«قصر البارون» بضاحية مصر الجديدة يرتدي حلة ثقافية وسياحية

خطط لتحويله إلى مركز ثقافي عالمي بعد توأمته مع «فيلا أمبان» في بروكسل

«قصر البارون أمبان»
TT

يقف قصر «البارون أمبان» شامخا في ضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، بوصفه قيمة معمارية فريدة تميز هذه الضاحية الأرستقراطية، منذ تشييده عام 1911. ويخضع القصر حاليا لأعمال صيانة وترميم شاملة، كونه تعرض للإهمال بعد تعدد مالكيه على مدار عقود متتالية.

ويتأهب القصر فور انتهاء هذه الصيانة لارتداء ثوب التطوير وإعادة توظيفه واستغلاله ثقافيا وسياحيا، لما يتميز به من موقع استراتيجي في منطقة حيوية بشارع العروبة المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي، الذي تمر به الأفواج السياحية، وهو التوظيف الذي سيعمل على استثمار القصر سياحيا، مما يجعله يوفر موقعا سياحيا ثقافيا جديدا، يمكن لكل الأفواج السياحية زيارته.

هذا الاستثمار سيعمل أيضا على الحفاظ على الموروث الشعبي والتاريخي للقصر، مما جعل وزير الآثار المصري الدكتور محمد إبراهيم والسفير البلجيكي في القاهرة، برونونيف دومفرجين، يناقشان مؤخرا مساهمة الجانب البلجيكي في تنفيذ مشروع عاجل لترميم وتطوير القصر، وبحث الجانبان إبرام توأمة «فيلا أمبان» في بروكسل مع «قصر البارون أمبان» في مصر الجديدة لتحويلهما إلى مركز ثقافي عالمي لإدارة الحوارات والاحتفالات وإقامة الندوات واستقبال المعارض.

ويقول د. إبراهيم إن الوزارة تقوم الآن بتقييم الدراسات المقدمة من الجانب البلجيكي لترميم وإعادة تأهيل القصر تمهيدا لتنفيذ مشروع الترميم المتكامل واستغلال القصر ثقافيا، لافتا إلى أن مشروع الترميم يتضمن الترميم المعماري للطبقات الخارجية من جدران القصر، والترميم الدقيق لأخشاب وزخارف وتماثيل القصر الفريدة.

كما لفت إلى دراسة مقترح لتحويل القصر لمركز تنمية سياحية وثقافية، يساهم في الحياة الفكرية والثقافية ويقدم خدمة ثقافية للمؤسسات والهيئات الرسمية المحلية والدولية، ويطرح أن يتضمن المركز متحفا يؤرخ لضاحية مصر الجديدة وللفترة التي شيد فيها القصر، كما يتضمن المقترح إقامة متحف للمجوهرات.

بدوره، يتناول الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، قصة تشييد القصر بقوله: «جاء البارون البلجيكي إلى مصر من الهند في نهاية القرن التاسع عشر بعد قليل من افتتاح قناة السويس، حيث بقي في مصر واختار مكانا صحراويا لبناء قصره في وسط ضاحية مصر الجديدة التي أنشأها بالقرب من القاهرة العاصمة. ووقع اختياره على تصميم مهندس فرنسي يدعى ألكسندر مارسيل الذي كان يعرض تصميما لقصر يتبنى الطرازين الأوروبي والهندي في معرض هندسي في باريس عام 1905، حيث أعجب به البارون واشتراه منه».

ويتابع: «جمع القصر في تصميمه بين أسلوبين معماريين؛ أحدهما ينتمي إلى عصر النهضة، خاصة بالنسبة للتماثيل الخارجية وسور القصر، أما القصر نفسه فينتمي إلى الطراز الكمبودي بقبته الطويلة المحلاة بتماثيل بوذا، وقد جلب رخام القصر من إيطاليا، والكريستال من تشيكوسلوفاكيا، ويشغل القصر وحديقته الواسعة مساحة 12.500 ألف متر مربع وانتهى بناء القصر عالم عام 1911».

