بعد زيارة وفدين من اليمن ومصر: نقاشات حادة بين الفلسطينيين حول زيارة القدس

المؤيدون لها: هكذا نقوي مكانة القدس العربية والعالمية

TT

تشهد الساحة الفلسطينية هذه الأيام، نقاشات داخلية حادة، حول موضوع الزيارات التي تتم مؤخرا من بعض الدول العربية إلى المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة المشرفة في القدس الشرقية. فيرى المعارضون لهذه الزيارات، أنها تؤدي إلى تطبيع العلاقات بين الدول والشعوب العربية وبين إسرائيل، بينما يرى مؤيدو الزيارات أنها ضرورية لتعزيز الطابع العربي للقدس المحتلة. وقد انفجرت هذه النقاشات بشكل خاص في نهاية الأسبوع المنصرم، في أعقاب الزيارة التي قام بها وفد من شيوخ اليمن بقيادة الداعية الحبيب الجفري، وأخرى قام بها وفد من أقباط مصر وسبقتها زيارة لولي العهد الأردني في الأسبوع الأسبق. وقد وقف في مقدمة المنتقدين لهذه الزيارات، الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس المحتلة ومفتي الديار الفلسطينية الأسبق وخطيب المسجد الأقصى، حيث انتقدها بشدة وعاتب الداعية اليمني الحبيب الجفري، قائلا إن زيارته مدينة القدس والمسجد الأقصى تمت بتأشيرة وبتصريح من قبل سلطات الاحتلال، معتبرا أن ذلك «تطبيع وإقرار بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للمدينة». وقال الشيخ صبري، في تصريحات للصحافة: «إن زيارة القدس المحتلة للصلاة في المسجد الأقصى بتأشيرة إسرائيلية من مواطني الدول العربية والإسلامية التي لا تعترف بدولة الاحتلال، لا تجوز شرعا طالما أن القدس واقعة تحت الاحتلال». ورفض صبري اعتبار زيارة القدس بتأشيرة من قبل سلطات الاحتلال، دعما للقدس ولسكانها ودفاعا عنها، وقال إن «من يريد أن يدافع عن القدس، عليه دعم سكانها ومؤسساتها، وليس من خلال زيارتها بتأشيرة إسرائيلية وبحماية من الأمن الإسرائيلي». وأضاف الشيخ صبري أن «كل من يدعي الحرص على القدس عليه أن يعمل على تحريرها، لا أن يعمل على تكريس الاحتلال»، مؤكدا على ضرورة العمل على تحرير القدس من الاحتلال قبل زيارتها.

من جهة ثانية، انتقد الأقباط القائمون على كنيسة القيامة في القدس وصول وفد كبير من أقباط مصر، الذي حضر عبر مطار اللد من القاهرة والإسكندرية، ومنعوا أعضاء الوفد من المشاركة في قداس بدء أسبوع الآلام، الليلة قبل الماضية، احتفاء بعيد الفصح المجيد. وقال القس مصائيل كاهن كنيسة القديسة هيلانة، التي تمثل الجزء القبطي من كنيسة القيامة، إن هناك تعليمات واضحة من الكنيسة القبطية بالامتناع عن زيارة القدس وهي تحت الاحتلال. وذكر بفتوى صارمة بهذا الشأن كان قد أصدرها الراحل البابا شنودة الثالث، والتي بسببها كان قد اصطدم مع الراحل أنور السادات، وتعرض للنفي والعقاب.

وبلغت الأقباط رسالة جديدة من الأنبا بيسنتي، أسقف المعصرة وحلوان وعضو المجمع المقدس بمصر، يهدد فيها الأقباط الذين يصلون إلى القدس وهي تحت الاحتلال بفرض الحرمان من تناول الأسرار المقدسة عليهم لفترة طويلة قد تصل إلى عام كامل، لكن أصوات مصرية أخرى رفضت هذا التهديد. وتوقع الناشط القبطي كمال زاخر أن تراجع الكنيسة المصرية هذا القرار عما قريب، خاصة بعد رحيل البابا شنودة الثالث الذي عرف عنه تشدده في هذا الأمر «طبقا لظروف معينة». وقال زاخر إن الكنيسة «توصلت بعد دراسة موضوعية إلى تصحيح هذا الخطأ الذي أصرت عليه لعشرات السنين، فالأقباط زوار القدس يتوجهون نحو مهوى أفئدتهم ولا يمارسون بهذه العبادة أي نوع من أنواع التطبيع السياسي». وأضاف «كلنا يتفهم أن زيارة القدس مسألة مبهجة جدا فهذه المدينة هي أقدس بقعة بالنسبة للإنسان المسيحي، ولكن هذا لا يعني مخالفة قرار الكنيسة الذي جاء لخدمة الوحدة الوطنية، واحترام حقوقنا العربية. فالكنيسة حتى الآن ترهن السماح بزيارة القدس بزوال الاحتلال».

أما مؤيدو القيام بزيارات عربية وإسلامية إلى القدس وأماكنها المقدسة، الإسلامية منها والمسيحية، فيقولون إن عدم زيارة القدس يعني تركها فريسة للاحتلال الإسرائيلي. ويقف في مقدمة أصحاب هذا الرأي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي اعترض على فتوى الشيخ القرضاوي بتجديد تحريم دخول القدس على العرب والمسلمين من غير الفلسطينيين. وقال أحد المقربين منه في حديث مع «الشرق الأوسط»، أمس، إن الرئيس عباس يحترم كل رجال الدين ووجهة نظرهم، لكن هناك رجال دين كثيرون، إسلاميون ومسيحيون، يؤيدون فكرته وسيقولون كلمتهم قريبا. وأضاف مفسرا تأييد الزيارات: «القدس هي مدينة مقدسة للديانات الثلاث، لكن إسرائيل تستحوذ عليها وتظهرها عاصمة اليهود في العالم. ومن يزورها من العرب يعزز انتماءها العربي ويعزز قدسيتها بالنسبة للمسلمين وللمسيحيين في العالم ويساهم في منع احتكارها السياسي والديني لإسرائيل». ويتابع: «نحن كنا نتمنى لو أن العرب والمسلمين في العالم وكل من يرى في القدس مدينة مقدسة، يساند الشعب الفلسطيني في كفاحه للتخلص من الاحتلال، ومحاولاته المخلصة للتوصل إلى سلام يجعل القدس نموذجا في العلاقات الإنسانية الراقية التي تحتضن أبناء وبنات الديانات الثلاث، ولكن هذا لم يحدث. وكنا نتمنى لو أنهم مولوا مشروعنا لمجابهة المخطط الإسرائيلي لتهويد القدس ولتمويل معركة التشبث بالقدس العربية، والصمود على أرضها، وهذا أيضا لم يحدث. واليوم نريد أن يساند العرب، والمسلمون والمسيحيون في العالم، شعبنا في القدس بحضورهم بعشرات ومئات الألوف إلى الأماكن المقدسة فيها وحوانيتها وفنادقها، وعدم السماح بأن يقتصر زوارها على السياح اليهود، الذين يمولون عمليات تهويدها. فهل هذا المطلب البسيط سيجهض أيضا؟ وكيف؟ بالفتاوى الدينية؟! نحن ندعو أصحاب الفتاوى إلى دراسة الوضع بعمقه الاستراتيجي والخروج بموقف أكثر مسؤولية تجاه القدس».