لم تعد الولادة كما كانت قبل 10 سنوات فالأم أصبحت تحدد نوع ولادتها وتستعد لتلك المرحلة بكامل أناقتها وترتاد في الليلة التي تسبق الولادة القيصرية صالونات التجميل لتخرج من غرفة العمليات بأبهى حلة مرضية بذلك زوجها، فقد أصبح البحث عن ولادة من دون ألم مطلب كل فتاة حديثة الزواج إذ أنهن وبحسب قولهن يخترن المستشفيات الخاصة لإجراء الولادة القيصرية عوضا عن الولادة الطبيعية هربا من الآلام المصاحبة للولادة الطبيعية وهذا بحد ذاته سبب مشارك في ارتفاع نسبة الولادات القيصرية في السعودية.
وكشفت دراسة أجرتها مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني في جدة أن العمليات القيصرية في السعودية زادت خلال 10 سنوات بنسبة 80.2%، حيث ارتفعت نسبة العمليات القيصرية بالنسبة لإجمالي الولادات من 10.6% عام 1997 إلى 19.1% عام 2006. وأشارت الدراسة إلى أن هذا الارتفاع الكبير في نسبة الولادات القيصرية لا يتوافق مع توصيات منظمة الصحة العالمية التي شددت على ألا تتجاوز هذه النسبة من 5 إلى 15% من إجمالي الولادات بأي حال من الأحوال.
واعتمدت الدراسة على بيانات جمعتها من مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية الأخرى في 14 منطقة إدارية في السعودية، كما أوضحت الدراسة أن الولادات الطبيعية انحسرت بنسب تراوحت بين 29% و38%.
على ضوء تلك الدراسة أكد الدكتور حسن المتوكل استشاري النساء والتوليد أن العمليات القيصرية تجرى وفق ظروف صحية قد تعرض المرأة الحامل في حال الولادة الطبيعية لمضاعفات صحية سيئة وقد تسبب بعض الأحيان الوفاة لذا وبحسب قوله فإن الطبيب المتابع لحالة المرأة الحامل يحدد من خلال بعض المؤشرات الصحية للمرأة والجنين نوع الولادة وذكر الدكتور حسن من هذه المؤشرات المتعلقة بالأم ضيق الحوض والذي بدوره قد يجعل خروج الطفل من الرحم صعبا بالإضافة إلى خلل وظيفة الكليتين والتي ينتج عنها تسمم في الدم.
وزاد: أما فيما يتعلق بالجنين فإن وضعية الطفل في الرحم تحدد وبشكل كبير نوع الولادة حيث إن هناك وضعيات تأخذ الشكل الأفقي فيكون قدم الجنين في الموضع المفترض للرأس وهذا يصعب عملية الولادة الطبيعية فتكون الولادة القيصرية هي الحل كما أن حجم الجنين يعد أحد الأسباب المتعلقة بخيار الولادة القيصرية.
إلى ذلك أكد الدكتور حسن أن هناك عددا كبيرا من الأمهات الحديثات يفضلن العملية القيصرية ويطالبن بها خوفا من توسع المهبل أو آلام الولادة القيصرية وهنا، وكما ذكر، تتجلى أهمية دور التثقيف الصحي للمجتمع النسائي، خاصة للفتيات المتزوجات حديثا لتوضيح المخاطر التي تنطوي عليها العمليات القيصرية فهي غير آمنة 100% إذ أن هناك حالات تعرضت للنزيف أثناء العملية وانتهت بالوفاة عدا عن الآلام المصاحبة للجرح بعد العملية القيصرية.
من جهتها ذكرت مريم سعيد التي تعمل في حقل التعليم أنها اختارت الولادة في أحد المستشفيات الخاصة حتى يتسنى لها تحديد نوع الولادة قائلة: ربما أعرض نفسي لمخاطرة كبيرة في اختيار الولادة القيصرية من حيث خطورة التخدير والنزيف أثناء العملية وغيرها من المخاطر الصحية إلا أن إسعاد الزوج والحفاظ على العلاقة الزوجية هي أحد أهم الأسباب التي دفعتني إلى هذا الخيار إذا أن الولادة الطبيعية تسبب توسعا في المهبل إلى جانب الآلام غير المحتملة لها.
