شراكة بين الجامعة المفتوحة و«هدف» لتوثيق التوطين في مؤسسات التعليم العالي

توقيع الاتفاقية تحول إلى محاكمة للبطالة ومخرجات التعليم وثقافة العيب

الأمير طلال وإبراهيم المعيقل وعدد من مسؤولي الجامعة العربية المفتوحة وصندوق تنمية الموارد البشرية خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد عقب توقيع اتفاقية الشراكة
TT

وضعت اتفاقية شراكة تم توقيعها بين الجامعة العربية المفتوحة فرع السعودية، وصندوق تنمية الموارد البشرية، أرضية جديدة لاستقطاب الشباب السعودي المؤهل لشغل الوظائف الأكاديمية والإدارية، في ما يعد أول شراكة من نوعها بين جامعة سعودية والصندوق لتفعيل برامج التدريب المنتهية بالتوظيف للشباب السعودي.

وتحول المؤتمر الصحافي، الذي عقد عقب توقيع الاتفاقية، إلى ما يشبه المحاكمة في موضوع البطالة ومخرجات التعليم، وأعلنت خلاله أرقام تؤكد صرف أكثر من 6 مليارات ريال خلال 4 أشهر في مشروع إعانة البحث عن عمل (حافز) شكلت النساء النسبة الأكبر في الاستفادة من هذه الإعانة بنسبة تصل إلى 92 في المائة من المستفيدين من هذا المشروع، الذين تجاوز عددهم مليونا و153 شخصا.

وشدد الأمير طلال بن عبد العزيز، رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) ورئيس مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، على أن التعليم الذي لا يدفع صاحبه للعمل الجاد هو في الحقيقة إهدار للوقت والمال، لافتا إلى أن رسالة الجامعة العربية المفتوحة غير ربحية تلتقي مع أهداف الصندوق لاستيعاب الطاقة الشبابية وتوظيفهم وتدريبهم وتحقيق أهداف الجامعة والصندوق المتمثلة في الاستثمار بالإنسان.

ومن جانبه رأى مدير صندوق تنمية الموارد البشرية، إبراهيم المعيقل، أن التعليم العالي مهم لتحقيق النمو الفكري للمجتمع لا لإيجاد فرص عمل لخريجي، معتبرا أن المهم في موضوع البطالة وإيجاد فرص العمل يجب أن يتم بزيادة الوعي عند المواطن والتأهيل والتدريب وإلغاء ثقافة العيب بالنسبة لإشغال الوظائف الحرفية، مشددا على أن الشريحة الكبرى لاستيعاب الوظائف والإحلال تتم من خلال هذه الوظائف التي تعارف عليها الناس باسم الوظائف الدونية، مذكرا في هذا الصدد بأن هذه الوظائف قبل عقود أربعة كانت مشغولة بسعوديين وسعوديات.

وبرعاية الأمير طلال بن عبد العزيز، رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند)، رئيس مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، وفي خطوة تعد الأولى بين مؤسسات التعليم العالي في السعودية وقعت الجامعة العربية المفتوحة «اتفاقية الدعم الشامل» مع صندوق تنمية الموارد البشرية لاستقطاب الطاقات الشبابية السعودية للعمل في الجامعة.

وفي الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة في مقر «أجفند» في الرياض، أمس، السبت، وصف الأمير طلال الاتفاقية بأنها «إسهام وخطوة مهمة في سبيل تحقيق الجامعة رسالتها، وهي الاستثمار بالإنسان». وقال إن «رسالة الجامعة غير الربحية تلتقي مع أهداف الصندوق لاستيعاب الطاقات الشبابية وتوظيفهم وتدريبهم». وأعرب عن شكره للصندوق وللجامعة لتشاركهما في هذه الخطوة التي «تجعل الجامعة العربية المفتوحة المؤسسة العلمية الأولى التي توقع هذا الاتفاق».

وتعمل الجامعة العربية المفتوحة في السعودية على استفادة نحو 40 شابا من الشراكة مع صندوق تنمية الموارد البشرية خلال العام الميلادي الحالي 2012، وتضع الجامعة خطة يتم خلالها استقطاب الشباب السعودي المؤهل لشغل الوظائف الأكاديمية والإدارية وأعمال السكرتارية. وتتيح الاتفاقية للمتدرب الحصول على دورة تدريبية تأهيلية قبل ممارسة العمل، كما تتضمن الاتفاقية أن يقوم الصندوق بتقديم دعم مالي يصل إلى ألفي ريال سعودي عن كل متدرب لمدة سنتين. وتسعى الجامعة من خلال الاتفاقية إلى أن تكون جهة مدربة للمؤسسات والشركات الأخرى.

ومشيرا إلى التقدم الذي تحرزه الجامعة العربية المفتوحة في فروعها الـ7 المنتشرة في الدول العربية قال الأمير طلال: «إننا نفتخر بكل خريجي الجامعة الذين انخرطوا في سوق العمل، وخصوصا الذين أثبتوا تميزا عن أقرانهم من الجامعات الأخرى».

