هل يصنع الاقتصاد تفوقا؟

محمود تراوري

TT

تأهُّل خمسة أندية إسبانية إلى الدور قبل النهائي لبطولتي الأندية الأوروبية لكرة القدم، فضلا عن كون المنتخب الإسباني ما زال بطل أوروبا والعالم حاليا، يثير دهشة من طرف ما، وهو زاوية الاقتصاد؛ فمعروف أن إسبانيا، وفقا للمتابعات والتقارير، تعتبر من أقوى الدول المهددة بالدخول في انكماش وركود مالي، وبالتالي أزمة اقتصادية على غرار ما تعرضت له اليونان، وهو ما يتهدد البرتغال ودولا أوروبية أخرى في أعنف ضائقة مالية تمر بها القارة العجوز منذ أزمة ما بعد الحرب الكونية الثانية.

وإذا كانت ديون الأندية الإسبانية أمام المالية العامة تبلغ 752 مليون يورو، وعطفا على واقع الحالة الاقتصادية للبلد، فإن المرء ليحار ويقف متأملا وهو يتساءل عن سر هذا التفوق للأندية الإسبانية، حتى على أندية دول تعتبر هي الأقوى اقتصاديا على مستوى القارة، وفي المقدمة طبعا ألمانيا، فرنسا، بريطانيا.. لكن أندية هذه البلدان ذات الملاءة المالية والاقتصادات القوية، بالمقارنة مع الاقتصاد الإسباني، تبقى دائما خلف الأندية الإسبانية، ليس خلف العريقين ريال مدريد وبرشلونة فحسب، بل حتى تلك الأندية التي تسميها وكالة الأنباء الألمانية «أندية ما يعرف باسم (الطبقة المتوسطة)» أعلنت عن نفسها في الدوري الأوروبي؛ حيث تأهلت فرق بلنسية وأتلتيكو بلباو وأتلتيكو مدريد، وإذا أردنا أن نبرر هذا التفوق على الرغم من الظرف الاقتصادي الصعب، بفكر إداري متجاوز، فليس هناك ما هو جدير بالاحترام على مستوى العالم كالفكر الألماني، إذن يمكن أن نستبعد هذا الفرضية، لنبحث عن مبررات وأسباب أخرى.

أذكر أن شخصية إسبانية رياضية زارت السعودية قبل فترة، أشار إليها، وقال ناصحا السعوديين: «ابتعدوا عن إثارة المشكلات والانشغال بها إن أردتم تطوير الرياضة»، أو هكذا قال.

أي أن الاقتصاد وحده لا يمكن أن يصنع تفوقا، أو أن المال إن توافر ولم تتوافر العقلية التي تجيد تصريف هذا المال، لا تنتظر نتائج جيدة، خاصة إن طغت المشكلات، وكثر اللت والعجن والإحن وكل ما يحرق الأعصاب ويشل التفكير التسليم، ولك أن تتخيل على المستوى المحلي عدد الأندية التي توافرت لها الملايين على مدى سنوات، لكنها ظلت تتخبط، ولم تفلح في تقديم ذاتها بما يوازي إمكاناتها المادية، وذلك ربما لشح وندرة في إمكاناتها الفكرية الخلاقة، على مستوى الأفراد الذين يديرون هذا النادي أو تلك المنشأة أو المؤسسة الرياضية.

وإذا ذكرك أحدهم بمقولة الأميركيين الشهيرة: «إنه الاقتصاد يا غبي».. يمكنك أن ترد ببرود تام وبقلب ملآن: «عندهم، وليس عندنا يا....».