مطالب بتطبيق التأمين الطبي على السكان وخصخصة الخدمات

مختصان يطرحان حلولا لتطوير النظام الصحي السعودي

الطب الشعبي كان سائدا في بداية تأسيس الدولة السعودية وفي الصورة العلاج بالحجامة من خلال شفط الدماء
TT

طالبت دراسة منهجية تحليلية عن النظام الصحي السعودي، بإقرار نظام معلومات صحي حديث يغطي جميع الخدمات الصحية؛ لتسهيل صنع القرار في المجال الإداري والمالي لخدمة هذا القطاع، مشددة على أن المهم في عملية تطوير النظام الصحي أن تكون متواصلة وتخضع باستمرار للتعديل والتصحيح وفق أسس علمية مدروسة، مع ضرورة إيجاد مركز أو معهد متخصص لإدارة الخدمات الصحية واقتصادياتها، يقدم المشورة لتحقيق هذا التطوير.

وجاءت هذه المطالب في وقت توقعت فيه الدراسة أن يصل عدد أسرَّة المستشفيات في 2014م، مع نهاية الخطة الخمسية التاسعة، إلى ما يقارب 85 ألف سرير، بدلا من 35 ألف سرير حاليا، مما يرفع معدل الأسرَّة للسكان، الذين يبلغ عددهم في العام نفسه زهاء 28.5 مليون نسمة، إلى 3 أسرَّة لكل ألف من السكان، بدلا من المعدل الحالي المسجل بـ2.2 سرير لكل ألف، إضافة إلى قيام وزارة الصحة بإنشاء 1460 مركزا صحيا لإحلال مراكزها المستأجرة والمتهالكة، وإنشاء مختبر صحي وطني بمدينة الرياض تجرى به مختلف الاختبارات والفحوص الصحية الدقيقة.

وأبرزت الدراسة التي قدمها كل من الدكتور عثمان بن عبد العزيز الربيعة والدكتور فالح زيد الفالح، وهما من دخلا المجال الطبي ممارسة وإدارة، وشاركا في إعداد الكثير من الأنظمة واللوائح الصحية، وقدما بحوثا لمشاريع صحية لافتة - الصعوبات والتحديات التي تواجه النظام الصحي السعودي، ومن أهمها الوصول إلى رؤية إدارية عملية في إدارة الخدمات الصحية، والوصول أيضا إلى رؤية عملية مرنة للتمويل تعكس الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والديموغرافية، وإيجاد توازن بين الأطراف المهمة في أي عملية تطوير، وهي: الأطراف السياسية، والأطراف الإدارية، والأطراف المهنية الفنية، ودور المجتمع، مشددة على أن أي تطور مستقبلي لهذا النظام هو نتاج مفاصلة وتفاعل بين هذه الأطراف، كما أن أي عملية تغيير أو تطوير لأي نظام صحي يجب أن تتم بشكل تدريجي.

أما التحدي الثاني الذي يواجه النظام الصحي السعودي فيتمثل في الكيفية التي يتم بها التحول بشكل صحيح وسلس، من تمويل الدولة المركزي الكلي للخدمات الصحية إلى إدخال خيارات مهمة في التمويل، على رأسها التأمين كما هو منصوص عليه في مواد النظام الصحي السعودي، والوصول إلى تطبيق صحيح وعملي وميسر للتأمين، ليحل محل التمويل المباشر من الدولة، وتحديد الخدمات التي لا بد من استمرار الدولة في تمويلها، وربما أيضا تقديمها.

واعتبرت الدراسة أن التحدي الثالث يتمثل في تعزيز التنسيق والتكامل بين الخدمات الصحية الحكومية، وخاصة مع وزارة الصحة، ثم بين هذه مجتمعة، وبين خدمات القطاع الخاص، والاحتفاظ بدور الدولة، ممثلة بوزارة الصحة، كمسؤولة عن ضمان جودة وعدالة وسهولة الوصول للخدمات الصحية، والتأكد من أدائها بشكل آمن وسليم لجميع المواطنين والوافدين.

