوتها الاقتصادية وتحررها من النفوذ المالي الغربي

TT

في محاولة لإظهار قوتها الاقتصادية وتحررها من النفوذ المالي الغربي، وافق تكتل دول «بريكس» الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) على التجارة بعملاتها المحلية وإنشاء بنك للتنمية (تشكل الدول الأعضاء 43 في المائة من عدد سكان العالم و18 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي).

ووقع قادة الدول الخمس (الاقتصادات الناشئة الخمسة) رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، ورئيسة البرازيل ديلما روسيف، والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، والرئيس الصيني هو جينتاو، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، في ختام قمة دلهي التي عقدت مؤخرا، اتفاقا كبيرا ومهمّا حول مد التسهيلات الائتمانية بالعملة المحلية واتفاقية تسهيل خطاب الائتمان المتعدد الأطراف. وإلى جانب الهدف المعلن من الاتفاقية والمتمثل في تعزيز التجارة بين دول المجموعة عبر خفض تكلفة التحويلات، اعتبرت الخطوة تقدما باتجاه استبدال الدولار بوصفه عملة رئيسية للتجارة. وما إن يتم تنفذ هذه الترتيبات على الأرض، سيتمكن المشتري الهندي عبر التمويلات التي ستضخ عبر خمسة مصارف محددة، من تسديد ديونه للمورد الصيني باليوان بدلا من تحويل الروبية إلى الدولار ثم إعادة تحويلها إلى العملة الصينية والعكس بالعكس.

وفي أعقاب الانتقادات التي وجهتها دول «بريكس» للغرب بالتراخي في السياسة المالية والتسبب في اضطراب الأسواق المالية العالمية، كشفت المجموعة عن خطط لإنشاء بنك مختص بدول «بريكس» يسير على خطى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في تمويل المشروعات في هذه الدول، إضافة إلى الدول النامية الأخرى، وحثت الدول الغربية الأخرى على التنازل عن حصة تصويت أكبر في صندوق النقد الدولي هذه العام.

وسوف يعزز مقترح إنشاء مصرف «بريكس» للتنمية من مكانة «بريكس» بوصفه لاعبا قويا في صنع القرار العالمي وتقديم فرصة فريدة للاستثمار غير المباشر للاحتياطات الأجنبية للبنوك المركزية داخل هذه الدول. وسوف يصدر البنك دينا قابلا للتحويل ويمكن شراؤه من قبل المصارف المركزية في كل دول «بريكس». وستحظى كل دول «بريكس» بأوعية استثمارية لتقاسم المخاطر. ويعتبر مقترح إنشاء بنك «بريكس» علامة على الاستقلالية وتأكيد الذات أو الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات الناشئة، ومحاولة للتخلص من الهيمنة الغربية على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ويعلق الاقتصاديون بأن الهند والصين وربما روسيا قد تحاول إظهار قوتها وأن تظهر للغرب أنها قادرة على الاستغناء عنه، علاوة على ذلك، أنهم بحاجة إلى الحرية من التأثير المالي الغربي.

وفي أعقاب انتهاء القمة، قال رئيس الوزراء الهندي: «بنك التنمية لجميع دول (بريكس) سيعزز التجارة بيننا عبر توفير الائتمان بالعملة المحلية. وقد وقعت اتفاقية تسهيل تأكيد خطابات تأكيد الاعتماد متعددة الأطراف بين المصارف الخمسة المشاركة؛ بنك التنمية الاقتصادية والاجتماعية البرازيلي، وبنك مؤسسة الدولة للتنمية والشؤون الاقتصادية الخارجية الروسي، وبنك الواردات والصادرات الهندي، ومؤسسة بنك التنمية الصيني، وبنك التنمية الجنوب أفريقي».

وأضاف: «لقد وافقنا على مراجعة - بتفاصيل أكبر - مقترح إنشاء بنك تنمية الجنوب - الجنوب الذي تقوده (بريكس)، ويتم تمويله وإدارته من مقبل دول (بريكس) والدول النامية الأخرى، وقد وجهت دول (بريكس) وزراء ماليتها لإنشاء مجموعة عمل مشتركة لتقوم بعمل تحليل عميق للمقترح».

