رومني ونتنياهو: صداقة بدأت عام 1976 يتردد صداها في 2012

جمعهما قطاع الأعمال في الشباب وعلاقتهما تدخل الآن منحى الرئاسة والملف الإيراني

رومني (يمين) ونتنياهو خلال اجتماع لهما العام الماضي (نيويورك تايمز)
TT

لم يكن الشابان يجمع بينهما سوى القليل من القواسم المشتركة، فالأول ثري من طائفة المورمون من ولاية ميتشيغان، والثاني هو أحد أبناء الطبقة الوسطى من إسرائيل.

لكن حياة ميت رومني وبنيامين نتنياهو تشابكت في عام 1976، لوقت قصير، وتركت أثرا عميقا في ذاكرة كل منهما عندما عمل الاثنان في «مجموعة بوسطن للاستشارات» كمستشارين للشركة. وخلال أغلب فتراتهما التكوينية من حياتهما المهنية، كان كل منهما يدرس الآخر خلال الاجتماعات الأسبوعية العاصفة للشركة، ويتقاسمان وجهة النظر التحليلية العميقة للعالم.

هذه التجربة المشتركة التي نشأت قبل عقود والتي تحولت إلى صداقة حميمة، لم تكن معروفة للغرباء، وهي الآن مليئة بالمكائد السياسية، ففي الوقت الذي يحاول فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي سوق المبررات التي تمكنه من القيام بعمل عسكري ضد إيران، يهاجم رومني، المرشح الجمهوري المحتمل لخوض انتخابات الرئاسة، إدارة الرئيس باراك أوباما على عدم دعم نتنياهو بقوة.

العلاقة بين نتنياهو ورومني، التي نمت على موائد الطعام في بوسطن ونيويورك والقدس وعززتها شبكة من الأصدقاء المشتركين وسلطت الضوء على الآيديولوجيات المحافظة، نتج عنها تبادل للنصائح والرؤى حول موضوعات مثل السياسة والاقتصاد والشرق الأوسط.

عندما كان رومني حاكما لولاية ماساتشوستس، قدم له نتنياهو نصائح مباشرة حول كيفية تقليص حجم الحكومة، وعندما أراد نتنياهو تشجيع صناديق المعاشات للابتعاد عن الشركات المرتبطة بإيران، استشاره رومني حول أي المسؤولين الأميركيين الذين ينبغي لقاؤهم. وعندما ترشح رومني للمرة الأولى للرئاسة سأله نتنياهو ما إذا كان يعتقد أن نيوت غينغريتش سيدخل السباق.

وقبل أسابيع قليلة، قدم نتنياهو إيجازا شخصيا عبر الهاتف إلى رومني بشأن الموقف في إيران. وقال رومني في مقابلة: «يمكننا أن نتحدث على الأغلب باختصار، فنحن نتشارك بعض الخبرات ولدينا الرؤية والأسس المتشابهة». من جانبه عزا نتنياهو هذا «التفاهم السهل» بينهما إلى ما سماه معسكر «مجموعة بوسطن للاستشارات» الصارم فكريا. وقال عبر مساعده: «لذا على الرغم من خلفياتنا المختلفة إلى حد بعيد، فإنني أشعر بأننا نستخدم طرقا متشابهة في تحليل المشكلات والوصول إلى حلول لها».

وتبرز الروابط بين رومني ونتنياهو لأنه لا توجد سوابق كثيرة لسياسيين لهما نفس مكانتهما أن يكون لهما مثل هذا التاريخ الذي يعود إلى ما قبل دخولهما العمل الحكومي. وهذا التاريخ يمكن أن يؤثر على صناعة القرار في وقت قد تواجه فيه الولايات المتحدة أسئلة مصيرية بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستهاجم المنشآت النووية الإيرانية أم أنها ستدعم إسرائيل في مثل هذا العمل.

وأشار رومني إلى أنه لن يتخذ أي قرار سياسي هام بشأن إسرائيل من دون استشارة نتنياهو، وهو مستوى من الاحترام قد يثير الاندهاش، بالنظر إلى سمعة نتنياهو الاستقطابية، على الرغم من أنها تستجدي المحافظين الجدد والمسيحيين الإنجيليين الذين يدافعون عن إسرائيل بشراسة.

وخلال المناظرة التي أجريت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، انتقد رومني نيوت غينغريتش على توجيه تصريحات تحط من قدر الفلسطينيين، معلنا: «قبل أن أدلي بهذا التصريح اتصلت بـ(بيبي نتنياهو) وقلت له: هل يمكن أن أقول هذا؟ وكيف تريد مني القيام به؟».

ويؤكد مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل في إدارة كلينتون، على أن ذلك سواء كان بقصد أم غير ذلك، فإن تصريح رومني يعني ضمنا أنه سيوكل سياسة الشرق الأوسط بصورة غير مباشرة إلى إسرائيل، وأضاف: «وهذا لن يكون ملائما بطبيعة الحال».

يصر نتنياهو على أنه يقف على الحياد في الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكنه يملك في أحسن الأحوال علاقة محفوفة بالمخاطر مع الرئيس أوباما، فعلى مدى سنوات، تمكن نتنياهو بمهارة من حشد الكثير من المنظمات اليهودية والجمهوريين في الكونغرس للضغط على إدارة أوباما لاتخاذ موقف أكثر تحديا لإيران، وقال إنديك: «مدى الصداقة الشخصية سيعطي نتنياهو موطئ قدم في البيت الأبيض في إدارة رومني بصورة لم تكن موجودة في عهد أوباما؛ فقد يعتقد رئيس الوزراء أن ذلك سيكون ميزة كبيرة».