أما التحدي الرابع الذي يواجه النظام الصحي فهو تدني نسبة المؤهلين من الممارسين الصحيين السعوديين، وخاصة بين الأطباء، مع تزايد الحاجة لهؤلاء. وتزايد الصعوبة في التعاقد مع هذه الفئات، وبالأخص المميزة منها، وزيادة المنافسة عليها، ويتبع هذا ضرورة تحسين وتطوير البيئة الإدارية في المؤسسات الصحية، بما في ذلك إيجاد نظام للحوافز عادل ومرن.

وجاء التحدي الخامس منطلقا من الإسراع بإيجاد نظام معلومات صحي حديث يغطي جميع الخدمات الصحية؛ لتسهيل صنع القرار في المجال الإداري والمالي والمهني، وكذا تسهيل التنسيق بينها.

ورأت الدراسة أنه على الرغم من هذه التحديات فإنه يمكن التغلب عليها إذا توافرت الإرادة السياسية والإدارية، معتبرة أن المهم في عملية تطوير النظام الصحي هو الإيمان بأن هذا التطوير عملية متواصلة تخضع باستمرار للتعديل والتصحيح، ولكن على أسس علمية مدروسة. الأمر الذي يستدعي إيجاد مركز أو معهد متخصص في إدارة الخدمات الصحية واقتصادياتها يقدم المشورة العلمية المستقلة لصانعي القرار في الخدمات الصحية، مستلهما خبرة الستين سنة الأخيرة، ومستفيدا من التجارب العالمية في إدارة وتقديم وتمويل الأنظمة الصحية, بحيث يشكل هذا المركز المرجعية الفكرية لهذا النظام مهما تغير المسؤولون في الخدمات الصحية، مما يسمح بنشوء تراكم معرفي محلي لأسلوب التمويل والإدارة.

وأعادت الدراسة أبرز ملاح الاستراتيجية الجديدة للرعاية الصحية في السعودية، والمتمثلة في: إيجاد روافد تمويل جديدة لمساندة التمويل عن طريق ميزانية الدولة، وذلك من خلال تطبيق التأمين الصحي على كل شرائح المجتمع، وتحصيل إيرادات مباشرة من بعض الخدمات، وتشجيع المساهمة الأهلية عن طريق التبرعات والأوقاف، وأخيرا العمل على ترشيد الإنفاق واحتواء التكاليف، وتطوير نظام المعلومات الصحية، والتوسع في استخدامها في جميع القطاعات والمرافق الصحية، والربط الشبكي بينها، والعمل على توحيد الملف الصحي للمريض، وإجراء الدراسات والبحوث لخدمة تحسين الوضع الصحي ورفع مستوى الأداء، وتنمية القوى العاملة وتطويرها، وسعودة الوظائف الصحية، مع تحسين أساليب توفير وتطوير القوى العاملة وتوحيد الوصف الوظيفي، ورفع كفاءة الأداء ونظم الإدارة والتشغيل عن طريق انتهاج أسلوب اللامركزية في التنفيذ والإدارة الذاتية، وإدارة الجودة، وإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وتملك بعض المستشفيات، وتحقيق مبدأ الفصل بين مشتري الخدمة ومقدمها.

