سو تشي.. من الإقامة الجبرية إلى البرلمان في ميانمار

رمز الديمقراطية في ميانمار تحقق فوزا تاريخيا.. والحكم يستغلها لتخفيف عزلته

أنصار حزب سو تشي يهتفون ويحملون صورة لها في رانغون أمس (رويترز)
TT

مثلما كان متوقعا، أفادت النتائج الأولية، بأن زعيمة المعارضة في ميانمار (بورما سابقا)، أونغ سان سو تشي، حققت فوزا في الانتخابات التشريعية الفرعية التي نظمت أمس، مما يسمح لها بدخول البرلمان بعد 15 سنة قضتها تحت الإقامة الجبرية في منزلها.

وأظهرت النتائج الأولية أن سو تشي فازت في 112 مركزا انتخابيا من بين المراكز الـ129، الموجودة في منطقة كاومو، التي ترشحت فيها لمقعد نيابي. وأفادت النتائج أيضا بأن حزب سو تشي «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، فاز بأكثر من 30 من إجمالي 45 مقعدا جرى التنافس عليها في الانتخابات، وذلك بعد تأجيل الاقتراع في ثلاث دوائر انتخابية في ولاية كاتشين بسبب مخاوف أمنية. وتشمل الانتخابات 45 مقعدا تنافس الرابطة الوطنية للديمقراطية التي تتزعمها سو تشي للفوز بـ44 منها، وهي تتوزع على البرلمان ومجلس الشيوخ وعلى مقعدين محليين.

وكانت وسائل الإعلام الأجنبية وأجهزة الأمن المحلية قد غزت منذ مساء أول من أمس، مركز كاومو الريفي الذي يبعد ساعتين عن رانغون، حيث ترشحت حائزة جائزة نوبل للسلام.

وتسعى الحكومة التي تولت السلطة قبل سنة وتضم عسكريين إصلاحيين سابقين إلى إثبات صدق إصلاحاتها، أملا في إلغاء العقوبات الغربية التي تخنق اقتصاد البلاد. وبعد عملية انتقالية خلت من العنف وتحت إشراف الجيش، عرض هذا الفريق الجديد على سو تشي الانضمام إلى السياسيين الناشطين على الساحة في البلاد. ويرى محللون أن الحكومة نفسها مهتمة بفوز المعارضة في الانتخابات، أملا في أن تخفف هذه الخطوة العزلة الدولية عن الحكم.

وعبرت أونغ سان سو تشي يوم الجمعة الماضي عن أسفها، لأن الانتخابات ليست ديمقراطية حقا، مشيرة إلى الكثير من المخالفات خلال الحملة الانتخابية، لكنها دعت إلى المشاركة في الاقتراع لتغيير الأمور في الداخل. وقالت: «إننا مصممون على المضي قدما لأن هذا ما يريده شعبنا، ولسنا آسفين إطلاقا للمشاركة» في الانتخابات. وأضافت: «عندما نصبح في البرلمان يمكننا العمل على إحلال ديمقراطية حقيقية».

وتحدثت الرابطة الوطنية للديمقراطية، يوم أمس، عن مخالفات في عدد من مراكز الاقتراع تتعلق خصوصا ببطاقات التصويت في الانتخابات الجزئية الأساسية لعملية الإصلاح. وقالت نيان وين، الناطقة باسم الرابطة الوطنية الديمقراطية، إن «الأمر يحصل في جميع أنحاء البلاد واللجنة الانتخابية مسؤولة عما يحدث»، موضحا أنه سيتم التقدم بشكوى في هذا الشأن. وأضاف أن «الشكوى الرئيسية تتعلق بالشمع على البطاقات قرب اسم مرشح الرابطة»، ملمحا بذلك إلى أن الشمع يمكن إزالته بعد ذلك وإلغاء التصويت. وقال: «إذا استمر ذلك فسيضر بمكانة هذه الانتخابات».

من جهته، أكد مسؤول كبير في رابطة جنوب شرقي آسيا التي أرسلت مراقبين إلى الاقتراع وتدعم بقوة الحكومة الحالية في ميانمار، أن سير الانتخابات إيجابي جدا. وقال سورين بيتسوان، أمين عام الرابطة في بنوم بنه، إن «الانتخابات تجري بشكل جيد على ما يبدو. أنا على اتصال وثيق مع الفرق وهي تتحدث عن حماس واهتمام ووعي كامل لدى كل الأطراف»، مشيرا إلى أن الأمر «يبشر بالخير» لميانمار.

ووصلت سو تشي التي اضطرت قبل أيام لتعليق حملتها الانتخابية بسبب مشكلات صحية، إلى كاومو، حيث استقبلها حشد كبير بحرارة. وقال نيان وين: «علينا أن ننتظر لنرى كيف ستسير الأمور»، مضيفة أن سو تشي «في حالة جيدة. أنها متعبة لكن لا داعي للقلق».

وبعد سنوات من إخفاء دعمهم لسيدة تحولت إلى رمز للمعارضة في وجه المجموعة العسكرية الحاكمة، عبر مؤيدو سو تشي عن موقفهم بشكل واضح. وأصبحت أغنية «عادت أمنا»، من أشهر أناشيد الحملة الانتخابية. وفي الشوارع بدا الناس سعداء لتمكنهم من التعبير عن مشاعرهم الحقيقية.

وكانت المعارضة في ميانمار فازت في انتخابات 1990، لكن من دون أن يعترف المجلس العسكري الحاكم آنذاك بالنتائج. وكانت أونغ سان سو تشي لا تزال قيد الإقامة الجبرية بعد عشرين عاما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 حين جرت الانتخابات التشريعية التي قاطعتها الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، ووصفها الغرب بالمهزلة. وقال الموفد الخاص للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في ميانمار، توماس أوخيا كوينتانا، إن «العملية الانتخابية في 2010 شكلت فرصة ضائعة، وهذا الأمر يجب ألا يتكرر في بورما التي تشهد مرحلة جديدة أكثر انفتاحا».

ومنذ ذلك الحين، قام المجلس العسكري الذي حكم البلاد لمدة عقود بحل نفسه في مارس (آذار) 2011، ونقل السلطات إلى حكومة وصفها بأنها «مدنية»، لكن لا يزال يسيطر عليها عسكريون سابقون. وهذا الفريق الجديد الذي يرأسه الرئيس والجنرال السابق، ثان سين، كثف من الإصلاحات، ودعا خصوصا أونغ سان سو تشي إلى العودة للعمل السياسي على أمل إضفاء المزيد من الشرعية على الإصلاحات التي يقوم بها، والتوصل إلى رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن بلاده.

ويأمل حزب أونغ سا شو تشي الفوز في عدد كبير من الدوائر الـ44 التي ترشح فيها. لكن إذا كان فوز زعيمته قد تأكد، عبر النتائج الأولية، بالنظر إلى شخصيتها وتجربتها الطويلة، فإن مرشحيه الآخرين واجهوا قادة يتمتعون بحضور قوي محليا، وخصوصا في المناطق الواقعة على حدود البلاد. وعموما، لا يبدو أن هذه النتائج الفرعية قد تؤدي إلى تغيير ميزان القوى الذي يميل بالكامل لمصلحة حزب التضامن وتنمية الاتحاد.