أصوات السلفيين قد تشكل عامل حسم في الانتخابات الرئاسية

فازوا بنحو 25% من مقاعد برلمان مصر الجديدة

أحد مؤيدي التيار السلفي في مواجهة الشرطة العسكرية بمنطقة ميدان العباسية أمس (رويترز)
TT

بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك العام الماضي، برز التيار الإسلامي المحافظ من الظلال وسرعان ما تحول إلى قوة سياسية أثارت الدهشة. ومع سقوط جدار الخوف بالاعتقال والتعذيب، أطلق الكثير من المتدينين لحاهم وأبدت الكثير من السيدات رغبة في ارتداء النقاب الذي يفضله السلفيون حتى في الوظائف الحكومية.

فاز السلفيون في الانتخابات التشريعية شتاء العام الماضي بنحو 25% من مقاعد البرلمان المصري الجديد. لكنهم رغم ظهورهم الحالي على الساحة أكثر مما كانوا عليه خلال حكم حسني مبارك العلماني والاستبدادي أيضا، شعر السلفيون مرة أخرى بالتهميش خلال محاولتهم ترجمة قوتهم الجديدة إلى صوت سياسي موحد قبل أسابيع قليلة من انتخاب رئيس جديد. فمع خروج المرشح المفضل لدى السلفيين، حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي خرج من السباق الشهر الماضي بسبب جنسية والدته الراحلة، تواجه هذه الكتلة التصويتية خطر الضياع والتشتت.

وقد أعلن حزب النور يوم السبت، الحزب السياسي السلفي الأضخم، والمؤسسة التي أنشأته، الدعوة السلفية، دعمهما للمرشح الإسلامي التقدمي عبد المنعم أبو الفتوح. هذه الخطوة قادرة على إعادة توحيد الكتلة التصويتية خلف شخصية غير محتملة. يتبنى الإسلامي التقدمي نهجا أكثر انفتاحا في النظر إلى الشريعة الإسلامية مقارنة بالسلفيين، لكنه غير مرتبط بقيادة «الإخوان المسلمين»، الجماعة الإسلامية الأقوى في البلاد، والتي قد تكون حليفا رئيسيا، بحسب آراء محللين.

فيقول خالد العناني، الخبير في الحركات الإسلامية في جامعة دورهام والمقيم في بريطانيا: «يمكن للقرار أن يشجع الجماعات السلفية الأخرى لدعم أبو الفتوح وعقد تحالف مستقبلي معه»، وأضاف أنه إذا ما تبعتهم الجماعات الإسلامية الأخرى فربما يعزز ذلك من الحركة الإسلامية المتشددة.

لكن السلفيين لا يزالون يواجهون تحديات واضحة. فيواجه حزب النور السلفي انشقاق عدد من الأعضاء الذين تقدموا باستقالاتهم في الأسابيع الأخيرة حتى أن البعض منهم تخلى عن السياسة وعاد إلى إلقاء الخطب الدينية.

في الوقت ذاته قال الكثير من السلفيين إنهم سيقاطعون التصويت بسبب استبعاد أبو إسماعيل. على الجانب الآخر أعلنت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، هيئة كبار العلماء، التي تتكون في غالبيتها من علماء ورجال دين دعمها لمحمد مرسي وليثير الشكوك بشأن ما إذا كان قرار حزب النور سيدفع بكتلة السلفيين إلى التصويت لعبد المنعم أبو الفتوح. ويقول العناني: «يمثل السلفيون في الوقت الراهن أحد مراكز القوى الجديدة في مصر، وسيسهم قرارهم في إعادة صياغة الحياة السياسية المصرية لسنوات قادمة».

هذا الدور الحاسم للجماعة السلفية جعل المصريين الأكثر اعتدالا والمسيحيين في مصر يشعرون بالقلق. وقد دافع قادة السلفيين عن تطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات مثل المصارف التي ستجرم، على سبيل المثال، الفوائد على القروض. وأشار البعض إلى أن أغطية الرأس يجب أن تكون إلزامية وضرورة الفصل في مكان العمل.

وفي البرلمان، تمت السخرية من المشرعين السلفيين على اقتراحهم بإلغاء اللغة الإنجليزية من المدارس. ولدت هذه الدعوات المخاوف بين الليبراليين المصريين، الذين أبدوا قلقا من إمكانية تحول البلاد إلى الطابع السعودي المحافظ حيث لا يسمح للنساء بقيادة السيارات، ودعتهم إلى دعم مرشحين رئاسيين آخرين هما وزير الخارجية الأسبق، عمرو موسى، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق. هذه الانتقادات شجعت بعض السلفيين إلى الاستنتاج بأن هناك جهودا منسقة لتهميشهم مرة أخرى. وقد تحول الكثير منهم إلى أبو الفتوح الذي يعتبرونه شخصا قادرا على توحيد المصريين في المشهد السياسي، من المحافظين الدينيين إلى الليبراليين واليساريين. ويقول نزار غراب، داعم أبو الفتوح الذي استقال مؤخرا من حزب النور بسبب الاختلاف مع الحزب والمؤسسة الراعية له: «نحن بحاجة لحشد أصوات الإسلاميين خلف مرشح إسلامي واحد لسد الطريق أمام محاولات إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه مختلفة. الحركة السياسية الأقوى في الوقت الراهن هي الحركة الإسلامية، ومعاداتنا وتهميشنا لن يكون له تأثير».