كما تضمنت أبرز ملامح هذه الاستراتيجية تركيز وزارة الصحة على دورها الإشرافي والرقابي، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية، والخدمات الوقائية، وضمان توفير المعدلات الكافية من الخدمات الصحية لجميع الفئات السكانية، مع قيام كل جهة صحية بدورها المحدد حسب أهداف الجهاز الذي تنتمي إليه، والاستفادة المشتركة من الخبرات والإمكانات، وتفعيل دور القطاع الخاص واعتباره موازيا ومتكاملا مع دور الدولة في تمويل وتشغيل وتقديم الخدمة الصحية، وفي تطوير وتأهيل القوى العاملة والاستفادة المشتركة من بعض الإمكانات، وتعزيز الصحة بمفهومها الشامل من خلال ضمان توفير وتطوير أنشطة الرعاية الصحية الأولية وتأكيد دورها المحوري في النظام الصحي، مع تحسين بنيتها التحتية وأنظمة إدارتها، وتعزيز مجال خدماتها لتشمل جميع الشرائح الاجتماعية، ورفع كفاءة الخدمات الإسعافية إلى أقصى حد ممكن في كل الظروف وفي جميع المناطق، وتنظيم وتنسيق التعاون والتكامل في التعامل مع حالات الطوارئ، والعمل على دعم جمعية الهلال الأحمر بما يكفل قيامها بدورها الريادي. وحملت الاستراتيجية الصحية ملامح توفير وتطوير الرعاية العلاجية والتأهيلية بمستوياتها المختلفة، والخدمات الصحية المرجعية في كل المناطق، والعمل على التوزيع المتوازن للخدمات الصحية جغرافيا وسكانيا بما يضمن العدالة وتيسير الحصول عليها.

وأكدت الدراسة أنه خلال مدة تقارب الثمانين عاما لم يصدر من التشريعات التي تنظم هيكلية الخدمات الصحية إلا نظام مصلحة الصحة العامة والإسعاف عام 1345هـ، ومرسوم إنشاء وزارة الصحة عام 1370هـ، لذلك جاء النظام الصحي الجديد بعد فراغ استمر ما يزيد على خمسين عاما، مواكبا للمعطيات المستجدة في مجال توفير وتقديم الخدمات الصحية، موضحا أبرز مكونات هذا النظام الذي أكد في تعريفه للرعاية الصحية أن توفيرها لا يعني بالضرورة تقديمها من الدولة مباشرة. وهذا المبدأ مهم؛ لأنه يفسر ما كانت تعنيه المادة 31 من النظام الأساسي للحكم، التي تنص على أنه «تعنى الدولة بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن»، كما أنه يمهد لمفهوم الفصل بين تقديم الخدمة وتمويلها أو شرائها ومراقبة أدائها.

وحدد النظام هدفا عاما يتمثل في تحقيق التغطية الشاملة الكاملة بالرعاية الصحية بطريقة عادلة وميسرة. كما حدد التزامات الدولة عموما في شأن الصحة العامة للمجتمع، وحدد الفئات الاجتماعية المعرضة أكثر من غيرها للمخاطر الصحية، وواجب الدولة في توفير الرعاية الصحية بالطريقة المناسبة وهي فئات.

وحدد اختصاصات وزارة الصحة، لا سيما من حيث ضمان توفر التغطية بالخدمات الصحية وحماية المجتمع من الأمراض الوبائية، كما أوضح صلاحيات ومسؤوليات مديريات الشؤون الصحية في المناطق بما يكفل المرونة والفعالية، وعرّف المستوى الأول في نظام الرعاية الصحية وواجباته؛ بحيث يشمل المركز الصحي وما في حكمه في القطاع العام والخاص، ونص النظام على مبدأ التنوع في مصادر تمويل الخدمات الصحية بذكر طرق التمويل التي تتمثل في ميزانية الدولة، وإيرادات الضمان الصحي التعاوني، وموارد أخرى: مثل الأوقاف والتبرعات وغيرها، وذلك في مادته العاشرة، وتتضح أهمية هذه المادة في إقرار مبدأ المشاركة في توزيع أعباء الإنفاق الصحي حتى على الخدمات الصحية الحكومية من مصادر مختلفة غير ميزانية الدولة، كما أفسح النظام المجال للتخصص في إدارة وتملك المرافق الصحية الحكومية بما تضمنته المادة الحادية عشرة من جواز تحويل ملكية بعض مستشفيات الوزارة إلى القطاع الخاص. وقد أوضحت اللائحة التنفيذية للنظام أن ذلك يشمل نقل الملكية بالبيع أو التأجير أو إنشاء شركات مساهمة أو مؤسسات عامة.

