تنامي نشاط عصابات منظمة بالقاهرة «لتخليص حقوق» المتخاصمين

استغلت حالة الانفلات لتحقيق مزيد من الأرباح

جنود الشرطة العسكرية يحمون مداخل البورصة المصرية بوسط القاهرة بسبب الانفلات الأمني بعد ثورة يناير «الشرق الأوسط»
TT

لا يقتصر الدخل الشهري لمحمد جابر على مرتبه في وظيفته الأساسية في شركة الأوراق المالية الخاصة التي يعمل بها منذ خمسة أعوام. جابر، الشاب القصير مفتول العضلات، ينخرط منذ مدة في عصابة «لتخليص الحقوق» بين المواطنين المتنازعين والمتخاصمين، نظير أجر. ويشير مسؤول أمني إلى أن تنامي نشاط مثل هذه العصابات بالقاهرة استغل حالة الانفلات الأمني منذ سقوط النظام السابق، العام الماضي، لتحقيق مزيد من الأرباح.

وفي مقهى راقٍ في ضاحية المعادي جنوب العاصمة، حيث يلتقي جابر بزبائنه، يتحدث جابر بفخر عن طبيعة عمله. يقول جابر الذي التقته «الشرق الأوسط»، وسط الضاحية الراقية التي يسكن فيها رجال أعمال وأمن وفنانون وسياسيون أيضا: «هذا عمل حلال.. أنا أعمل في الحلال فقط»، معتبرا نفسه وزملاءه في هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر مهمين لحل النزاعات بين المواطنين في هذه الظروف التي أصبحت فيها الشرطة مشغولة بتتبع المظاهرات، والمحاكم ليس لديها وقت للفصل في الخصومات.

ويستأجر أشخاص عصابات «التخليص» هذه من أجل استعادة حقوقهم. ويوضح جابر: «نعيد أموالا أو مقتنيات لشخص مظلوم وليس ظالما»، على حد قوله. ويضيف أن عصابات أخرى تنفذ عمليات إجرامية تشمل الخطف والقتل لأشخاص بمقابل مادي مرتفع للغاية. وبعد لحظة صمت يقول: «أنا أبتعد عن القتل».

ومنذ سقوط حكم الرئيس السابق حسني مبارك وصعود التيار الإسلامي للاستحواذ على أغلبية البرلمان والخلافات مستمرة بين البرلمان والحكومة، خصوصا وزارة الداخلية. وانتشرت في مصر منذ الانفلات الأمني العام الماضي حوادث الاستيلاء على أراضي البعض، وتأخر الشرطة أحيانا في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح البعض الآخر، إضافة إلى استمرار حوادث الاختطاف من أجل طلب فدية لكثير من رجال أعمال أو أقارب لهم أو فنانين ومشاهير وحتى أناس عاديين.

وأمام هذه الفوضى بين المتخاصمين بدأت تتشكل روابط أو عصابات من بعض المحترفين لتقديم خدماتهم في جلب الحقوق لأصحابها، بما فيها تنفيذ بعض الأحكام ضد الخصوم. ويقول جابر، الحاصل على شهادة جامعية: لآإن البعض قد يلجأ إلى العنف، ما يمكن أن يؤدي إلى سقوط قتلى، وبالتالي يتحول العمل إلى جريمة، وهذا ما أرفضه أنا وزملائي».

وسريعا أدى عمل هذا النوع الغريب على المجتمع المصري من العصابات إلى لفت انتباه الشرطة، التي تعتبره نشاطا إجراميا. ويقول ضابط مباحث مصري، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن الأزمة في مواجهة تلك العصابات تكمن في كون معظم أفرادها غير مسجلين في قوائم الأشقياء، ما يجعل ترصدهم عملية عسيرة، بالإضافة إلى أنها تقوم بعملياتها بشكل خاطف ومفاجئ، مضيفا أن «الأصعب أن الأهالي لا يبلغون الشرطة في كثير من الأحيان خشية تعرض ذويهم للخطر».

