قلة مراكز التشخيص المبكر تلحق الضرر بالطفل التوحدي وتؤخر تحسن حالته

المصابون 160 طفلا من بين 1000

على الرغم من الجهود التي يقودها عدد من الجهات لكن المجتمع لا يزال يجهل التعامل مع مريض التوحد («الشرق الأوسط»)
TT

شدد مختصون في مجال التوحد على ضرورة إنشاء مراكز للتشخيص المبكر بمختلف مدن ومناطق المملكة، وذلك لمعرفة إصابة الطفل بالتوحد خلال السنة الأولى على الأقل، معللين ذلك بأن تشخيص حالة طفل التوحد متأخرا يعمل على عدم استجابته للعلاج وبالتالي تأخر تحسن الحالة، ولا سيما أن نسبة التوحد ترتفع بالمملكة بشكل ملحوظ.

وأوضحت فاطمة فارسي عضو مجلس إدارة الجمعية الفيصلية الخيرية بجدة رئيسة مركز «فتيات بيت الرفيف»، أن مرض التوحد لم يكن معروفا في السابق لدى كثير من فئات المجتمع وعلى الرغم من ارتفاع عدد الحالات بالسعودية مؤخرا، وفقا للإحصاءات التي كشفت عن وجود 160 حالة في كل 1000 طفل سنويا، فإنه لا يزال لدينا جهل بتشخيصه نظرا لقلة الكوادر الطبية وقلة مراكز التشخيص المبكر. وحذرت فارسي من جهل بعض فئات المجتمع بمرض التوحد، مبينة أن كثيرا من الأسر التي يولد لديها طفل توحدي تعتقد أن الطفل مصاب بالعين أو المس، فيعرضونه على بعض الشيوخ للقراءة عليه ومنهم من يتجه للمشعوذين، الأمر الذي يلحق الضرر بالطفل التوحدي ويؤثر سلبا على نفسيته، ويؤخر تحسن حالته.

من جهتها، بينت أم سلطان أحد الأطفال المصابين بالتوحد، أنها لم تكتشف حالة سلطان إلا بعد مرور أكثر من عام، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «اعتقدت في بادئ الأمر أن سلطان يعاني من مشكلة في السمع ولكن الطبيب أكد بعد الفحوصات سلامة سمعه، فتنقلت به من مستشفى لآخر إلى أن تبين بعد سنتين أنه يعاني من التوحد»، مشيرة إلى أنها قبل اكتشاف الحالة ذهبت به إلى شيوخ لتحصينه والقراءة عليه لعلاجه من الحسد أو العين، وأكد لها أحد الشيوخ أن الطفل سليم، ولكن لا بد أن تذهب به لطبيب نفسي علها تجد العلاج لديه، وبعد أن عرضته على متخصص نفسي تبين أنه يعاني من التوحد.

وطلبت أم سلطان توفير مراكز توحد في مختلف مناطق المملكة، حيث إنها اضطرت لأن تنتقل من الطائف إلى مدينة جدة لتسجيل ابنها في أحد مراكز التوحد المعروفة بجدة، وذلك بعد أن اكتشفت مؤخرا أن جميع العاملين في مركز التوحد في الطائف للأسف يعملون بشهادات مزورة وتم إغلاق المركز الوحيد بالطائف.

ويعيد البعض قلة مراكز التوحد المؤهلة والقادرة على الاستمرار إلى تكلفتها المرتفعة، وندرة الكفاءات القادرة على التعامل مع طفل التوحد الذي يحتاج إلى صبر وضبط النفس، حيث قالت فارسي «تأهيل وعلاج طفل التوحد مكلف جدا، وقد يصل إلى أكثر من 120 ألف ريال سنويا للطفل الواحد». وبينت أن كل طفل بحاجة إلى رعاية تختلف تماما عن غيره من الأطفال وفقا لنسبة التوحد لديه، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كل طفل توحد يحتاج إلى أن يكون معه معلم خاص به ومعالج نطق، إضافة إلى متخصصة ترعاه في قضاء احتياجاته الخاصة»، مبينة أن أكثر ما يكلفهم هو الأيدي العاملة ذات الكفاءة.