وأعرب الأمير طلال عن سعادته ببرنامج الابتعاث الذي تنفذه الدولة في الداخل والخارج للطلبة والطالبات، لافتا إلى ضرورة أن «استيعاب الشباب في منظومة التنمية ليكونوا قيمة مضافة للحد من البطالة، يجب أن يكون الهدف النهائي للابتعاث»، وأضاف: «لا نريد أن يكون التعليم من أجل التعلم فقط، لأن التعليم الذي لا يدفع صاحبه للعمل الجاد هو في الحقيقية إهدار للوقت والمال». وأكد مدير صندوق تنمية الموارد البشرية، إبراهيم بن فهد المعيقل، أن «حكومة خادم الحرمين الشريفين أولت قضية تنمية الموارد البشرية السعودية أهمية خاصة في مختلف الخطط التنموية كونها تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه المملكة في جهودها الرامية إلى الارتقاء بمستوى قدرات ومهارات الشباب السعودي، وصولا مشاركة أبناء الوطن في بناء اقتصاده وتعزيز مكانته التي يستحقها».

وقال المعيقل إن «الجامعة العربية المفتوحة شريك استراتيجي في عملية التنمية البشرية في المملكة من خلال ما تقدمه من تأهيل علمي لطلابها وطالباتها وفق معايير عالمية تسهم في الحصول على مخرجات تتناسب مع متطلبات سوق العمل».

من جانبه أوضح مدير فرع الجامعة العربية المفتوحة في السعودية، الدكتور سالم الغامدي، أن الاتفاقية تهدف إلى تفعيل برامج التدريب المنتهية بالتوظيف، وفق الآليات والنظم التي يطبقها الصندوق، وتحقيق أعلى معدلات التوطين في الوظائف الإدارية والفنية في الجامعة، وستكون هذه الوظائف متاحة للجنسين. وأكد الغامدي أن الاتفاقية «إحدى ثمار توجيهات الأمير طلال بن عبد العزيز في مجال تحقيق الشراكة في التنمية بين الجامعة ومؤسسات التنمية الاجتماعية، خصوصا تلك التي لها مساس مباشر بالتنمية البشرية، وبناء الإنسان». واستطرد الغامدي موضحا أن «(العربية المفتوحة) هي أول جامعة توقع الاتفاقية مع صندوق تنمية الموارد البشرية، كما أنها من المؤسسات الجامعية القليلة التي تقدم خدمة التدريب المنتهي بالتوظيف إسهاما في الجهود المبذولة لمحاربة البطالة ليشارك الشباب السعودي بدوره المحوري في بناء الوطن، وخدمة المليك والوطن».

ولدى عرضه مؤشرات عن الاتفاقية أوضح الدكتور جمعة حامد، مدير إدارة الموارد البشرية في الجامعة العربية المفتوحة، أن نسبة السعودة في الجامعة تبلغ حاليا 62 في المائة وهذه الاتفاقية جاءت في توقيت مناسب لتلبي الاحتياجات الفعلية للجامعة من القوى البشرية. وقال: «إن الاتفاقية تسعى إلى الوصول إلى باقة من الأهداف تعدها الجامعة أهدافا استراتيجية، منها: توفير الفرص الوظيفية للشباب السعودي، وأن تكون الجامعة بيت خبرة في مجال التدريب سواء للقطاعات الحكومية أو الأهلية».

وأعرب الدكتور جمعة عن تطلعه لأن ترسخ الاتفاقية أسس التعاون الدائم بين الجامعة والصندوق، وتكون عونا في مجال تبادل الخبرات التدريبية.

وبعد توقيع الاتفاقية دار حوار صريح، وتلقى الأمير طلال أسئلة الصحافيين، التي تمحورت في معظمها حول مكافحة البطالة، وتوفير فرص العمل للمواطنين..

وقال الأمير طلال إن الجامعة العربية المفتوحة تأسست بأموال سعودية ولها وجود في 7 دول عربية، وبذلك سبقت هذه المؤسسة التعليمية جامعة الدول العربية في توحيد المناهج.. ولفت إلى حضور المملكة بصورة واضحة في التنمية العربية من خلال التعليم، مشيرا إلى أن السعودية من أوائل الدول التي شاركت في تأسيس جامعة الدول العربية، مؤكدا أن «لا مستقبل لنا إلا في التاريخ والجغرافيا».. وقال إن ما يحدث في بعض الدول العربية حاليا أمر يؤسف له، والمستفيد هم الخصوم، ولذلك فعلى القيادات الواعية أن تتفاعل مع المطالب الشعبية، وإصلاح الأمور تدريجيا.

وأكد الأمير طلال استعداد الجامعة لفتح مزيد من الفروع في الدول العربية، وأضاف أن الجامعة الآن تواجه تحدي إكمال مشروع مباني المقار للتوافق مع شروط وزارات التعليم العالي العربية.

