فرنسا: تمديد احتجاز 17 إسلاميا على خلفية تحقيق لمكافحة الإرهاب

تساؤلات حول قضية مسلح تولوز بعد تبدد حالة الذعر

TT

تم تمديد فترة توقيف 17 شخصا أوقفوا في فرنسا خلال حملة طالت الأوساط الإسلامية المتطرفة، على ما أفاد مصدر قريب من التحقيق، وكانت هذه التوقيفات التي جرت في إطار تحقيق قضائي فتح في مطلع مارس (آذار) بتهمة تشكيل عصابة بهدف تدبير أعمال إرهابية، قد مددت أول من أمس للمرة الأولى. ويمكن أن تستمر عمليات التوقيف في إطار تحقيق في قضية مكافحة الإرهاب 4 أيام، أي حتى صباح الغد. وجرت حملة التوقيفات بعد أكثر من أسبوع على مقتل محمد مراح، الجهادي الشاب الذي نفذ 3 اعتداءات في منطقة تولوز جنوب شرقي فرنسا، أوقعت 7 قتلى، وقد انتقدها قسم من المعارضة لاعتبارها «عملية انتخابية». وقال الرئيس نيكولا ساركوزي إن التوقيفات «غير مرتبطة» بملف اعتداءات تولوز، ولو أن «هناك إطارا عاما». وأوضح وزير الداخلية، كلود غيان، وساركوزي، أن حملة التوقيفات أتاحت ضبط أسلحة، لا سيما بنادق كلاشنيكوف، وقال مصدر قريب من التحقيق إن اثنتين، على الأقل، من البنادق «أزيلت صفتهما العسكرية»، أي أنهما غير صالحتين لإطلاق النار.

وبين الموقوفين: محمد الشملان، زعيم جمعية فرسان العزة السلفية المتطرفة، التي حلها وزير الداخلية في فبراير (شباط) لاتهامها بالتحضير للكفاح المسلح.

ورأى رئيس المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية، برنار سكوارسيني، أن حملة التوقيفات التي سلطت عليها أضواء الإعلام تلقى تبريرها في «مدى خطورة» أعضاء «فرسان العزة» الذين «كانوا يعدون، على ما يبدو، لعملية خطف».

وتثار تساؤلات اليوم حول كيفية تحول الشاب الفرنسي محمد مراح إلى منفذ هجمات تولوز ومونتوبان: هل هناك آخرون يسلكون الطريق ذاته؟ كيف ستنعكس اعتداءاته على المجتمع الفرنسي والقضاء والحريات؟ كلها تساؤلات تطرح بإلحاح وتثير انقسامات في فرنسا منذ أن قتل المتطرف الجهادي 7 أشخاص معلنا انتماءه لـ«القاعدة». وبعد تبدد الذعر، بدأت مرحلة التساؤلات بمعزل عن التصريحات السياسية والسجالات حول مراقبة الفتى الفرنسي جزائري الأصل، الذي تحول إلى «إرهابي إسلامي»، واشتد الجدل وتشكلت معسكرات متعارضة حول جذور المسألة. وثمة من لا يتصور أن هناك على الأراضي الفرنسي تربة يمكن أن تنتج مثل هذا «الوحش» ولا تجد ما يبرر هذه الظاهرة سوى الجنون.

وقام محمد مراح (23 عاما)، بدم بارد، بقتل 3 عسكريين فرنسيين شباب يتحدرون مثله من المغرب العربي، ثم 4 يهود بينهم 3 أطفال.

وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: «إن البحث عن تفسير التلميح إلى أي تفهم حياله أو أسوأ من ذلك، البحث عن أدنى عذر له، سيكون بمثابة خطأ أخلاقي».

وكتب الفيلسوف أندريه غلوكسمان في صحيفة «لو فيغارو» أن «الشر موجود. التقته ميريام مونسونيغو في سن السابعة من العمر»، في إشارة إلى الفتاة التي قبض عليها مراح من شعرها في ملعب المدرسة اليهودية في تولوز قبل أن يقتلها برصاصة في رأسها. وثمة آخرون، مثل الباحث كزافييه كريتييه، الذين يسعون لـ«طرح بعض الأفكار من أجل التأمل في هذا المصنع المرعب للعنف».

وقال كزافييه كريتييه، في دراسة نشرتها صحيفة «لوموند» إن الآيديولوجية لا تأتي بمفعولها «إلا إذا أكدت بنظر الناشط المتدرب وضع ظلم أو قمع يشعر به». ورأى الفيلسوف فرنسوا دو برنار، في صحيفة «ليبراسيون»، أن «مثل هذه الأحداث هي تجسيد لخطاب الوصم والتمييز القديم والمتجدد».

ويتم التشديد على كون محمد مراح يتحدر من أصول مهاجرة، كان والده غائبا، وعرف الفشل الدراسي والجنوح والسوابق والفشل الاجتماعي والسجن.

ويشدد القضاة على أنهم رأوا الكثير من هؤلاء الشبان ينحرفون إلى الجريمة، لكن القاضي جان بيار روزنكسفايغ يرى أن مراح «خارج عن المألوف»، مشيرا إلى أنه «لا ينتهي جميع الفتيان الذين نهتم بهم في صفوف ناشطي (القاعدة)».

وكتب عالم الاجتماع فيليب روبير وزميلته رونيه زوبرمان أنه «من المؤسف للغاية ألا يكون قد قُبض على (مراح) حيا»، معتبرين أن «نقاشا بين مواقف متعارضة كان سيتيح توضيح مساره». وحذرت أربعون شخصية، في نداء إلى المرشحين للرئاسة، من أن «الوقت خطير»، داعية إلى عدم «تسييس» المأساة. وقالت سابرينا غولدمان، من رابطة «ضد العنصرية ومعاداة السامية»: «ثمة مخاوف من أن تؤدي هذه الأحداث إلى تأجيج الخلط والحقد لدى جميع الأطراف».

وأعلن المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) أنه لاحظ بعد هجمات تولوز تزايدا في الأعمال المعادية للسامية، لا سيما التهديدات والشتائم. ومنذ قضية مراح، منع 3 دعاة إسلاميين من دخول الأراضي الفرنسية، ونفذت الشرطة حملة اعتقالات في الأوساط الإسلامية المتطرفة في فرنسا وأعلن الرئيس نيكولا ساركوزي تشديد الوسائل القانونية لمكافحة الإرهاب والتطرف في حال إعادة انتخابه في مايو (أيار). وبدأ البعض يندد بـ«قوانين آثمة» وإساءات مسرفة للحقوق والحريات بحجة مكافحة الإرهاب.

ورأى كريستوف رينيار، رئيس الاتحاد النقابي للقضاة، أنه «إزاء الانفعال، ثمة على الدوام مخاوف من حصول تجاوزات»، لكنه لفت إلى أنه مع بقاء الإجراءات المسيئة للحريات في فرنسا تحت رقابة السلطة القضائية «يفترض أن نبقى على هذا الصعيد ضمن ديناميكية معتدلة».

واعتبر أن الدستور والمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان «سيحولان دون المضي بعيدا» في هذا المجال.