سليمان لم يظهر سوى مرة واحدة منذ خطابه القصير حول تنحي مبارك

مدير مكتبه السابق يدير حملته الانتخابية

نائب الرئيس المصري السابق عمر سليمان
TT

كان رئيس جهاز المخابرات المصرية السابق ونائب الرئيس لفترة وجيزة عمر سليمان قد اختفى من المشهد السياسي المصري بشكل كبير، ولم يظهر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك وتولي المجلس العسكري مقاليد الأمور منذ أكثر من عام، إلا مرة واحدة فقط وهو يؤدي فريضة الحج.

وخلال الأسبوع الحالي، ظهر اسم سليمان (74 عاما) بقوة على سطح الأحداث بعد ترشحه لانتخابات الرئاسة المصرية، وأصبح من الواضح أنه لم يكن بعيدا عن الأحداث خلال الفترة الماضية. ولم يخل مكتبه في مقر المخابرات المصرية من الزائرين حتى الآن، كما لا يزال يستقل سيارة حكومية، ويحظى بحراسة عسكرية في الفيلا التي يقطنها بالقرب من مقر جهاز المخابرات.

وعلاوة على ذلك، تتم إدارة حملته الانتخابية لخوض سباق الرئاسة من قبل مدير مكتبه السابق في المخابرات، وهو ما قد يفسر قدرة سليمان على الحصول على 30.000 توكيل في غضون 48 ساعة فقط، لكي يتمكن من خوض سباق الرئاسة.

وكان سليمان، وهو جنرال سابق ويحظى بثقة كبيرة من جانب مبارك وعلى علاقة وثيقة بواشنطن، أحد الأعمدة الرئيسية التي كانت تعمل في صمت من وراء الكواليس لخدمة النظام السابق. ولم يخرج للنور سوى في أيام مبارك الأخيرة، عندما قام مبارك بتعيينه كنائب له، ووسطه للتفاوض مع المعارضة، واعتبره خليفته في سدة الحكم.

وحتى الأسبوع الحالي، لم يكن يتذكره البعض إلا من خلال الخطاب القصير الذي لم تتجاوز مدته ثلاثين ثانية والذي يقول فيه إن الرئيس مبارك قد سلم السلطة إلى المجلس العسكري، في الوقت الذي كان هناك قائد عسكري قوي البنية يقف خلفه، وكان البعض يعتقد أن مهمته هي التأكد من عدم خروج سليمان عن النص المكتوب. ولكن هذا الرجل الذي أصبح معروفا باسم «الرجل الذي يقف خلف عمر سليمان» هو حسين كمال شريف الذي كان يدير مكتب سليمان في المخابرات والذي يقوم الآن بإدارة حملته للانتخابات الرئاسية.

وفي الوقت الذي أعلن فيه المجلس العسكري أنه سيسلم السلطة عقب الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، فإن الظهور المفاجئ لسليمان من ظلال النظام السابق قد أثار بعض المخاوف - وأحيانا الأمل - من عودة «الرجل القوي» للسلطة مرة أخرى، بينما اتهم المعارضون هؤلاء الموالين للنظام القديم بالتآمر لتزوير الانتخابات لكي يصل سليمان للحكم.

وفي أول مقابلة شخصية معه منذ إعلانه خوض سباق الرئاسة، استهدف سليمان الإسلاميين بشكل مباشر وأعلن أنه قد عاد خصيصا من أجل صد جماعة الإخوان المسلمين، والتي أشار إلى أنها ستحول مصر إلى «دولة دينية». وفي حواره مع صحيفة «الفجر»، قال سليمان: «شعرت بالخوف والرعب على مستقبل البلاد».

وردا على سؤال حول علاقته بالمجلس العسكري، قال سليمان: «قدمت لهم الخبرة اللازمة، في اتصالات خاصة بهم، لمساعدة مصر على التغلب على بعض الأزمات التي مرت بها»، مشددا على أنه قدم مشورته طواعية، وأن «المجلس العسكري لم يعينه للقيام بأي شيء».