ويوضح أن القصر من الداخل حجمه صغير، فهو لا يزيد على طابقين ويحتوي على 7 حجرات فقط.. الطابق الأول عبارة عن صالة كبيرة وثلاث حجرات؛ اثنتان منها للضيافة والثالثة خصصت للعب البلياردو، أما الطابق العلوي، فيتكون من 4 حجرات للنوم، ولكل حجرة حمام ملحق بها. وأرضية القصر مغطاة بالرخام وخشب الباركيه، أما البدروم (السرداب) فبه المطابخ والجراجات وحجرات الخدم.

والقصر من الداخل عبارة عن متحف يضم تحفا وتماثيل، كما توجد داخل القصر ساعة أثرية توضح الوقت بالدقائق والساعات والأيام والشهور والسنين مع توضيح تغييرات أوجه القمر ودرجات الحرارة.

ومن مميزات القصر الأخرى أنه صمم بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته أبدا، وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة ليتيح لمن يجلس به أن يشاهد ما حوله في جميع الاتجاهات.

هذه القيمة المعمارية الفريدة كانت مثيرة لكل من حضر حفل افتتاح القصر بمن فيهم سلطان البلاد آنذاك السلطان المصري حسين كامل.

ويوم الافتتاح كان يوما لافتا في حياة القصر؛ إذ تملكت الغيرة السلطان حسين فحاول أن يضم القصر إلى عرشه، إلا أن «أمبان» رفض إهداءه إياه وقام ببناء قصر آخر بالقرب من قصره، وأهداه إلى السلطان، إلا أن الأخير رفض الهدية مصرا على طلبه الأول.

وبعد وفاة البارون خلفه ابنه «أمبان» الثاني وكان كوالده محبا للسفر والترحال ولم يقم في القاهرة كثيرا، ولذلك عرضت عليه إحدى الشركات البلجيكية شراء القصر ثم تم بيعه عبر مزاد علني شمل بيع محتويات القصر كاملة وكان ذلك عام 1954.

وكان شراء القصر من نصيب السوري محمد بهجت الكسم والسعودي محمد علي رضا وشقيقه علي علي رضا، ودفع الثلاثة مبلغا آنذاك وصل إلى مائة وستين ألف جنيه فقط.

الملاك الجدد للقصر حاولوا تحويله إلى ناد لأثرياء العالم، إلا أن حلمهم لم يكتمل ورغبتهم لم تستمر طويلا؛ إذ تبددت نتيجة إصرار وزارة الشؤون الاجتماعية على الإشراف على مثل هذه الأنشطة، لذلك هجره الملاك حتى كانت واقعة العدوان الثلاثي على مصر.

وأمام هذا الاعتداء طلبت مصر من الملاك استخدام القصر لنقل معدات الجيش المصري إليه، وبعد انتهاء الحرب خرجت المعدات، إلا أنه لم ينج من بعض التلفيات التي نتجت عن استعماله موقعا عسكريا.

وبمرور الأيام، تعرض القصر لإهمال شديد إلى أن تم تحويله إلى أثر إسلامي بقرار من مجلس الوزراء عام 1993 واعتبار قصر البارون «أمبان» أثرا لا يجوز لملاكه التصرف فيه دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للآثار، ورغم ذلك، فإن هذا الأثر الفريد ظل معرضا للإهمال.

ومنذ أكثر من عقد، كشف عن مجموعة أطلق عليهم «عبدة الشيطان» كانوا يلتقون داخل القصر لممارسة طقوسهم الخاصة فيه، التي اعتبروها شيطانية كما ذكروا ذلك في تحقيقات النيابة.

وظل القصر على حالته إلى أن اشترته وزارة الإسكان من ورثة الملاك السوريين والسعوديين بمبلغ قدره 21 مليونا ونصف مليون دولار ومنح أراض لورثة الملاك بقيمة تساوي قيمة المبلغ نفسه، لتبدأ لاحقا في إجراءات ترميمه بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار ليستعيد القصر عافيته بعد أن واجه العديد من التلفيات نتيجة الإهمال الذي تعرض له على مدى عقود عديدة.