وركزت الدراسة على أبرز إرهاصات التحول أو التوجه نحو التغيير فيما يتعلق بالنظام الصحي في السعودية من خلال النظام الصحي التعاوني والنظام الصحي بشكل عام، موضحة أن المرحلة الحاضرة من تطور النظام الصحي دخلت بعلامة فارقة؛ فقد صدر في العام 1420هـ نظام الضمان الصحي التعاوني، بعد دراسات طويلة قامت بها وزارة الصحة، ومناقشات مضنية في هيئة الخبراء انتهت بإحالة مشروع النظام إلى مجلس الشورى في دورته الأولى 1414هـ-1418هـ، ثم أقره المجلس بعد دراسات مستفيضة أيضا في بداية دورته الثانية، ورفعه إلى مجلس الوزراء حيث صدر به المرسوم الملكي رقم 2/ 10 وتاريخ 1-5-1420هـ، وكانت أولى تطبيقات هذا النظام تشكيل مجلس الضمان الصحي التعاوني من ممثلين للوزارات الحكومية ذات العلاقة، وممثلين لشركات التأمين والقطاع الخاص. وانحصرت مهمة المجلس في بداية عمله في وضع اللائحة التنفيذية للنظام، ومع أن تطبيقه الفعلي لم يبدأ إلا في عام 1427هـ - كما نبين فيما بعد - فإن صدور النظام كان إيذانا بدخول مرحلة جديدة من مراحل تطور النظام الصحي تختلف عما سبقها وتؤكد التوجه نحو التغيير والتحول، مستفيدة من تجارب وعثرات المراحل السابقة.

