الكرادة الشرقية قلب بغداد النابض ترفض إطفاء أنوارها

تشهد مهرجانات يومية للتسوق ومحطة مميزة لترفيه الشباب

عراقيون يتسوقون ليلا من باعة الرصيف في منطقة الكرادة وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

لا تزال منطقة الكرادة الشرقية وسط بغداد، واحدة من أهم الأماكن التي حافظت على تميزها وخروجها عن المألوف رغم كل ما مر بها من ظروف أمنية صعبة، أجبرت غيرها على إطفاء أنوارها والنوم باكرا، في حين حافظت هي على نورها وزينتها وصخبها كأنها خارج نطاق العاصمة، وصارت اليوم مقصدا لكل زائر ينوي التعرف على وجه بغداد القديم والجديد معا.

ولعل موقعها الحيوي هو أجمل ما فيها، قبالة الجانب الشرقي لنهر دجلة لتطل عليه من جانب الرصافة، ومن هنا استمدت اسمها (الكرادة الشرقية) تمييزا لها عن منطقة كرادة مريم الواقعة في الكرخ، إضافة إلى شوارعها المميزة التي ارتبطت في ذاكرة العراقيين بحوادث مميزة ومهمة خلال سنوات خلت.

يقول الحاج فالح محمد أمين، صاحب أشهر محل لبيع الفلافل يحمل اسم صاحبه» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن أهم شارع في منطقة الكرادة هو شارع الكرادة داخل، الذي كان يعرف بشارع المهدي، وفيه تنتشر أقدم المحال التجارية التي ارتبطت بذاكرة الناس مثل «جبار أبو الشربت»، الذي ما زال يقدم خدماته لمرتاديه بعد مضي أكثر من ثلاثين عاما، ويشهد الشارع زحاما يوميا بسبب تنوع البضائع المعروضة فيه واعتدال أثمانها، إضافة إلى بقاء معظم سكانها الأصليين فيها مما جعلها منطقة آمنة لا يدخلها غريب.

وعن سر اسمها، قال: «تنوعت الحكايات التي أوردت ذلك، لكن الشائع أن اسمها جاء نسبة إلى آلة سقي المزروعات، التي جمعها الكرود، حيث كانت الكرادة الشرقية عام 1917 عند دخول الإنجليز قرية صغيرة فيها بضعة قصور لأثرياء بغداد والباقي دور للفلاحين، وكان أهل الكرادة يسقون بساتينهم بالكرود، فسميت قريتهم الكرادة».

وسيجد المار في شارعها الرئيسي اليوم صعوبة في اختراقه، أو إكماله بوقت قصير، بسبب افتراش أصحاب البسطيات لأرصفتها وهم يعرضون شتى أنواع البضائع والملابس المستوردة وألعاب الصغار التي يتقاطر عليها الزبائن من كل أنحاء العاصمة في مهرجانات يومية للتسوق وعروض مغرية للمطاعم التي جددت هي الأخرى ثيابها وزينتها وزادت من يافطاتها التي ترحب بالزائرين، وإنشاء عدد كبير من الكافيتريات والمقاهي المخصصة للشباب، وهي تحرص على تقديم كل مستلزمات تسليتهم وراحتهم، حتى غدت المتنفس الترفيهي الوحيد لهم في العاصمة بغداد.

الشاب محمد نجم، صاحب محل لبيع الزهور والشتلات الطبيعية، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن «حركة السوق وبقاءها حتى ساعة متأخرة من الليل شجع الكثيرين على فتح محال متنوعة في وقت تعاني فيه من الكساد في مناطق أخرى». وأضاف: «لمست إقبال الناس على شراء الزهور والنباتات الصناعية والطبيعية بعد التحسن الأمني النسبي ورغبتهم بإضافة لمسات جميلة على منازلهم ومحال عملهم».

لكنه شكا من جولات بلدية المنطقة التي تقوم بنسف كل بضاعتهم المعروضة أمام المحال بحجة تجاوزها على الرصيف «رغم أننا ننثر الجمال فيه»، كما يقول.

سكان منطقة الكرادة يعزون سر تميزها إلى عدم انجرافها وراء أتون العنف الطائفي، الذي مزق غيرها من مناطق بغداد، كما تقول الحاجة نصرت أمين، أحد سكانها القدامى، وتضيف في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن «المنطقة بقيت خيمة كبيرة لكل العراقيين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم على الرغم من هجمة الإرهاب عليها، ولم تشهد أي عملية تهجير بل إنها شهدت نزوح المهجرين إليها»، وهي تعزو سبب ازدهارها إلى رئيس مجلسها البلدي وابن المنطقة المهندس محمد الربيعي، الذي كان له دور مهم في إعادة إعمار المدينة من الخراب الذي طالها وبث الروح فيها عبر الاهتمام بواقعها الخدمي والجمالي، وقبلها السيطرة على واقعها الأمني من أي اختراق أو تشويه.