الأغنياء يستعدون للرحيل من أفغانستان.. مع القوات الأجنبية

رجال أعمال ينقلون مشاريعهم للخارج.. والمصرف الغربي الوحيد في البلاد يعتزم المغادرة

أفغاني يعمل في «سوق تحويل العملة» بكابل («نيويورك تايمز»)
TT

تبدو الولايات المتحدة في عملية بحث عن خطة لمغادرة أفغانستان، لكن عبد الوصي مناني، تمكن من رسم خطته بالمغادرة. فقد أمضى هذا الجزار الأفغاني السنوات السبع الماضية في شحن ماشيته عبر الحدود الباكستانية وإنشاء مشروع تجاري مزدهر لنفسه ولأسرته، بتقديم أفضل شطائر البرغر في كابل للسفارات والمغتربين في حفلات الشواء التي يقيمونها.

غير أنه في هذا الشهر، طار مناني، 38 عاما، إلى الهند لمدة 14 يوما من أجل إنشاء مشروع جديد وبناء منزل استعدادا لمغادرة أفغانستان وكل شيء بذل جهدا من أجل إنشائه هنا، فقط في حالة ما إذا خرجت الأمور عن مسارها مع مغادرة معظم القوات الأميركية والقوات الأجنبية الأخرى البلاد في عام 2014. وقال مناني: «إذا أتت حركة طالبان مثل المرة الماضية، مصدرة أوامرها للناس بالضرب بالسياط، فلن أتحمل البقاء هنا. علي أن أغادر هذا البلد حفاظا على سلامة أسرتي».

ويشارك كثير من الأفغان مناني مخاوفه. وترسم المقابلات مع أصحاب شركات ومحللين واقتصاديين صورة للقلق المتزايد في مجتمعات الأعمال المحلية والدولية على حد سواء هنا في أفغانستان في ظل تدهور العلاقات الأفغانية - الأميركية، وبدء انسحاب القوات الغربية.

وفي هذا المناخ، ثمة كثير من المؤشرات المقلقة. فقد تقدم عدد يربو على 30400 أفغاني بطلبات للحصول على حق اللجوء السياسي في دول صناعية في عام 2011، مسجلا أعلى مستوى خلال 10 سنوات وبواقع أربعة أمثال عدد من تقدموا بطلبات لجوء سياسي في عام 2005، وفقا لأرقام مؤقتة من الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، انخفض عدد الأفغان الموجودين خارج بلدهم سعيا للعودة، ليصل إلى 68000 أفغاني العام الماضي، بعد أن بلغ 110000 في عام 2010، وبانخفاض كبير عن عدد النازحين الأفغان الذي بلغ 1,8 مليون أفغاني في عام 2002، العام التالي للإطاحة بطالبان من السلطة.

وصرح المصرف الغربي الوحيد الذي يعمل بأفغانستان يوم الأربعاء الماضي أنه يعتزم المغادرة. وفي العام الماضي، تم تهريب أموال تعادل ربع الناتج الاقتصادي السنوي لأفغانستان فعليا خارجها. وقل عدد الشركات الأجنبية الساعية لإتمام صفقات داخل أفغانستان، كما بدأت الشركات التي تعمل بالأساس داخل أفغانستان في تقليل العمالة وتأجيل تنفيذ استثمارات جديدة. وهناك رجال أعمال مثل مناني بدأوا بالفعل في تنفيذ خطة بديلة للحياة والعمل خارج أفغانستان.

ويعي كبار المسؤولين الأفغان هذا الأمر جيدا، مما يجعلهم في حالة من الانزعاج والغضب. وتحدث الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في مؤتمر صحافي هذا الشهر قائلا: «أسمع أحيانا أن بعض رجال الأعمال يغادرون البلاد وينقلون أعمالهم للخارج. اللعنة على رجال الأعمال الذين كونوا ثروات طائلة هنا في أفغانستان ويستعدون للرحيل الآن مع مغادرة القوات الأميركية البلاد. يمكنهم الرحيل الآن، فلسنا بحاجة إليهم».

وبالنظر إلى أهمية محاولة تعزيز الاستقلال الاقتصادي في إطار الخطة الشاملة لأفغانستان، فإن ردود الأفعال المذبذبة والاستثمار المتدني والتعيينات تقف عائقا أمام احتمال ازدهار هذا البلد الفقير الذي لا يزال على أعتاب الحداثة. وتعرب شركات كبرى عن مخاوفها من الوضع الأمني. وتتمثل واحدة من أبرز تلك الشركات في «ستاندرد تشارترد» المصرف الغربي الكبير الوحيد الذي له فرع في أفغانستان، والذي صرح مسؤوله يوم الأربعاء أنهم سيحولون عملياتهم إلى مصرف أفغاني محلي وسيرحلون عن أفغانستان بسبب تدهور الأوضاع بالأساس.

