«ما ينبغي قوله».. تغضب إسرائيل

الكاتب الألماني غراس يحاول تهدئة الجدل بعد قصيدته: لم أقصد الدولة وإنما الحكومة

غونتر غراس
TT

أعرب دعاة السلام في ألمانيا عن تأييدهم لأشهر كاتب في بلدهم، غونتر غراس، بعد قصيدته الأخيرة التي اتهم فيها إسرائيل بتهديد السلام العالمي، وأثارت جدلا داخل إسرائيل وخارجها. جاء هذا بينما حاول غراس، حائز جائزة نوبل للآداب عام 1999، التهدئة، موضحا أن قصيدته لم تعنِ الهجوم على إسرائيل كدولة وإنما على سياسات حكومتها الحالية.

ونظمت 70 مسيرة في ألمانيا ذات طابع ديني أو من أجل السلام والمطالبة بسحب القوات الألمانية من جميع مناطق النزاعات في العالم. ونظمت بعض المسيرات من أجل تأييد غراس الذي لا تزال قصيدته تثير ردود فعل. وكتب المشاركون في مسيرة في بريمرهافن في الشمال: «غونتر غراس معه حق»، و«شكرا غونتر غراس».

وقال ويلي فاو أوين، المتحدث باسم خلية تنسيق مسيرات الفصح، إنه تم إلقاء خطب تأييد لغراس في شتوتغارت أمام ألف شخص، وأمام عدد مماثل في برلين و400 شخص في ميونيخ ونحو 100 في ليبزيغ في الشرق.

كانت قصيدة «ما ينبغي قوله»، المؤلفة من تسعة مقاطع شعرية، قد نشرت في الصفحة الأولى من الملحق الثقافي لصحيفة «تسودويتشي تسايتونغ» الأربعاء الماضي، ومزج فيها الشاعر بين الأساليب الشعرية والدعوة لوجود إشراف دولي على البرامج النووية لكل من إيران وإسرائيل، كما وصف إسرائيل، صراحة، بأنها تهديد للسلام العالمي بسبب تحذيراتها بشن هجوم على المنشآت الإيرانية النووية.

وكتب غراس أنه بتزويد إسرائيل بالأسلحة والغواصات تخاطر ألمانيا بالتواطؤ في «جريمة واضحة للعيان». وتساءل غراس، 84 عاما، في قصيدته: «لماذا أقول ذلك فقط الآن، وأنا مسن وفي آخر قطرة من الحبر، إن الطاقة النووية الإسرائيلية تهدد بنية السلام العالمي الهشة؟ لأن ما يقال الآن سيكون قد فات موعده في الغد».

وبعد الجدل الذي أثير حول القصيدة، أوضح غراس في مقابلة مع صحيفة «تسودويتشي تسايتونغ»، نشرت الجمعة، أنه لم يعنِ الهجوم على إسرائيل، وإنما سياسات حكومة بنيامين نتنياهو. وقال: «كان ينبغي أن أوضح ذلك داخل القصيدة».

كانت القصيدة قد أحدثت ردود فعل لدى الكثير من الصحف الرئيسية التي وصف بعضها غراس بالمعادي للسامية. وقد لقيت القصيدة إدانة وغضبا داخل إسرائيل؛ حيث أصدر رئيس الوزراء نتنياهو بيانا، الخميس، وصف فيه مقارنة إسرائيل مع إيران، في قصيدة غراس، بأنه «مخزٍ»، مشيرا إلى أن ما يقال على غراس أكثر مما يقال على إسرائيل. وقال نتنياهو: «إن إيران، وليست إسرائيل، هي التي تشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين. إنها إيران، وليست إسرائيل التي تهدد الدول الأخرى بالإبادة».

يُذكر أن غراس، الذي كان قد اعتبر نفسه ضميرا للأمة الألمانية، دافعا الألمان إلى مواجهة الماضي النازي، قد اتُّهم بالنفاق بعد أن كشف عام 2006 للمرة الأولى عن أنه كان جنديا في سلاح «وافن إس إس» قرب نهاية الحرب العالمية الثانية عندما كان في السابعة عشرة من عمره. وقال نتنياهو، مشيرا إلى هذا الاعتراف: «ربما لا يدعو إلى الدهشة، من وصم الدولة اليهودية فقط بأنها التهديد الأكبر للسلام العالمي ومعارضة منح إسرائيل أي وسيلة للدفاع عن نفسها».

واعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير لها حول الموضوع، أمس، أن الدعم الألماني القوي لإسرائيل في سياستها الخارجية «ثابت لا يتغير؛ حيث تحاول ألمانيا تعويض اليهود عن جرائم الهولوكوست، لكن دروس الحرب العالمية الثانية جعلت الكثير من الألمان ناقمين على الحرب ومن ثم لا يبدون ارتياحا للنبرة المتشددة واللغة التهديدية الصادرة عن حكومة نتنياهو». وتنقل «نيويورك تايمز» عن غاري سميث، المدير التنفيذي في الأكاديمية الأميركية في برلين، قوله عن غراس: «إنه يركز على مخاوف الألمان في الوقت الراهن، الذين يرون في إسرائيل خطرا. وأخشى أن يكون ذلك نقطة تحول في الطريقة التي يتحدث بها الشعب الألماني عن إسرائيل»، على حد تعبيره.

كما كتب جاكوب أوغستين، ناشر مجلة «دير فيريتاغ»، على الموقع الإلكتروني للمجلة: «إن تلك لم تكن قصيدة رائعة أو تحليلا سياسيا عبقريا، لكن ينبغي أن يوجه الشكر إلى غراس على بدء النقاش بشأن التهديد الذي تشكله إسرائيل للسلام».

في الوقت ذاته، قال آخرون إنه ليس مصادفة أن يكون غراس محل جدل دائم، لكن هذا الجدل كان بديلا عن هدفه في المقام الأول. ويقول فراك سكيرماكر، الناشر المشارك لصحيفة «ألجيميني تسايتونغ»، الذي أجرى مقابلة مع غراس عندما كشف عن عضويته في فرقة «وافن إس إس»: «كتب هذه القصيدة وهو يعلم من الطريقة التي كتبها بها أنه ستكون هناك إدانات، فقد كان بحاجة إلى الإدانة كي يتمكن من إبراز وجهة نظره، وهي أنه من المستحيل انتقاد ألمانيا في إسرائيل».

يُذكر أن غراس، المؤلف المسرحي والكاتب الروائي، فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1999، واعترف بأنه كان عضوا في شبيبة هتلر عندما كان طفلا وكان يؤمن حينها بأهداف المجموعة، لكنه لم يذكر أنه كان جنديا في فرقة «وافن إس إس»، إلى أن بلغ الثامنة والسبعين من العمر.

على صعيد ردود الفعل في الصحافة الإسرائيلية، خصص آنشيل بفيفر، الكاتب في صحيفة «هآرتس»، مقاله يوم الجمعة لانتقاد غراس، تحت عنوان «العدالة العمياء لغونتر غراس». وكتب بفيفر: «العقل والمنطق لا يفيدان عندما لا يفهم رجل على قدر بالغ من الذكاء وفائز بجائزة نوبل أن عضويته في منظمة خططت ونفذت كل الإبادة الجماعية لملايين اليهود لا تؤهله لانتقاد أبناء هؤلاء اليهود لتطوير أسلحة الملاذ الأخير التي تشكل الضمان في حال حاول شخص إنهاء المهمة التي بدأتها منظمته».

في الجانب الآخر، نوهت إيران أمس بالكاتب غونتر غراس لشجبه تهديد إسرائيل بشن ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وكتب نائب وزير الثقافة الإيراني، جواد شمقدري، رسالة موجهة إلى «الكاتب المتميز غونتر غراس» جاء فيها: «قرأت قصيدتكم التحذيرية التي تظهر بشكل مذهل إنسانيتكم وحس المسؤولية لديكم، قول الحقيقة لا بد أن يوقظ الضمير الغربي النائم والصامت، والكتاب بريشتهم أكثر قدرة من الجيوش على تفادي حصول المآسي».