وعن كيفية مواجهة مشكلة البطالة في المملكة أكد الأمير طلال أن التعليم من أهم الآليات، مشددا على الاهتمام بالمناهج التي يتم وضعها من قبل أهل الفكر والخبرة، وطالب بمنع ما وصفه بـ«التدخلات التي لا معنى لها» في المناهج.

ودعا الأمير طلال إلى أن تكون مكافحة البطالة بالتركيز على فتح فرص عمل، والاهتمام بالحرف، وتغيير ثقافة رفض الأعمال الحرفية. وأعرب الأمير طلال عن اعتقاده بالدور الكبير لوسائل الإعلام في هذا الشأن، كما أكد ضرورة خوض مجال إتاحة العمل للمرأة السعودية، ولفت إلى الإسهام الكبير لبنوك الفقراء في تقليص البطالة وتحويل العاطلين إلى منتجين، وقال إن بنوك الفقراء التي أسسها «أجفند» أوجدت مليونا وثلاثمائة ألف فرصة عمل. وأشار إلى الاستفادة من تجارب الدول في مواجهة البطالة.

وأكد مدير صندوق تنمية الموارد البشرية في إجاباته عن تساؤلات الصحافيين، استعداد الصندوق لاستقبال الصحافيين، ليكون بيتا لهم للمشاركة في طرح الأفكار التي تفيد الوطن، وتسهم في حل مشكلات البطالة. وقال إن الإعلام أسهم في خلق الصورة الذهنية السالبة عن قبول بعض المهن، خصوصا في مجال عمل المرأة، وأشار إلى أن عمل المرأة في مختلف المهن كان عاديا قبل عقود، وكان العيب أن لا تعمل المرأة.. ولفت المعيقل إلى الموقف المجتمعي والإعلامي من طلب جامعة الأميرة نورة سعوديات للعمل سائقات قطارات، وأن البعض عد ذلك إهانة للسعوديات من قبل الجامعة.

ودعا المعيقل إلى عدم احتقار أي عمل شريف، وطالب الإعلام بالإسهام في إعادة المجتمع السعودي إلى أصله ومساره الذي كان من قبول الأعمال الحرفية. وأوضح أن هناك نحو 6 ملايين من الأيدي العاملة الأجنبية في المملكة لا يحملون مؤهلات ويمكن أن يحل في أماكنهم سعوديون، غير أن الصندوق في خططه الراهنة يستهدف حملة الشهادة الثانوية فما فوق لتوطين وظائفهم.

وقال إن البعض ممن يستشهدون بتجارب بعض الدول، مثل كوريا، في إيجاد فرص عمل لمواطنيها في قطاع اقتصاد المعرفة، يهملون الجانب الآخر من هذا المثال، وذلك كالذي يكتفي من الآية الكريمة بـ«ولا تقربوا الصلاة»..، وقال إن كوريا أيضا لها عمالة مواطنة في كل مجال، وليست لديه ثقافة رفض الحرف اليدوية.

وقال مدير الجامعة العربية المفتوحة، الدكتور سالم الغامدي، في مداخلاته وإجاباته عن أسئلة الصحافيين «سنبني على الاتفاقية التي وقعناها مع الصندوق، وسنتفرع إلى مجالات أخرى لمصلحة الوطن والشباب السعودي، خصوصا في الأعمال الريادية». وأكد أن الفرص الوظيفية التي ستنشأ عن الاتفاقية متاح للجنسين دون تمييز.

وقال الغامدي إن أكبر دليل على نجاح فكرة الجامعة العربية المفتوحة التي تبناها الأمير طلال هو أن وزارة التعليم العالي في المملكة ستطلق الجامعة الإلكترونية. وأوضح الغامدي أن التعليم العالي ليس مطالبا فقط بإيجاد التوظيف، ولكن أهم أدواره تشكيل الوعي، وأكد ضرورة التوجه إلى التخصصات التي تلبي احتياجات سوق العمل، وإيجاد البيئات الملائمة لانخراط مخرجات التعليم في سوق العمل، موضحا القيمة المضافة التي تسهم بها الجامعة العربية المفتوحة في المجتمعات العربية.

وأوضح ناصر بكر القحطاني، المدير التنفيذي لبرنامج الخليج العربي (أجفند)، أن خريجي الجامعة المفتوحة مؤهلون تأهيلا عاليا، وأنهم ينافسون خريجي الجامعات الأميركية، وهم بحق يثبتون وجودهم أينما حلوا.

وفي الحوار الإعلامي بحضور الأمير طلال قدم مدير إدارة المشاريع في «أجفند»، جبرين الجبرين، لمحات من تجربة «أجفند» في مكافحة بطالة المرأة، وقال إن للبرنامج مشروعين أحدهما في مدينة الجبيل والآخر في الأردن يتم تمويلهما لصالح جمعيات أهلية، والهدف هو مكافحة «ثقافة العيب» في امتهان المرأة بعض الأعمال. وأكد أن المشروعين يتقدمان بنجاح.