استغلال الأطفال من مظاهر زيادة الثروة في الهند

أدى تزايد عدد أفراد الطبقة الوسطى إلى زيادة الطلب على الخدم في المنازل

TT

كانت صرخات الفتاة منكسرة ومحبطة.. تطلع الجيران في المجمع السكني الذي يقع في الضواحي إلى الأعلى ورأوا طفلة تبكي طلبا للغوث من شرفة في طابق علوي. لقد كانت في الثالثة عشرة من عمرها وعملت كخادمة لزوجين ذهبا ليقضيا إجازة في تايلاند وأوصدا باب المنزل وهي في داخل شقتهما. وبعد نشوب حريق داخل الشقة تم إنقاذ الفتاة، ووصفت حياتها بحياة أشبه بالعبودية، على حد قول مسؤول في رعاية الأطفال. لقد باعها عمها إلى شركة توظيف باعتها بدورها إلى زوجين يعملان طبيبين. ولم تتلق الفتاة أي أجر، بل لم تكن تحصل إلا على الكفاف من الطعام وكانت تعاني من الضرب على أيديهما إذا لم تكن عند حسن ظنهما، على حد قولها. وكانا يستخدمان كاميرات المراقبة للتأكد من عدم حصولها على قدر أكبر من الطعام. وتشهد الهند ارتفاعا في نسبة العمالة بين الأطفال مقارنة بأي بلد آخر في العالم، حيث يعد عمل الأطفال والاتجار بالبشر من مظاهر الفقر، الذي يضطر الأسر الفقيرة إلى بيع أبنائها لسوق العمل وينتهي الحال ببعضهم للعمل بائعات هوى أو عمال.

مع ذلك تذكرنا حالة الخادمة الأسبوع الماضي بأن استغلال الأطفال من مظاهر زيادة الثروة في الهند، حيث أدى تزايد عدد أفراد الطبقة الوسطى إلى زيادة الطلب على الخدم في المنازل الذي يكونون عادة من الأطفال. وتنشر الصحف الهندية، التي تعد صوت الطبقة الوسطى، مقالات عن هذه القضية في الصحف. مع ذلك هذه ليست قضية جديدة، حيث قالت فتاة من نيبال تبلغ من العمر 11 عاما وتعمل خادمة، إنها تعرضت للضرب بنشابة من صاحبة المنزل، بحسب تقرير الشرطة.

ولا يتضمن القانون الهندي أي بنود تحمي هؤلاء الأطفال، وعادة ما يكون الرأي العام خانعا في مجتمع يوجد لدى أسر الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى خادمة واحدة مقيمة على الأقل. ويقول رافي كانت، محام في مؤسسة «شاكتي فاهيني» التي تعمل في مجال مكافحة الاتجار بالبشر: «هناك طلب هائل كبير إلى حد يدعو الحكومة إلى سن تشريع والكف عن النصح بعدم عمل الأطفال والتحاقهم بالمدارس».

ويبلغ عدد العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاما 12.6 مليون، ويعمل 20 في المائة منهم في المنازل، بحسب إحصاءات منظمة العمل الدولية، في حين يبلغ عددهم، بحسب تقديرات المنظمات الأخرى، 45 مليونا أو أكثر. وصرحت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة بأن نسبة العمالة بين الأطفال في الهند هي الأكبر على مستوى العالم. ويأتي الكثير من هؤلاء الأطفال من الولايات الفقيرة في الهند سواء من خلال شركات التوظيف أو الاختطاف. وتم تسجيل اختطاف 32 ألف طفل عام 2011، بحسب إحصاءات الحكومة للجرائم. وتوضح مالا بهانداري، مديرة الخط الساخن لعمالة الأطفال، أن اتجاه الهند نحو التحضر وارتفاع عدد الأسر التي لها مصدرا دخل أدى إلى تزايد الطلب على الخدم في المنازل. ويعد الأطفال عمالة أرخص من البالغين، حيث تقول بهانداري إن الأسرة قد تدفع لطفل 40 دولارا شهريا، أي أقل من أجر البالغ بمقدار النصف، هذا إن تقاضوا أجرا بالأساس. وطبقا للقانون الهندي يعد الشخص الذي أقل من 18 عاما من الأحداث، لكن هناك ثغرة في قانون عدالة الأحداث لعام 2000، حيث يتم السماح للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاما بالعمل لعدد ساعات أقصاه ست ساعات يوميا، شريطة ألا يكون العمل خطرا. ويحظر على الأطفال ممن هم دون الرابعة عشرة العمل كخدم في المنازل، لكن لا يتم الالتزام بهذا. ويجب على أصحاب العمل تقديم أوراق تفيد بحصول الأطفال على فترات الراحة اليومية خلال أيام العمل رغم تجاهل أكثر الأسر مثل هذه الأمور لغياب تطبيق القانون. وتقول بهانداري، التي تقر بوجود الانتهاكات وإن لم تكن سائدة: «لا أحد يعلم ما يحدث بين الأربعة جدران».