ويعود جابر ليقول: «لسنا بلطجية بالمعنى المعروف.. نحن شباب أقوياء نساعد في استرداد حقوق الناس ولا نؤذي أحدا». وتلتقي عصابة جابر بزبائنها الذين يريدون استرداد حقوقهم عبر وسيط. ويقول جابر: «مجموعتنا لها قائد على علاقة واسعة بالكثير من الوسطاء الذين يجلبون لنا عملياتنا»، مضيفا، عن عملية قام بها مؤخرا لاسترداد أموال تخص شخصية من الشخصيات المعروفة في الضاحية: «عادة ما يحصل الوسيط في مثل هذه العملية على مبلغ مادي.. أما بالنسبة لنا فنسبتنا قد تصل إلى 50% من قيمة الأموال المستردة، خصوصا إذا كانت العملية صعبة».

ومنذ منتصف الشهر الماضي وقع الكثير من وقائع الاختطاف والاستيلاء على أملاك الغير وغيرها من مثل هذه الحوادث التي تزيد من رواج «عصابات تخليص الحقوق»، ومن بين هذه الحوادث قيام تاجر ديوك باختطاف طفل عمره خمس سنوات، طمعا في الحصول على فدية قدرها 25 ألف دولار من والده التاجر في ضاحية المطرية شرق القاهرة. لكن المصادر الأمنية قالت إنها تمكنت من الوصول إلى الطفل المختطف وإعادته إلى ذويه قبل أن يتدخل أي طرف لابتزاز التاجر، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية تشجع المواطنين للإبلاغ عن حوادث الاختطاف، وعدم اللجوء إلى الوسائل الأخرى التي تعرض حياة المختطفين للخطر.

وتقول المصادر الأمنية في محافظة قنا جنوب القاهرة إن الشرطة ألقت القبض مؤخرا على خاطفي طفل بعد أن طلبوا فدية لإطلاق سراحه قيمتها 800 ألف دولار من والده تاجر المفروشات.

لكن بعض المواطنين ما زالوا يخشون إبلاغ الشرطة خوفا من تعرضهم للبطش، ويلجأون في المقابل لحل المشكلات بالاستعانة بالوسطاء. ومن هذه الحوادث ما وقع في ضاحية الخليفة بالقاهرة قبل يومين حين اختطف مسلحون سائقا وطلبوا من ذويه فدية قدرها 500 ألف دولار لإعادته، لكن الشرطة تدخلت حين علمت بالأمر، واكتشفت أن تجارا من أسيوط بجنوب مصر استأجروا بلطجية لاختطاف المجني عليه، بعد أن رفض سداد ما عليه من مديونيات لهم في الوقت المحدد.

ويرتدي جابر ملابس باهظة الثمن ويضع عطرا من الماركات الشهيرة. ويبدو من ثقته بنفسه أنه وزملاؤه حققوا أرباحا معقولة من عملياتهم قد تصل إلى ملايين الجنيهات. واستردت عصابات مماثلة لعصابة جابر أموالا لرجال أعمال مشهورين كانت في حكم الديون المعدومة لدى آخرين. وقامت عصابات أخرى من هذا النوع باسترداد قطعة أرض كان قد استولى عليها بعض المدعين.

ومن مواصفات أفراد نوع العصابات هذا أنها لا تضم عادة بلطجية محترفين، بل أفرادا عاديين يعملون في وظائف جيدة ومستقرة، لكنهم يتميزون بتكوين جسدي متميز وعلى دراية جيدة بالفنون القتالية تمكنهم من فرض سطوتهم وهيبتهم أثناء تنفيذ عملياتهم. ومن جانبه يختتم ضابط المباحث المصري تعليقه بالقول إنه مع عودة الأمن سريعا وبقوة إلى الشارع ومع شعور المواطنين بأن الشرطة جاهزة على مدار الساعة، سيختفي مثل هذا النشاط الغريب سريعا، خصوصا بعد انتخابات الرئاسة هذا الصيف.