في الاحتفال بيوم أوروبا.. دعوة لتعزيز النمو وخلق فرص العمل وانتقادات لسياسة التقشف

الذكرى الـ 62 لإطلاق «إعلان شومان» الذي يعتبر بمثابة مشروع إطلاق الوحدة الأوروبية

مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

احتفل الأوروبيون أمس بالذكرى 62 لإطلاق إعلان شومان، الذي يعتبر بمثابة مشروع إطلاق الوحدة الأوروبية التي أصبحت تعرف الآن بالاتحاد الأوروبي، وبهذه المناسبة قالت كاثرين أشتون، منسقة السياسة الخارجية الأوروبية، إن الأوروبيين يحتفلون كل عام بالنظر إلى تاريخ التكامل الأوروبي والإنجازات التي تحققت، ولكن جاء الوقت للنظر إلى الأمام.. وأضافت أن الحديث الآن عن وجود أزمة مالية ومشكلات اقتصادية ولكن أساس الاقتصاد الأوروبي لا يزال قويا، والقيم المشتركة التي تجمع الأوروبيين هي أكثر أهمية من أي وقت مضى. وأشارت إلى أن العام المقبل سيكون حاسما لتحقيق الانتعاش في أوروبا ومستقبلها. وأشارت أشتون، من خلال بيان، إلى خطوات متوقعة على الصعيد الداخلي الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات الاقتصادية وتوسيع الاتحاد وانضمام كرواتيا، ولكنها قالت إن العام المقبل سيشهد أيضا مزيدا من الانخراط على الصعيد العالمي واستمرار التكتل الأوروبي الموحد في لعب دوره العالمي في قضايا مثل التجارة والتغير المناخي والبيئة والمحكمة الجنائية الدولية وإلغاء عقوبة الإعدام وقضايا أخرى، واختتمت تقول إن هناك قناعة بأن أوروبا يجب أن تظل تعمل بنشاط في مختلف أنحاء العالم، ولمحت إلى تحقيق نجاحات في مجال تقديم الحلول الشاملة على أرض الواقع من خلال هيئة العمل الخارجي الأوروبي، وضربت أمثلة على ذلك بما حدث في ليبيا والصومال وأفغانستان، وتعهدت أشتون باستمرار أوروبا في لعب دورها العالمي. من جانبها قالت المفوضية الأوروبية ببروكسل في رسالتها للمواطنين في الاتحاد الأوروبي، إنه يجب اغتنام الفرصة الآن لتعزيز النمو، وقال رئيس المفوضية، مانويل باروسو، في بيان، إن الأوروبي يفخر بالإنجازات التي تحققت، ومن المهم جدا أن يتذكر الماضي، ولكن في الوقت نفسه لا بد من الإعداد للمستقبل، وأشار إلى أن الأزمة التي تعيشها أوروبا أظهرت ضرورة تهيئة الظروف لتحقيق النمو وخلق فرص العمل، من خلال الإصلاح الهيكلي والاستثمارات المستهدفة، وركز باروسو في كلمته على ضرورة تخفيض الديون والعجز، لبناء الثقة وخفض تكاليف الاقتراض، مشيرا إلى أهمية الإصلاحات الهيكلية لاستعادة القدرة على المنافسة، ولمح إلى ضرورة القيام بخطوات على المستوى الوطني وعلى مستوى التكتل الأوروبي الموحد، من أجل تخفيض الضرائب المفروضة على العمل لتحفيز خلق فرص العمل، واتخاذ إجراءات أقوى لتعميق وتطبيق السوق الموحدة، واختتم بالتنبيه على ضرورة تكثيف الاستثمار، وقال إن الأمر يحتاج إلى زيادة في القدرة الإقراضية لبنك الاستثمار الأوروبي، وتعزيز الجهود لزيادة رأس المال المدفوع لدعم خلق فرص العمل. يذكر أنه في التاسع من مايو (أيار) 1950 قدم روبرت شومان اقتراحه لتأسيس منظمة أوروبية موحدة، كحل للحفاظ على السلام بين فرنسا وألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، وهو ما يعرف باسم «إعلان شومان»، ويعتبره البعض نواة ما يسمى الآن الاتحاد الأوروبي. وبالتزامن مع ذلك أعلن رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، هيرمان فان رومبي، أن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي سيشاركون في قمة غير رسمية تقام في 23 من الشهر الجاري، بهدف بحث أجندة النمو الاقتصادي. وستجرى القمة أثناء عشاء يحضره زعماء الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، حسبما أعلن الرئيس فان رومبي عبر حسابه الشخصي على موقع «تويتر». وحسب مصادر المؤسسات الاتحادية في بروكسل، أجريت اتصالات على مستويات مختلفة بين الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي الموحد، لعقد القمة الاستثنائية لقادة دول الاتحاد الأوروبي، وتسعى إلى رفع شعار تعزيز النمو بدلا من التقشف، حيث يسعى القادة إلى إيجاد الطرق التي تعزز النمو الاقتصادي بدلا من اللجوء إلى خطط التقشف التي تسببت في غضب رجل الشارع الأوروبي، وخرج المواطنون