ويعمل ملايين في قطاع الخدمة في المنازل وأكثرهم من البالغين. وكثيرا ما يحيط بأثرياء الهند الخدم والسائقون والمعاونون الآخرون، حيث يعمل لدى موكيش أمباني، رجل الصناعة وصاحب المليارات، المئات من الخدم في ناطحة السحاب في مومباي عاصمة الهند المالية، مع بعض الخدم الذين تدربوا في أفخر فنادق الهند. ولدى بعض الأسر الهندية التي تعيش في الخارج خدم، حيث كسبت خادمة في نيويورك الشهر الماضي قضية تعويض قدره 1.5 مليون دولار من دبلوماسية هندية وزوجها بسبب إساءة معاملتها.

عادة ما يتشكل موقف المجتمع من الخدم من القيم الراسخة الخاصة بالطبقة الاجتماعية. وينتمي الكثير من الخدم، خاصة الأطفال، إلى أسر فقيرة من الهندوس أو القبائل، وأكثرهم من ولايات فقيرة مثل جهارخاند وتشاتيسغار وغرب البنغال. وحذر سانتوش ديساي، كاتب عمود في صحيفة «تايمز أوف إنديا» وهي أكبر الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية توزيعا، في فبراير (شباط) الماضي، من ترهل الطبقة العليا والوسطى بسبب الاعتماد على العمالة الرخيصة في المنازل وهو ما ينم عن الاعتقاد الخاطئ بأن الانتماء إلى طبقة عليا يجعل من حق أفراد الطبقة النظر للطبقات الأدنى بتعال. وكتب: «لم يكن أحد منا يحلم بأن يوصل أبناء شخص آخر بالسيارة إلى المدرسة أو يغسل ملابسهم عندما يكبر». صُدمت الأسرة، التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى والتي كانت تعمل لديها الفتاة ذات الـ13 ربيعا في دواركا من المعاملة التي تتلقاها الفتاة في مأوى حكومي للسيدات. وبعد أن تم إنقاذها، أجرت مقابلة مع مستشارين في «شاكتي فاهيني». وقالوا إنها أخبرتهم بأنه كان عليها تنظيف عيادة الزوجين أيضا وتعرضت لانتهاكات، فأحيانا كانا يفحصان الصور التي كانت تلتقطها كاميرات المراقبة ويضربانها إذا وجدا ما لا يسرهما. وقالت إنها حصلت ذات يوم على وجبة مكونة من قطعتي خبز. ولم تؤكد الشرطة بداية الأسبوع الحالي وجود كاميرات في الشقة. وقال راج مانغال براساد، أحد المسؤولين في رعاية الأطفال في نيودلهي، إن الحكومة لم تستعد لشن حملات أمنية للبحث عن الخدم الذين لا يعملون بشكل قانوني. ويرى أنها إذا شنت مثل تلك الحملات سيتم اكتشاف آلاف الحالات في العاصمة فقط. وبحسب تقديراته يعمل واحد من كل 20 خادما في المنازل دون السن القانونية، وأوضح قائلا «الأمر واضح كالشمس».

بحسب ما أفادت الشرطة، تم القبض على الزوجين اللذين كانت الفتاة تعمل لديهما، وهما سانجاي فيرما وسوميتا فيرما، يوم الأربعاء بعد عودتهما إلى الهند ولا يزالان رهن الاعتقال. ووجهت إليهما الشرطة تهما بانتهاك قانون عدالة الأحداث وقانون حظر عمال الأطفال وقانون التنظيم، فضلا عن مخالفات أخرى للقانون الجنائي. ونفى المحامي الذي يتولى الدفاع عنهما تلك الاتهامات في إحدى الجلسات. مع ذلك قال كانت، محامي «شاكتي فاهيني»، إن المحاكم نادرا ما تصدر حكما صارما في مثل تلك الحالات. وأضاف: «هناك شعور عام بحاجتنا إلى هؤلاء. لا يتم التعامل بجدية مع تلك الحالات، فلا أحد يهاب القانون».

* خدمة «نيويورك تايمز»