«التنكر للمحرم» يدخل السعوديات في نفق الملاحقات القانونية لمرحلة ما بعد الابتعاث

وجوده مستمر رسميا.. ومبتعثة أطلقت عليه لقب «الزوج المستعار»

سعوديات تنتظرهن ملاحقات قضائية لدى الانتهاء من الابتعاث («الشرق الأوسط»)
TT

قالت مبتعثات سعوديات في الخارج، إنهن يعشن تجربة قاسية في مرحلة الابتعاث بسبب ما سمينه إجراءات قانونية مؤجلة تنتظرهن في السعودية حين عودتهن بسبب إخلالهن بدور «الزوجات» المطيعات، عطفا على ما تعارف المبتعثون على تسميته زواج «المسيار».

وأعلنت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن دوائر قضائية في السعودية استقبلت طلبات مبتعثين سعوديين طالبوا فيها بلم الشمل مع زوجاتهم المبتعثات اللائي تنكرن لهم «زوجيا» بعد وصولهم للخارج، بحجة أن الأمر الذي جمعهم هو شرط إلزامية وجود «المحرم» ليس إلا.

وقالت ليلى حجازي، المحامية السعودية لـ«الشرق الأوسط»، إن الموضوع قانونيا سيصب في خانة الأزواج لأن العقد شريعة المتعاقدين، وحتى إن قبلت المبتعثات «المبدأ»، من ناحية أن هؤلاء أزواج مع وقف التنفيذ، إلا أنها مجبرة قضائيا بالتعامل معه كزوج فعلي.

وأشارت حجازي إلى أن الذي دفع بالمبتعثات نحو قبول مثل هذا الشرط الذي سمته «التعسفي»، حسب حجازي، فإنه آل إلى ما آلت إليه الأمور، وكان بالإمكان الوصول إلى حلول أخرى يرتضيها المجتمع المحافظ، دونما الزج بالمبتعثات عنوة نحو زواج غير مكتمل الأركان من الناحية الأسرية الصادقة، وهو ما أفضى إلى ملاحقات قانونية، ستضطر بعض المبتعثات إلى خوضها نتيجة عدم الالتزام بها.

وأفادت حجازي، بأن المشكلة تكمن في أن المبتعثات يجدن أنفسهن أمام خيارات صعبها ومره، فإما أنها ترفض فكرة الابتعاث وحلم إكمال الدراسات العليا، بحجة عدم وجود «محرم»، وإما أنها ستضطر إلى القبول بشريك «وقتي» أو «آني»، أو رسمي من دون قناعة كاملة، وهو ما سيجلب لها ملاحقات مالية في دور المحاكم الشرعية، بحجة أن ما بني على باطل فهو باطل.

وعلقت بدورها نادية الخويلدي، مبتعثة سعودية في مدينة كرايست شيرش جنوب نيوزلاندا، أن شرط المحرم للمبتعثة هو إحدى وسائل إعاقة المؤهلات التي تم انتهاجها ضد المبتعثات، مؤيدة ابتعاث الإناث للخارج، خاصة في ظل أن يكون موضوع العمر مناسبا، لأننا جميعا كمتعلمين نعتبر أنهن جميعا على قدر من المسؤولية للاهتمام بشؤونهن، مؤكدة أن الحاجة دفعتها نحو «الزوج المستعار».

وقالت الخويلدي، إن السفارات السعودية في الخارج لديها مشرفون وظيفتهم متابعة المبتعثين، نحو زيادة عددهم وواجباتهم بحيث يستطيعون متابعة أحوال الطلاب والطالبات مرة كل أسبوع أو مرة كل أسبوعين، وذلك تحسبا من أي شيء، لا سمح الله، مثلا خرق قانون البلد أو الانجراف مع فئات غير سوية.

ورأت هند العلي، مبتعثة سعودية لمدينة بورموث جنوب بريطانيا، أنه من ناحية ابتعاث الطالبات للماجستير والدكتوراه فترى أن اصطحاب المحرم وموافقة ولي الأمر هو عرقلة للحياة العلمية والمستقبل المهني للطالبة. وزادت: «عندنا سعوديات على قدر عال من المسؤولية ولكنهن لا يقدرن على أن يكملن دراستهن في الخارج بسبب عدم موافقة ولي الأمر أو عدم وجود المحرم المرافق، أو الاثنين معا.