وأكد إعلان دلهي المشترك الذي صدر في أعقاب اللقاء، على مخاوف دول «بريكس» من «بطء وتيرة الإصلاح في صندوق النقد الدولي» واتفق القادة على إعطاء زخم أكبر في صورة حقوق تصويت أكبر للدول النامية. وأوضح قادة الدول الخمس أن عملية اختيار المرشحين للمناصب العليا في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يجب أن تكون مفتوحة ويكون الاختيار على أساس الكفاءة.

ويتوقع أن يزداد حجم التجارة الخارجية بين دول «بريكس»، التي زادت بنسبة 28 في المائة خلال السنوات القليلة الماضية. لكن حجم التجارة الذي يصل إلى 230 مليار دولار يجعلها لا تزال أدنى بكثير من القوى الاقتصادية الخمس. وقد حددت «بريكس» الوصول بحجم هذه التجارة إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2015.

لكن تحت مظلة الصداقة الحميمة والإصرار على انتهاج مسار مختلف، لا يخلو الأمر من وجود خلافات جدية. فعلى صعيد الجبهة الاقتصادية، سيكون هناك صراع بين الهند والصين، فيما ستحاول فيه روسيا الدفع بأجندتها السياسية، خاصة في ما يتعلق بإيران وسوريا حيث تدعم دول (بريكس) وجهة النظر الروسية. في الوقت ذاته لن تبدي الصين حماسة تجاه المقترح المقدم من الهند والبرازيل لإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على الرغم من الدعم الروسي.

وعلى الرغم من تحميل البيان المشترك لدول «بريكس» أزمة منطقة اليورو لحالة الاقتصاد العالمي، رأى المسؤولون الهنود هذه وسيلة للهروب من انتقاد الصين بالتلاعب بعملتها التي تؤدي أيضا إلى كثير من اللبس.

وفي شأن انتخاب رئيس البنك الدولي المقبل، لم تتوصل الدول الخمس إلى إجماع على مرشح يمكن أن يكون بديلا للمرشح الكوري - الأميركي الذي اختارته الولايات المتحدة.

من ناحية أخرى، أثيرت تساؤلات بشأن وحدة أعضاء المجموعة حول القضايا الرئيسية بالنظر إلى الأولويات المختلفة لأعضائها مثل الاحترار العالمي والتجارة. حيث تبدي الهند رغبة في الوصول إلى التمويل والتكنولوجيا قبل أن تقطع وعودا ملزمة بخفض الانبعاث الحراري. أما الصين، فلا تلقي بالا كبيرا للمال أو التكنولوجيا، والبرازيل مع الصين تبرزان بوصفهما مستورديْن للمواد الخام.

وكتب براهما كيلاني، من مركز أبحاث السياسة في نيودلهي: «تمثل فكرة (بريكس)، قبل كل شيء، رغبة كل أعضائها في جعل النظام العالمي أكثر شمولية، لكن من غير المؤكد ما إذا كان أعضاء المجموعة سيتطورون إلى مجموعة متماسكة ملتزمة بأهداف محددة وآليات مؤسسية».

وقد أضافت اقتصادات «بريكس» الخمسة الناشئة إشارة سياسية قوية إلى الأجندة الاقتصادية في قمة دلهي، حيث اتخذت موقفا موحدا ضد السياسات الغربية بشأن إيران وسوريا. وحذرت المجموعة من التدخل العسكري من قبل الغرب لإنهاء الاضطرابات في سوريا، أو قيام إسرائيل بعمل عسكري لإنهاء النزاع حول البرنامج النووي الإيراني.

وقال المشاركون بشأن إيران: «نحن نؤيد حق إيران في امتلاك الاستخدامات الآمنة للطاقة النووية بالاتساق مع الالتزامات الدولية ودعم قرارات هذه القضايا المتعلقة عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية والحوار بين الأطراف المعنية، بما في ذلك بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران ووفق أحكام وقرارات مجلس الأمن».

كما أيدت دول «بريكس» أفغانستان قائلة إنها بحاجة إلى الوقت ومساعدات التنمية والتعاون والوصول التفضيلي إلى الأسواق العالمية والاستثمار الأجنبي واستراتيجية أهداف واضحة. وتم توجيه انتقادات لسياسات إسرائيل الاستيطانية، لكن «بريكس» أيدت المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين. وكانت القضية الرئيسية رفض النهج الذي تبنته الدول الغربية دون الدخول في التفاصيل.