وكان العامل الأكثر تأثيرا في التعجيل بإخراج نظام الضمان الصحي هو عامل التمويل؛ فقد دلت التجارب المريرة التي مرت بها الخدمات الصحية خلال سنوات الانخفاض في ميزانية الدولة على أن الاعتماد على مصدر وحيد لتمويل الخدمات الصحية (في هذه الحالة ميزانية الدولة) يعرضها للأزمات، وأن فئات من المستفيدين لا بد أن تشارك في تحمل نفقات الرعاية الصحية؛ لذلك صدر النظام هادفا في البداية لتنظيم توفير الرعاية الصحية للمقيمين غير السعوديين وأسرهم، وملزما أصحاب العمل (الكفلاء) بالاشتراك لصالح منسوبيهم في برنامج للضمان الصحي، ثم أصدر مجلس الوزراء في عام 1423هـ قرارا بشمول الضمان الصحي للعاملين السعوديين في القطاع الخاص وأسرهم، ولكي يضمن النظام فعالية التطبيق فقد ربط منح الإقامة للمقيم غير السعودي بشرط الاشتراك في الضمان الصحي، وحيث إن النظام نص على أن تتولى القيام به شركات أهلية على غرار الشركة الوطنية للتأمين التعاوني التي كانت مرخصة منذ عام 1398هـ، فقد كان من أسباب تأخير التطبيق وضع أساس تشريعي للتصريح لشركات التأمين بصفة عامة، وهو ما تحقق بصورة النظام المسمى «نظام مراقبة أعمال التأمين» في عام 1424هـ، وقد وضع هذا النظام اختصاص الترخيص لشركات التأمين في مؤسسة النقد العربي السعودي لكون شركات التأمين شركات مالية، ولكنه بالنسبة للتأمين الصحي نص في مادته الثانية على الأخذ في الاعتبار نظام الضمان الصحي التعاوني. وبناء على ذلك يبقى لمجلس الضمان الصحي اختصاص تأهيل شركات التأمين الصحي واعتماد المرافق الصحية التي تقدم خدمات الضمان والإشراف على آليات التطبيق، وخاصة ما يتعلق بالعلاقة بين أطراف عملية التأمين. ومتابعة قيام أصحاب العمل بتسجيل المؤمن عليهم من المقيمين غير السعوديين وفق المراحل الثلاث التي حددتها اللائحة التنفيذية للنظام، وهي المرحلة الأولى لأصحاب العمل الذين لديهم أكثر من 500 عامل، والمرحلة الثانية لأصحاب العمل الذين لديهم بين 100 و500 عامل، والمرحلة الثالثة لأقل من مائة عامل. وتدخل في ذلك جميع الشركات الصغيرة والمؤسسات الفردية وأرباب الأسر، ولأن تطبيق النظام في أول أمره فهو يواجه ما يواجهه أي تحول جديد من صعوبات ناشئة عن حداثة خوض التجربة، وعن تردد أصحاب العمل في قبول هذا الالتزام الجديد، أو تحايل بعضهم عليه عن طريق إبرام عقود صورية مع شركات التأمين بهدف الحصول على رخصة الإقامة، وعن مدى التزام كل من شركات التأمين ومرافق الخدمة الصحية باحترام حقوق المؤمن لهم، ومدى فاعلية جهاز مراقبة التطبيق، ومدى توفر البنية التحتية اللازمة في المرافق الصحية، وخاصة الحكومية التي تتعامل للمرة الأولى مع برامج التأمين (القوى العاملة المدربة، نظام المعلومات) وإمكانية التحول السريع من النظام اليدوي (الورقي) إلى النظام الإلكتروني (الرقمي) في المعاملات، وهذه نقاط أشار إلى بعضها تقرير للبنك الدولي تم إعداده لوزارة الصحة عام 2005م، والبنك الدولي نفسه لم يكن متحمسا لشمول المواطنين السعوديين بنظام الضمان الصحي، بل رأى أن التغطية الحالية بالخدمات الصحية الحكومية مثالية؛ لأنها تضمن التوزيع العادل وشمولية المنافع، واقترح بدلا من ذلك النظر في تحسين الموارد عن طريق إضافة رسوم على التبغ، مثلا، لصالح الرعاية الصحية، وكذلك ترشيد الإنفاق، وتعظيم كفاءة الأداء. ولأن مصدر الميزانية واحد، مع اختلاف في الحصص للجهات الصحية المختلفة، فقد اقترح البنك في تقريره المشار إليه إنشاء صندوق عام موحد لشراء الخدمات الصحية يوزع الموارد المالية على الجهات الصحية الحكومية.

على أن البنك لم يأخذ في الاعتبار ضمان تدفق الاعتمادات المالية من خزانة الدولة خلال العشرين سنة المقبلة، وعدم تكرار التجربة السابقة.

وذكرت الدارسة أن بعض إرهاصات التحول في واقع النظام الصحي في السعودية تمثلت في الدراسة التي طالت النظام الصحي، بشكل عام، بعد أن خضع للدراسة والمناقشة سنوات طويلة بدأت في وزارة الصحة منذ عام 1405هـ، عندما قدم وكيل وزارة الصحة للتخطيط والتطوير في ذلك الوقت، الدكتور جميل الحبشي، مشروع استراتيجية صحية ركزت على مبدأ الإدارة الذاتية والتخصيص في إدارة وتشغيل المرافق الصحية، وتحديد أدوار الجهات الفاعلة في تقديم الخدمات الصحية (وزارة الصحة - القطاعات الصحية الحكومية الأخرى - القطاع الخاص). وربما لم يكن الظرف مناسبا آنذاك لفهم هذا التحول الجذري، لذلك اتجه الفكر إلى حل وسطي يتمثل في إعداد مشروع نظام صحي يأخذ في الاعتبار المعطيات المستجدة في الإدارة الصحية، والتوجهات الحديثة في التمويل والتشغيل، وأرسلت وزارة الصحة مشروعها إلى هيئة الخبراء في عام 1412هـ، ولكن اللجنة العامة بمجلس الوزراء رأت إعطاء الأولوية في البحث لمشروع الضمان الصحي التعاوني الذي سبقت الإشارة إليه. ولما كان مجلس الشورى الذي تم تشكيله في عام 1414هـ في دورته الأولى يضم نخبة من الأطباء والمتخصصين السعوديين الذين عملوا في المجال الصحي فترة ليست بالقصيرة، ويدركون «الهم الصحي»، فقد اقترحوا على المجلس مشروع نظام يحدد الهيكل العام للنظام الصحي في المملكة، من حيث الإدارة والتشغيل والتمويل، وهكذا فإنه عند إحالة مشروع النظام الصحي الذي أعدته وزارة الصحة إلى مجلس الشورى كانت اللجنة الصحية بالمجلس قد شرعت في إعداد مشروع مماثل، لذلك تم دمجهما في مشروع واحد أقره المجلس في دورته الثالثة، ثم أقره مجلس الوزراء وصدر بمرسوم ملكي في عام 1423هـ.