في مسيرات احتجاجية في عدة عواصم أوروبية، وتضمنت الاتصالات البحث في آليات وطرق تحفيز النمو الاقتصادي الأوروبي. وسبق لعواصم أوروبية، ومنها برلين وروما، أن أيدت فكرة اللجوء إلى النمو الاقتصادي بشكل أفضل بدلا من خطط التقشف، مع العمل في الوقت نفسه على تحقيق الانضباط المالي، والإدارة الاقتصادية الجيدة، واستمرار الخطط لتفادي وقوع أزمة ديون جديدة في دول الاتحاد، بعد أن انتقلت العدوى من اليونان إلى آيرلندا والبرتغال، وأصبحت هناك دول أخرى تنتظر المصير نفسه، ومنها المجر وإسبانيا وإيطاليا وغيرها. وتعتبر تلك القمة المختصرة هي الأولى بالنسبة للرئيس الفرنسي المنتخب، فرانسوا هولاند، الذي سيتم تنصيبه رسميا في 15 من الشهر الجاري، والذي دافع خلال حملته الانتخابية عن الحاجة لإجراءات تدعم النمو ولا تتركز بشكل أساسي على التقشف. وكان فان رومبي قد أعلن قبل أسبوعين أنه يعتزم الدعوة لعقد قمة غير رسمية قبل انعقاد القمة الرسمية المقررة إقامتها يومي 28 و29 يونيو (حزيران) المقبل، بهدف إحراز تقدم في الإعداد لإجراءات من شأنها تحفيز النمو ومكافحة البطالة في دول الاتحاد الأوروبي. وسبق أن حذر رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، من أن كل إجراءات التقشف التي يتخذها الاتحاد الأوروبي لن تؤدي بمفردها إلى النمو، مطالبا بتنفيذ سياسات حقيقية لتعزيزها. وقال مونتي خلال مؤتمر استثماري حول طرق الخروج من الأزمة المالية: «إن أوروبا تحتاج الآن إلى سياسات حقيقية لرفع قدرة نموها وتجنب السياسات التي لا تعطي سوى إحساس بمساهمتها في النمو». وأكد رئيس الوزراء الإيطالي أن الإصلاحات الهيكلية وحدها لا تؤدي أبدا إلى النمو، وإنما إلى الانكماش، في الوقت الذي تتحتم فيه زيادة النفقات بشكل انتقائي في المواد التي تعزز الطلب. وأوضح مونتي أن الأمر لا يتعلق بالتشكيك في الاتفاق المالي الأوروبي أو نظام الميزانية، رافضا أن ينحصر الحل في مواصلة زيادة العجز كما حدث في السابق. وأضاف مونتي: «نحن نحتاج للتفكير جيدا لا في وسيلة للتحايل على انضباط الميزانية، ولكن لجعلها مستدامة حقا على المدى المتوسط». كما دعا لتجنب بعض السياسات، مثل التوسع المستمر في العجز، التي اعتبرها طريقا وهميا للنمو، وقال إن هذا النوع من السلوك يتعارض مع روح الاتفاق المالي ولا يحقق نتائج جيدة بالنسبة للاقتصادات الوطنية. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يتعين عليه التركيز، سواء على المستوى الوطني أو الأوروبي، على تحرير الخدمات، وتعزيز السوق الداخلية، وتطوير البنية التحتية للحدود والإصلاحات الأخرى التي تهدف إلى رفع مستوى النمو على المدى المتوسط. من جهته أكد رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، أن التقشف ليس سياسة خاصة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بل هو الاستراتيجية السائدة بالنسبة للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، التي تعهدت دولها بالالتزام به. وشدد راخوي على أن الإجراءات التقشفية لا يمكن أن تنسب لبلد بعينه، بل «هي سياسة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، ومشروع نشارك به جميعا». وأدلى رئيس الحكومة بهذه التصريحات ردا على سؤال بشأن الأزمة الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي، والدعوات التي ظهرت لدعم الإجراءات الرامية لتحفيز التنمية أيضا. وأشار إلى أن العودة إلى التنمية وخلق الوظائف تتطلب أولا ضبط معدلات العجز. وفي هذا السياق، أبرز أن إسبانيا أنفقت العام الماضي ما زاد على دخلها بقدر 90 مليار يورو، وأنها ستنفق خلال هذا العام مبلغا يزيد على دخلها بمقدار 50 مليار يورو على الرغم من الاقتطاعات التي وافقت عليها الحكومة. وكانت الحكومة الإسبانية قد صدقت مؤخرا على خطة الموازنة العامة للبلاد لعام 2012، التي تشمل إجراءات تقشفية تهدف لتوفير 27.3 مليار يورو، سعيا لخفض العجز العام من 8.51 في المائة حاليا، إلى 5.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري. وتتوقع الحكومة الإسبانية تراجع النمو الاقتصادي للبلاد بنسبة 1.7 في المائة خلال هذا العام، في ظل معدلات البطالة التي تجاوزت 23 في المائة.