ومع ذلك، فإن وجود صلات وثيقة ومستمرة بين حملة سليمان والمخابرات المصرية يثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى مصداقية ونزاهة الانتخابات المزمع انعقادها في الثالث والعشرين من شهر مايو (أيار) المقبل. وقالت هبة مورايف، وهي باحثة بمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، إن جهاز المخابرات قد أصبح يقوم بدور أكبر في الداخل منذ سقوط أجهزة الأمن الداخلية خلال الثورة المصرية.

ومع ذلك، نفى شريف، المسؤول عن حملة سليمان الانتخابية، مثل هذه المخاوف، وعندما تم سؤاله عما إذا كان دعم ضباط المخابرات لمرشح رئاسي بعينه مقبولا، رد بأن ذلك «أمر شخصي»، نافيا أن يكون للمخابرات دور في حملة سليمان الانتخابية، واعتبر أن رئاسته الشخصية للحملة «حرية شخصية».

وعلى مدار أكثر من عقد من الزمان قبل اندلاع الثورة المصرية، كان سليمان يعتبر واحدا من أكثر المرشحين لمنصب الرئيس بعد مبارك. وباعتباره مستشارا خاصا لمبارك، كان سليمان منافسا قويا لوزير الدفاع محمد حسين طنطاوي الذي سبق سليمان بعدة سنوات في الكلية العسكرية وهو الحاكم الفعلي للبلاد الآن.

وقال شريف بسيوني، وهو باحث مصري أميركي متخصص في القانون ويعرف كلا الرجلين: «المشير لا يحب سليمان»، مشيرا إلى أن طنطاوي كان هو من أفسد خطة تسليم السلطة لسليمان من مبارك.

وأضاف بسيوني أنه ربما يكون هناك تغير في العلاقات الآن، ولا سيما بعد أن أصبح المجلس العسكري تحت ضغوط متزايدة من قبل الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على البرلمان، كما أن كثيرا من الدبلوماسيين الأميركيين والسياسيين المصريين يرون أنه مع اقتراب تسليم السلطة في شهر يونيو (حزيران)، أصبح للمخابرات استقلالية أكبر ودور أكثر تأثيرا.

وقال سعد العباسي (69 عاما)، وهو جنرال متقاعد كان قد عرف سليمان في برامج تدريب الضباط، إن الحملات المؤيدة لتولي سليمان الرئاسة قد بدأت بعد أسابيع قليلة من الإطاحة بمبارك، وأضاف: «إنه الشخص الوحيد القادر على استعادة الأمن والأمان. إن البلاد بحاجة إلى رجل قوي يسيطر على كافة الأمور».

وخلال الأسبوع الماضي، أصدر شريف بيانا بالنيابة عن سليمان يؤكد أنه لن يخوض انتخابات الرئاسة، قبل أن يتراجع سليمان في اليوم التالي بعد تجمع عدد من أنصاره للمطالبة بخوضه الانتخابات، ولذا أصدر شريف بيانا آخر يؤكد فيه أن سليمان سوف يخوض الانتخابات إذا ما نجح أنصاره في الحصول على الـ30.000 توكيل المطلوبة، ولم يكن هناك سوى 48 ساعة فقط على غلق باب الترشح. وقبل إغلاق باب التوكيلات بوقت قليل، لم يكن في حوزة فريق الحملة الانتخابية سوى ألفي توكيل في القاهرة فقط، وفجأة أصبحوا أكثر من 30.000 توكيل بعدما انهمرت التوكيلات من جميع أنحاء البلاد، وهو ما يرجح تدخل الجيش أو المخابرات في المسألة. وتعليقا على ذلك الأمر، قال سليمان خلال المقابلة الشخصية: «إنها إرادة الله».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* ساهم في كتابة التقرير مي الشيخ.