نساء يبحثن عن «نوى التمر» في قاعات الأفراح والمدارس لعلاج «العين»

المصلح قال إنه ينبغي الامتناع إذا طلبت بشكل جماعي.. وباحث اجتماعي حذر من تحولها إلى ظاهرة

قاعات الأفراح باتت مسرحا للبحث عن مخلصات السحر («الشرق الأوسط»)
TT

من المتعارف عليه أن جميع النساء يتجهن إلى قاعات الأفراح من أجل مشاركة العروس فرحتها بيوم العمر، والتباهي بما يلبسن من فساتين وحلي، لكن في الآونة الأخيرة لوحظ أن هناك بعض النساء يذهبن إلى قاعات الأفراح وليس في نيتهن المشاركة في الرقص أو الابتهاج بالعروس، ولكن بهدف البحث عن «نوى التمر» والحصول عليه بأي شكل من الأشكال، وذلك عندما تتخلص منه الحاضرات بعد أكل التمور، إذ تقوم بعض النساء بجمع أكبر كمية من «نوى التمر» ويخرجن به من قاعة الفرح إلى منازلهن لاعتقادهن أنه في حال تم جمعه ووضع الماء عليه والاغتسال به أو تذوق «النوى» فإنه يعالج الحسد، خصوصا إذا تسرب الشك إلى البعض منهن أنها قد أصيبت بالحسد أو العين من إحدى الحاضرات في ذلك الفرح.

وانتقلت أيضا مثل هذه الممارسات إلى بعض مدارس البنات، إذ أبدت إحدى مديرات المدارس في محافظة جدة استياءها من طلب والدة إحدى الطالبات، حيث أوضحت المديرة التي فضلت عدم ذكر اسمها، أنها فوجئت في أحد الأيام بزيارة والدة إحدى طالبات المدرسة بهدف الحصول على بعض الأثر من معلمات ابنتها وزميلاتها في الصف، متعللة بأن ابنتها قد تغيرت وأصبحت مهملة وتعاني من الصداع وقلة التركيز، إذ تسرب الشك إلى قلوب أسرتها أنها قد أصيبت بالحسد في «المدرسة». وأشارت المديرة إلى أنها واجهت حرجا كبيرا، من طلب والدة الطالبة، مضيفة في نفس الوقت «لا أستطيع أن أطلب من المعلمات ولا حتى الطالبات أن يقمن بمثل هذه الأمور، بل إنني أبلغت والدة الطالبة بأن ترقي ابنتها بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم الخوض في مثل تلك المعتقدات التي قد تتسبب في تفشيها داخل المدرسة والمجتمع».

في المقابل، تؤكد إحدى النساء أنها حضرت إحدى الزيجات في مدينة جدة قادمة من محافظة الطائف من أجل الحصول على أكبر كمية من «نوى التمر» والعودة بها إلى الطائف، لتغتسل به والدتها التي أصيبت ببعض الأمراض، مما أدى إلى تساقط شعرها، مبررة ذلك إلى إصابة والدتها بالحسد عندما حضرت أحد الأفراح وكان شعرها لافتا للنظر، الأمر الذي جعل بعض النساء يصبنها بالعين.

وأشارت حنان الحربي إلى أنها بالفعل واجهت بعض الصعوبات والحرج عندما دخلت قاعة الفرح وبدأت في جمع «نوى التمر»، إذ أكدت أن بعض النساء رفضن في البداية أخذ «نوى التمر»، مبينة أنها تغلبت على هذه الصعوبات، وذلك بمساعدة بعض النساء اللاتي يعرفن حالة والدتها الصحية المتدهورة، إذ قمن بملاطفة الحاضرات وشرح حالة والدتها بهدف الحصول على نوى التمر والاغتسال به أو شربه الماء بعد وضع النوى بداخله.

وعند سؤال حنان الحربي عن السبب الذي دعاها إلى اللجوء لهذه الطريقة من خلال الحصول على نوى التمر من داخل قاعات الأفراح قالت إنها وأسرتها تسمع الكثير من الناس الذين يتحدثون عن الفائدة السريعة عند الاغتسال بالماء أو شربه بعد وضع نوى التمر بداخله، وذلك في علاج الحسد، مشددة على أنها تحرص على أخذ «النوى» من جميع أفراد مجتمعها في ذلك الفرح، اعتقادا منها أن الحسد قد أصاب والدتها من إحدى الحاضرات اللاتي قد حضرن في مناسبة سابقة.

من جهته، قال الباحث الاجتماعي الدكتور ناصر عوض الزهراني، إن مثل هذه الممارسات تعد من المعتقدات الشعبية، محذرا في نفس الوقت من الخوض فيها كثيرا. وشدد العلي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أنه ينبغي على المسلم تحصين نفسه بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، بعيدا عن مثل تلك المعتقدات «التي قد تتسبب في الوساوس، والتحول إلى ظاهرة سلبية داخل المجتمعات».