وتضمن النظام الصحي إنشاء مجلس للخدمات الصحية، والمجلس المركزي لاعتماد المنشآت الصحية، والشركة الوطنية للشراء الموحد، وتحديد الأنظمة الصحية متمثلا في صدور نظام المؤسسات الصحية الخاصة، ونظام مزاولة المهن الصحية، ونظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية، وإنشاء الهيئة العامة للغذاء والدواء، وصدور نظام الإخصاب والأجنة وعلاج العقم، وتنمية الكوادر الصحية، من خلال التنظيمات المتعلقة بحواز الكوادر الصحية، بصدور التنظيمات المنظمة لتعاون أعضاء هيئة التدريس مع القطاع الخاص، وتنظيم عمل الاستشاريين في عيادات خاصة داخل مؤسساتهم، ومحاولات تقليص الفوارق وتحسين الحوافز، كما تضمنت آليات التطوير والتغيير في النظام الصحي، دعم برامج السعودة، حيث شهدت هذه المرحلة الترخيص للقطاع الخاص بفتح معاهد صحية تقبل خريجي الثانوية، وتحويل المتبقي من المعاهد الصحية التابعة لوزارة الصحة إلى كليات صحية متوسطة، وإنشاء كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم الطبية التطبيقية خارج نطاق وزارة التعليم العالي، حيث أنشأت وزارة الصحة كلية للطب بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض، وأنشأ القطاع الخاص كلية للطب في جامعة الفيصل بالرياض، وكلية طب ابن سيناء بجدة، وكلية طب الأسنان والصيدلة بالرياض، كما أنشأ الحرس الوطني كلية للطب والتمريض والأسنان والعلوم الطبية التطبيقية والصحة العامة، والمعلوماتية الصحية بجامعة الملك سعود للعلوم الصحية، كما تم في وزارة الدفاع تحويل الكلية الصحية المتوسطة العسكرية إلى كلية صحية، وإنشاء كليات للطب في القصيم والهفوف وجازان والطائف، وفي تبوك وحائل والجوف والخرج ونجران وعرر، كما أنشأت جامعة الإمام كلية للطب في الرياض، وكليات لطب الأسنان في أبها والمدينة المنورة والجوف ونجران والخرج، وكليات للصيدلة في جدة وأبها ومكة المكرمة والمدينة المنورة والقصيم والطائف والخرج ونجران، وكليات للعلوم الطبية التطبيقية في كل من أبها ومكة المكرمة وجدة وتبوك وجازان والمدينة المنورة والقصيم والباحة ونجران والجوف والخرج والمجمعة والطائف وعرر، كما تم إنشاء كليات للتمريض في الدمام والرياض وأبها؛ ليصبح هناك كلية طب لكل مليون نسمة، وكلية لطب الأسنان لكل مليوني نسمة، وكلية للصيدلة لكل مليوني نسمة، وكلية علوم طبية تطبيقية لكل 1.5 مليون نسمة، وكلية تمريض لكل 3 ملايين نسمة، وكلية صحية متوسطة لكل 400 ألف نسمة، ومعهد صحي لكل 180 ألف نسمة.