وأضافت العلي: «قدمت إلى جامعة أميركية مرموقة يحلم بها أبناء وبنات أميركا وطلاب وطالبات من دول أخرى لأن هذه الجامعة ليست أي جامعة، بل (Ivy League)، قدمت على برنامج ماجستير ليس متوفرا في السعودية، وهذا البرنامج هو الأفضل في العالم لهذا التخصص، وتم قبولي عند أول محاولة».

واستطردت بالقول: «لم أقبل في برنامج ماجستير إدارة أعمال في إحدى الجامعات السعودية، إلا بعد محاولتين، والتقديم كان مربكا ومحبطا، ننتظر رقم المتابعة، ثم ننتظر ظهور الأسماء، ثم نتصل ونسأل ونكون على أعصابنا، متحينين إعلان وقت المقابلة الشخصية، ثم بعد ظهورها نفاجأ بأن موعد تسليم الملفات وتسلم إشعار القبول بعد ثلاثة أيام، وجامعتي المرموقة لم تخبرني أو تعلمني بهذا الشيء في موقعها».

وأفادت العلي بأن الجامعة الأميركية التي لم أستطع الوصول إليها بحجة المحرم، طلبت مني إرسال نسخة من أوراقي وإكمال نموذج طلب الالتحاق، والذي يحتوي على أسئلة مقالية، وسيرتي الذاتية، وقالوا لي سيصلني خبر قبولي أو عدمه بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، وفعلا وصلني إيميل ورسالة في البريد، كل هذا وأنا أنتظر نتائجي من جامعتي داخل البلاد».

من جهتها، ذهبت ليلى الأنصاري، اختصاصية أسرية، إلى أنه من الخطأ حرمان المبتعثات من إكمال دراستهن بحجة غياب المحرم، كما أنه من الخطأ بمكان إرسال مبتعثات في سن صغيرة لدول بعيدة لتترك الأمور جزافا، موضحة أنها أمور غير متوافقة، وتحتاج إلى جلسات نقاش واسعة مع أطياف كثيرة تكون المرأة فيها هي الركن الأساسي لعملية الحوار.

وقالت الأنصاري، إن «الإحصائيات التي بين يديها غير رسمية، بيد أنها تشير إلى أن نسبة المتزوجين 30 في المائة، بينما 70 في المائة من المبتعثين والمبتعثات عزاب، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر، ويبعث على التساؤل: لماذا لا يحرص المبتعثون الذكور على الزواج قبل السفر للابتعاث؟ ولماذا ترتفع نسبة المبتعثات العازبات، ويصبح خيارها في المحرم أخا أو أبا أو عما؟ وهم أضلاع ربما تختلف طريقتهم في التعاطي مع الأمور الخاصة للمبتعثة، من حيث القبول مدا وجزرا.

وقالت إنه في بحث استقصائي استهدف المبتعثين في كندا، اتضح أن 33 في المائة من المبتعثين يرفضون مبدأ الزواج خلال الابتعاث، بينما تقترب نسبة المؤيدين من تلك النسبة بواقع 31.38 في المائة، وتبقى النسبة الأخرى التي تصل إلى 35.6 في المائة بين المؤيد نوعا ما، وبين من لا يعنيه الأمر.

وشاركت نورة المالكي بالنقاش، وقالت إنها فقدت فرصتها في الابتعاث والدراسة بسبب المحرم، مضيفة «أعددت كامل أوراقي، بمعرفة عائلتي، وكان يفترض أن يرافقني أحد محارمي، ولكن لأسباب إجرائية خاصة به لم يتمكن من إجراءات السفر معي، وهكذا ضاعت فرصتي في الدراسة، وأعتقد أنها مشكلة كثير من البنات اللائي يتعثر حظهن الدراسي بسبب المحرم، وأتساءل: ما الذي يمنع من احتواء البنات في الخارج في مؤسسات حاضنة لهن طوال فترة وجودهن في الخارج تحت رعاية التعليم العالي أو السفارات، لتفادي مشكلة المحارم، أعرف كثيرا من المتفوقات والمتميزات اللائي يرجى منهن علميا، حرمن من ذلك بسبب قضية المحرم، ولذلك لا بد من حل يناسب أولئك اللائي يتعثر حظهن مع غياب المحرم».