وأضافت مريم: قد يدعي بعض الأطباء أنهم لا يجرون الولادات القيصرية إلا عند بزوغ عوارض صحية حرجة للمرأة الحامل ولكن هذا غير صحيح فهناك أطباء في بعض المستشفيات الخاصة يتقاضى نسبة من المبلغ المدفوع في العمليات القيصرية من المستشفى نفسه ولذلك فهو لا يمانع من إجراء العملية القيصرية والدليل أنني أجريت عمليتين قيصريتين دون الحاجة الطبية الملحة لها.
قد يستنكر البعض ما تقوم به بعض الأمهات من استعدادات قبل دخول غرفة العمليات والذي جاء بناء على طلبها حيث تعكف على وضع بعض مساحيق المكياج الخفيفة وتصفيف شعرها بشكل أنيق ولبس لباس معين تستطيع من خلاله وبعد خروجها من غرفة العمليات استقبال زوجها وهي بأفضل حلة وهذا ما أكدته نوال القرني «موظفة بنك» حيث قالت: حقيقة ومن دون مبالغة لم أشعر بما تشعر به كل أم خاضت مراحل الولادة الطبيعية وها أنا في ثالث ولادة قيصرية أشعر بندم بسيط من حرماني لنفس شعور الولادة الطبيعية وما يتبعه من آلام تشعر الأم بأمومتها فأنا وقبل كل عملية قيصرية أشرع للذهاب إلى صالون للتجميل في الليلة التي تسبق يوم الولادة حتى أجري عناية بالأظافر والشعر وترتيب الحواجب لأصحو صباح يوم العملية مبتدأة ببعض مساحيق الوجه الخفيفة ومن ثم أقصد المستشفى والدخول إلى غرفة العمليات.
إلا أن نوال استدركت حديثها بقولها: ولكن ما اعتدت القيام به قبل الولادة أفقدني حلاوة مفاجأة آلام الطلق وأفقد زوجي أهمية أن تكون الزوجة أما بما تعنيه الكلمة من آلام ومراحل متتالية يشارك من خلالها الزوج ليستقبل طفله بعيدا عن الحضانات التي يمكث فيها الطفل بعد الولادة القيصرية قرابة الـ15 يوما أحيانا وقد تزيد أو تنقص.
الدكتورة مها الجازعي المستشارة الاجتماعية ترى أن ما تقوم به معظم الفتيات حديثات الزواج يعد إخلالا بتناغم العلاقة بين الأم والطفل ومغامرة طبية قد تتكبد هي نتائجها المؤلمة.
ففي تأكيد لـ«الشرق الأوسط» من الدكتورة مها قالت: «نحن نسعى من خلال تثقيف الشاب والفتاة قبل الزواج إلى إلغاء تلك الأفكار وربطهم بواقع الحياة الزوجية بعيدا عن الزخرفة المبالغ فيها وترسيخ معنى التضحية بين الزوجين وقبول الآخر كما هو ومراعاة التغيرات الجسمانية والنفسية للفتاة من قبل زوجها بعد الإنجاب، فغياب الثقافة الزوجية بين الزوجين كفيل بأن يضاعف حالات الطلاق ويعرض حياة الزوجة للمخاطر ويسحب بساط الهيبة والقوامة بمفهومها الصحيح من الرجل».
وحول لجوء بعض الفتيات إلى العمليات القيصرية أشارت الاستشارية الاجتماعية إلى أن ذلك كله ما هو إلا إفراز للثقافة المجتمعية المستقاة من الفضائيات وتأثر الأبناء والبنات بسطحية العلاقة بين الرجل والمرأة وهنا يأتي دور الأم والجمعيات والمساجد في تشكيل منظومة متكاملة للنهوض بوعي فتياتنا وشبابنا حول العمق الصحيح للعلاقة الزوجية والابتعاد عن الشكليات وتقبل الآخر كما هو دون التعرض للمخاطر.