وأشار الدكتور ناصر إلى أن بعض النساء تسيطر عليهن بعض المعتقدات، الأمر الذي يزج بهن في عالم الغيبيات، والذي قد يؤثر على حياتهن الأسرية، بالشكوك والوساوس من كل المحيطين بهن، مؤكدا أن الذهاب إلى قاعات الأفراح وطلب بعض الأثر من الحاضرات في الفرح قد يتسبب أيضا في مشكلات لا تحمد عقباها، مضيفا «هناك الكثير من الناس لا يتقبلون في الأصل إعطاء أي شخص آخر، أثرا منه، وربما يتوجس البعض من مثل هذه الأمور، خصوصا أن هناك من يعتقد أنها ستستخدم في أمور دنيئة، كالشعوذة».

وطالب الباحث الاجتماعي الزهراني بالبعد عن مثل هذه المعتقدات الشعبية التي قد تتفشى في المجتمع وتتحول إلى ظاهرة سلبية ستؤدي في النهاية إلى فقدان الثقة بين الناس، وزرع الفتن والضغائن وخلق المشاكل داخل المجتمعات.

من ناحيته، أكد الشيخ الدكتور خالد المصلح، أستاذ الفقه في جامعة القصيم، أن الإصابة بالعين أمر ثابت في الكتاب والسنة النبوية، مستدلا بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم «العين حق»، وأن النبي رأى جارية في وجهها سفعة - أي سوادا - فقال إن بها نظرة فاسترقوا لها، فأمر النبي بطلب الرقية لهذه المصابة بالعين. وأوضح الدكتور خالد المصلح لـ«الشرق الأوسط» أن طرق الشفاء من العين تكون إما بالرقية الشرعية والأدعية النبوية، وإما بالاغتسال، وذلك بأخذ أثر من العائن، مبينا «أفضل ذلك يكون اغتساله لقول النبي، صلى الله عليه وسلم في الصحيح «إذا استغسلتم فاغسلوا». وأضاف الشيخ المصلح «وهذا إذا كان العائن شخصا معينا معروفا، فإنه يطلب منه أو يؤخذ من أثره، أما إذا كان العائن مجهولا فليس ثمة طريق سوى قراءة الرقية الشرعية والدعاء، لا سيما سورة الفلق، فإن لها أثرا كبيرا في الوقاية من العين والشفاء منها بعد الإصابة بها».

وأكد الدكتور خالد المصلح، أن «ما يفعله بعض الناس في حال عدم معرفة العائن أو الحاسد، من خلال أخذ أثر من مجموعة من الناس كما يفعل البعض أحيانا في المدارس أو الإدارات الحكومية أو عند أبواب المساجد أو في قاعات الأفراح أو حتى في الولائم والمناسبات الكبيرة، فإن هذا عمل ليس عليه دليل، كما أنه يتضمن نوعا من الاتهام الجماعي، في حين أن الوارد أخذه من متهم معين كما جرى في قصة عامر بن ربيعة مع سهل بن حنيف رضي الله عنهما»، مبينا أن هذا الاتهام «ينبغي أن يستند إلى أمر محسوس، إما إلى قول وإما إلى فعل، وليس مجرد الظن الذي لا مستند له، فإن الظن أكذب الحديث لقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن)».

وختم الشيخ الدكتور خالد المصلح حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «من حق من يطلب منه أثر في مثل هذه الصورة وهو الطلب الجماعي أن يعتذر، وأما إذا طلب على وجه التعيين فينبغي له ألا يمتنع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال (إذا استغسلتم فاغسلوا)».

عبد الله بن سالم الدوسري، المعالج بالرقية الشرعية في مدينة الرياض، يرى أنه لا حرج في طلب الاغتسال من العائن، إذ تثبت المصاب بالعين من أن فلانا قد تسبب في ذلك، مستدلا بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي رواه ابن عباس «العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا». وأكد الدوسري لـ«الشرق الأوسط» أن الاغتسال وأخذ الأثر من العائن سنة، وأنها أقرب طريق إلى العلاج، موضحا أن «رسول الله خرج وساروا معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل، فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة (وفي الموطأ ورواية للنسائي في الكبرى «ولا جلد عذراء!»)، فلبط سهل فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل، والله ما يرفع رأسه، وما يفيق. قال: «هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عامرا، فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟!، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال له: (اغتسل له) وفي رواية النسائي في الكبرى «توضأ». فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، يكفئ القدح وراءه، ففعل به».

وشدد المعالج الدوسري على أن توجيه الاتهام إلى شخص بعينه أنه قد أصابه بالعين ليس فيه إشكال، مستشهدا بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم عندما قال «هل تتهمون فيه من أحد»، وفضل الدوسري أخذ الأثر من العائن دون علمه مشيرا إلى أن الفائدة ستكون بشكل أكبر في هذه الحالة، «بينما لو أخبر العائن بأنه يريد الأخذ من أثره ربما يزيد حسده، أو يحدث بغضاء بينهما».

وحول طلب الأثر أو الاغتسال من مجموعة كبيرة وفي مكان عام كقاعات الأفراح أو المدارس أكد عبد الله الدوسري إلى النفع في مثل هذه المواقف سيكون قليل جدا أو عديم، ناصحا في نفس الوقت بعدم اللجوء إلى مثل هذه الممارسات التي قد لا تجدي، بل إنها ربما تتحول إلى ظاهرة سلبية.