ربما يكون الكثير من السلفيين أقرب إلى الإخوان من الناحية الآيديولوجية، بحسب المحللين، لكنهم يرون أبو الفتوح كمرشح أكثر استقلالية وثورية، ربما يكون أكثر من مجرد رجل دولة إخواني لتعزيز مصالحهم. ويقول شادي حميد، خبير الشؤون المصرية في مركز بروكينغز الدوحة: «القصة هي أن الإخوان المسلمين قاموا بما هو أفضل بما في صالح المؤسسة، حتى وإن كان ذلك يعني خيانة حلفائهم».

يمتلك مسعد فرج، 35 عاما، متجرا للكتب الدينية في شارع العزيز بالله شمال شرقي القاهرة، مركز تجارة الكتب والملابس الدينية، لكنه عمل في شركة للأدوية خلال الإدارة السابقة وعاد إلى المتجر بعد سقوط مبارك، فعناصر أمن الدولة الذين كانوا ينتشرون في كل ركن من الشارع اختفوا وتوقفت الاتهامات التي كانت تكال إلى المسجد بأنه محور للإرهاب. لكن فرغلي قال: إن إقصاء أبو إسماعيل من السباق الرئاسي الشهر الماضي بعدما طالب بدور أوسع للشريعة الإسلامية في مصر، وكال الانتقادات للمجلس العسكري، جعله يشعر أن مجتمعه يتعرض مرة أخرى للهجوم. وأضاف أن الأفراد الذين يركزون الحجاب (الشكل) لا على التقوى والعدل (الجوهر) الذي تحث عليه الشريعة الإسلامية هم أشخاص مضللون. وأشار صاحب متجر الكتب إلى أنه يميل إلى تأييد أبو الفتوح في الانتخابات الرئاسية التي ستقام يومي 23 ـ 24 مايو (أيار) لأنه إسلامي ويبدو صادقا رغم كونه أكثر ليبرالية من فرغلي.

لكن أصحاب المتاجر الأخرى من السلفيين تعهدوا بمقاطعة التصويت. فيقول وليد أسكان، 37 عاما، «بعد ما حدث للشيخ حازم أبو إسماعيل، قررت ألا أشارك في التصويت، فقد خدعنا، لأنه لا يوجد مرشح إسلامي حقيقي الآن، وبات واضحا أن النتيجة قد تحددت بالفعل». وفي حي قريب، قضى هشام عبد العظيم وزوجته مروة مصطفى شهورا في مناقشة الخيار الصائب لمستقبل عائلتهم وبلادهم.

نشأ عبد العزيز في بيت سياسي. وكان والداه ماركسيين، لكنه تحول إلى السلفية في عام 2002 على يد خطيب مسجد كحال الكثير من الساعين إلى وسيلة جديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية كما حدث في العشرين سنة الماضية. في البداية دعمت مصطفى أبو إسماعيل كخطيب محبوب أقرب إلى معتقداتها الدينية والثورية. لكنها وهي تشاهد حالة الاستقطاب المتزايد في البلاد التي تلت سيطرة الإسلاميين على البرلمان ورد الفعل الغريزي الذي قام به الليبراليون، أدركت أنها تريد مرشحا يميل إلى الوسط. وقالت: «بدأ المتطرفون الليبراليون في مطالبة الجيش بالعمل ضد الإسلاميين لأنهم الأغلبية فقط». ويود عبد العظيم قائدا إسلاميا، غير سلفي، لا ينفر المسلمين الأقل تزمتا. وقال عبد العظيم: «يجب على الرئيس أن يكون مقتنعا بالأهداف الثورية، ويجب أن يكون مقتنعا بالإسلام لكنه لا يميل إلى أي توجه، غير سلفي أو من الإخوان المسلمين، حتى لا يكون انتماؤه إلى فصيل معين، لأنه ينتمي إلى الجميع».

وأكد عبد العظيم يوم الأحد على أمله في أن يتمكن قرار حزب النور من إعادة توحيد الصف السلفي.

* شاركت إنجي حسيب في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بالـ«الشرق الأوسط»