وبينت أن المواد التعليمية الخاصة بتلك الفئة تعتبر مرتفعة الثمن لكونها غير متوفرة، وقد يضطرون إلى طلبها من الخارج، لافتة إلى احتياج التوحدي أيضا إلى طعام خاص به لكون بعض الأطعمة تزيد نسبة التوحد لديه، لذا فإن طعامه مختلف وسعره مرتفع، مطالبة تخصيص أركان داخل المولات والمراكز التجارية لبيع الطعام الخاص بهذه الفئة غير المصنوع من الدقيق أو الحليب، كبقية دول العالم.

حالة بلال لم تختلف كثيرا عن غيره من أطفال التوحد فهو يمل ولا يتحمل الانتظار في مكان واحد لفترة طوية، خاصة المستشفيات، حيث إنه يبدأ في الصراخ والانفعال عند الانتظار أمام العيادة حتى يأتي دوره، الأمر الذي يزعج المرضى ويتسبب في الإحراج لوالدته.

وقالت أم بلال في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أتمنى من المستشفيات الحكومية والخاصة أن تجعل الأولوية في دخول العيادة والكشف لأطفال التوحد وذوي الظروف الخاصة، أو أن يخصصوا عيادات لهم»، وأضافت «أطلب من المسؤولين تأهيل الأطباء والممرضات ليتعاملوا مع هذه الفئات بما تقتضي حالتهم، ولا بد أن يعلموا أن التوحدي يختلف عن غيره من الأطفال». وتساءلت أم بلال عن عدم وجود نواد أو أماكن ترفيهية خاصة بالتوحديين، لأنه من الصعب جدا الذهاب بهم إلى الأماكن الخاصة بغيرهم من الأطفال، معللة ذلك بأنهم يتصرفون من دون وعي منهم وبالتالي يتسببون في إحراج أسرتهم، إضافة إلى أن المجتمع ليس لديه المعرفة أو الوعي الكامل للتعامل مع هذه الحالات وهذا يجرح مشاعر الأسرة والطفل أيضا. من جهة أخرى، أوضحت عبير زيني رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية في مركز توحد، أهمية دور الأسرة في تحسن حالة الطفل التوحدي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «من خلال خبرتي في العمل بمجال التوحد لمدة 25 عاما تبين أن مصاب التوحد لن يجد الفائدة إلا إذا كان هناك تعاون بين الأسرة والمركز، لأن الطفل يقضي قرابة أربع ساعات من يومه في المركز والساعات الأخرى مع أسرته، فإذا لم تستوعب الأسرة طفل التوحد وتتقبله فلن تتحسن حالته».

كما شددت على أهمية الكشف المبكر عن حالات التوحد لدى الأطفال، ولا سيما أنه يعتبر عاملا رئيسيا في مساعدتهم على تحسن الحالة إلى حد كبير، وقالت «عندما نستقبل طفلا توحديا في عمر مبكر نتغلب على مشاكل كثيرة، عكس الطفل الذي يأتي للمركز في عمر متأخر فيصعب علينا مساعدته».

وطلبت من الجهات الحكومية المسؤولة، زيادة عدد مراكز الفحص والتشخيص المبكر حيث إنها غير كافية، وقالت «في ظل ارتفاع نسبة التوحد لدينا في المملكة والتي تزيد سنويا، فإنني أطالب الجهات المختصة بإنشاء مراكز تشخيص مبكر ومراكز دراسات وبحوث لمعرفة أسباب الزيادة، إضافة إلى مساعدة الأسر في علاج وتحسن حالة ابنهم التوحدي».

جاء ذلك خلال فعاليات مهرجان «نقبل التحدي» الذي نظمه «بيت الرفيف» في 12 أبريل (نيسان) بمناسبة اليوم العالمي للتوحد، بحضور أطفال وأسر التوحد ومختصين من جميع المراكز بجدة.