وذكر محمد قربان حقيو، الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة الأفغانية، أن رئيس واحدة من أكبر شركات الهواتف الجوالة في أفغانستان أبلغه أنه يخطط لسحب استثماراته من الدولة بعد عام 2014. وقال حقيو: «ما زال أمامنا عامان قبل أن نرحل، لكننا نسمع من الشركات التي تتعامل معنا أن الجميع يلوح بذلك الاحتمال».

وحتى تلك الشركات التي تحاول البقاء، وعلى وجه الخصوص الشركات الأجنبية، أصبحت على درجة شديدة من التحفظ. وبحسب وكالة دعم الاستثمار الأفغانية، فإن نفقات رأس المال التي تكبدتها الشركات الأجنبية المسجلة حديثا في العام الماضي، والمقدرة بقيمة 55 مليون دولار، سجلت أقل معدل خلال سبع سنوات على الأقل، وتقدر بنحو ثمن المعدل الذي بلغ ذروته في عام 2006. وبحسب مسعودة سلطان، سيدة الأعمال الأميركية ذات الأصل الأفغاني التي نشأت في كوينز بنيويورك، فإن الحذر يتجلى في الشركات التي تقلل من حجم قوتها العاملة، على سبيل المثال، أو تقوم بتأجيل استثمارات جديدة. وقالت: «من بين الأشخاص الذين أعرفهم، ثمة تخطيط يجري مجراه فيما يتعلق بقرارات الاستثمار». وأضافت: «إنهم لم يحزموا حقائبهم بعد، لكنهم يتطلعون إلى تنويع استثماراتهم بالخارج وفي قطاعات عمل داخل أفغانستان».

وتحاول بعض الشركات التي تعتمد بشكل مكثف على الجيش وعلى اقتصاد المعونات، مثل شركات البناء واللوجيستيات، البقاء بالاتجاه إلى قطاعات محدودة يستشعر محللون أن أفغانستان ربما تمتلك إمكانات نمو بها، مثل التعدين أو التجارة.

إلا أن شركات أخرى غاضبة من أن القطاع الخاص الغامض في أفغانستان لن يكفي لملء الفجوة التي خلفها الجيش الأميركي ونفقات التطوير. وتؤكد أرقام البنك الدولي تلك المخاوف، إذ يقدر البنك أن قيمة المعونة الخارجية تكافئ أكثر من 90 في المائة من إجمالي النشاط الاقتصادي بالدولة، ويتوقع تباطؤا في النمو خلال السنوات المقبلة لتصل نسبة النمو إلى 5 أو 6 في المائة، هبوطا من 9 في المائة، أو مسجلة نسبة أقل في حالة تدهور الوضع الأمني.

ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أنه على الرغم من المليارات التي تنفق على إعادة الإعمار والمساعدات المالية التي يتم ضخها في أفغانستان، فإنها ما زالت تفتقر إلى قاعدة تصنيع أو تكنولوجيا رئيسية يمكنها أن تشكل دافعا لازدهارها في المستقبل. ويتم التباهي بمصنع جديد لتعبئة زجاجات البيبسي يقع على أطراف كابل بوصفه أحد الانتصارات الاستثمارية الجديدة المحدودة.

في كل أسبوع، تحزم عشرات الملايين من الدولارات (بعضها يعتقد أنها معونة أميركية محولة أو أموال مخدرات) في حقائب سفر أو صناديق ويتم شحنها على متن طائرات تقلع من مطار كابل الدولي متجهة إلى مناطق مثل دبي، في إطار هجرات رؤوس الأموال التي تزداد بشكل مطرد قبل الموعد النهائي المقرر أن يكون في عام 2014، بحسب مسؤولين.

فرض نور الله ديلاواري، محافظ البنك المركزي، مؤخرا قيودا تضع حدا لكمّ الأموال التي يمكن للمسافر تهريبها خارج الدولة، بحيث لا تتجاوز 20000 دولار في الرحلة الواحدة.

لكن حجم الأموال المهربة المعلن عنها رسميا - الذي بلغ نحو 4,6 مليار دولار العام الماضي، نفس حجم الميزانية السنوية للحكومة الأفغانية - ربما يكافئها حجم الأموال التي يتم تهريبها عبر مطارات أخرى وعبر الحدود، أو تمريرها عبر السوق السوداء، بحسب مسؤول أفغاني، تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته. وقال المسؤول: «نحن لا نعلم على وجه التحديد حجم الأموال التي يتم ترحيلها».

لا يزال مسؤولو الأمن يبذلون قصارى جهدهم من أجل التحقق من أن من يمرون عبر صالة كبار الزوار بمطار كابل يمررون حقائبهم عبر أجهزة الفحص بأشعة إكس، التي تم تركيبها منذ بضع سنوات لمنع المسافرين من تهريب أموال بشكل غير مشروع، حسبما أفاد به المسؤول.

* خدمة «نيويورك تايمز»