ومن عجائب التاريخ أن التقى الرجلان؛ ففي السبعينات تم اختيارهما للانضمام إلى كلية إدارة الأعمال في بوسطن.. التحق رومني بهارفارد والتحق نتنياهو بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وبعد التخرج بتفوق اختارا العمل لإحدى أكبر وأرقى شركات الاستشارات في الولايات المتحدة. لم تكن «مجموعة بوسطن للاستشارات» مؤهلة لأي منهما؛ فقد كان مؤسسها بروس هندرسون رجلا عبقريا، لكنه كان شخصا غريبا، فكانت نظرياته غير التقليدية بشأن قياس نجاح الشركة بأسهمها السوقية، وتقسيم الشركات إلى فئات مثل «أبقار النقد» و«كلاب»، تعتبر خارج السياق الرئيسي لاستشارات الشركات.

وكما يذكر رومني، كانت الكلية والطلبة في كلية هارفارد لإدارة الأعمال يسخرون من ملصقات التوظيف في الشركة، فيقول: «كانت (شركة بوسطن للاستشارات) تبدو في تلك الفترة شركة تحت الحصار».

لكن مكانة الشركة كشركة جديدة رائدة تسير على خطى الشركات الممتازة الكبرى مثل «ماكنزي» و«بوز آلن»، عززت الصداقة الوثيقة بين موظفيها الشباب، الذين جابوا الولايات المتحدة لتقديم الاستشارات لعملائها، مثل «جنرال فوردز» و«ميد كوربوريشن».

وقد تمكن رومني ونتنياهو من التميز في الشركة على الرغم من ضمها 100 من حملة الماجستير في إدارة الأعمال، اعتمادا على سيرتهما الذاتية وإمكاناتهما الذهنية.. فوالد رومني كان حاكما سابقا لولاية ميتشيغان، وسعى إلى الترشح للرئاسة قبل عدة سنوات. أما نتنياهو فقد كانت له سيرة ذاتية غريبة، فقد كان أنهى للتو الخدمة في وحدة قوات النخبة الخاصة في الجيش الإسرائيلي. ويقول ألان ويل، الذي عمل في الشركة من 1975 إلى 1989: «كان كلاهما تحيط به هالة».

وعلى الرغم من أنهما لم يعملا معا عن قرب، فإن رومني ونتنياهو كانا متنافسين بطبيعتهما، وتركا انطباعا مؤثرا بعضهما على بعض، بدا أنه يتزايد مع الوقت.

لا يزال رومني، الذي عرف عنه على الدوام ثقته بنفسه، يذكر إحساس الغيرة الذي شعر به وهو يشاهد نتنياهو يحاول دون كلل لفت الأنظار إليه خلال اجتماعات يوم الاثنين الصباحية في الشركة. وعندما كان المستشارون يقدمون أعمالهم ويتلقون الأسئلة من زملائهم، كانت الجلسات تشوبها في بعض الأحيان الاستجوابات القاسية. وقال رومني: «كان صاحب شخصية قوية. يحمل وجهة نظر مميزة، وقد كنت أطمح إلى نفس وجهة النظر».

وعلى مأدبة العشاء بعد سنوات من ذلك، بحسب مساعدين، كشف نتنياهو عن متابعته العميقة عندما قال في تعليق ساخر إن رومني «كان الموظف المفضل لدى هندرسون». وقال نتنياهو عن الفترة التي عمل فيها رومني في «شركة بوسطن للاستشارات»: «كان نجمه قد بدأ يسطع بالفعل».

عمل رومني في الشركة من عام 1975 حتى عام 1977، فيما عمل نتنياهو في الشركة من عام 1976 حتى 1978. لكن بعد شهر من وصوله، عاد نتنياهو إلى إسرائيل من أجل إنشاء «مؤسسة لمحاربة الإرهاب» في ذكرى أخيه، الضابط الذي قتل لتحرير رهائن في عنتيبي في أوغندا، وأشار مساعده إلى أنه على مدار العامين التاليين كان يعود بشكل متقطع إلى الشركة خلال فترة العامين.

وفيما بعد انتقل رومني إلى شركة «باين آند كومباني» منافسة «شركة بوسطن للاستشارات»، بيد أنهما حافظا على علاقتهما الوثيقة، ففي «باين» عمل رومني عن قرب مع فلوير كاتس، زوجة نتنياهو الثانية (افترق كاتس ونتنياهو في منتصف الثمانينات لكنها ظلت على اتصال برومني).

عاود الرجلان الاتصال بعضهما ببعض بعد فترة وجيزة من فوز رومني بمنصب حاكم ماساتشوستس، حيث قام نتنياهو بزيارته متلهفا لتبادل روايات الحياة الحكومية. وروى نتنياهو، الذي كان قد استقال من منصبه كوزير للمالية، كيف تمكن، عبر تبني أسلوب رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر، من تحدي النقابات العمالية في السيطرة على معاشات تقاعدهم، وخفض الضرائب، وخصخصة الشركات التي كانت مملوكة للحكومة في السابق، وخفض دور الحكومة لصالح الشركات الخاصة.

*خدمة «نيويورك تايمز»