انتخابات الرئاسة المصرية تؤجج صراع الداعين للاستقرار والأجيال الثورية

بعضهم أطلق حملة لمنع الآباء من التصويت لمرشحي «العهد القديم»

لافتتات الدعاية العملاقة لمرشحي الرئاسة أصبحت جزءا من المظهر العام لشوارع مصر (أ.ف.ب)
TT

تؤجج انتخابات الرئاسة المصرية صراعا بين جيلين، حتى داخل الأسرة الواحدة.. فجيل الآباء وكبار السن من الداعين للاستقرار يقفون مع مرشحي «العهد القديم»، بينما تطالب الأجيال الثورية، وغالبيتهم من الشباب، بمرشحين جدد، لدرجة أن بعض الأبناء أطلق حملة لمنع الآباء من التصويت لمرشحين عملوا في الماضي مع نظام الرئيس السابق حسني مبارك.

وفي أكثر من موقع من المواقع التي مرت بها الجولات الدعائية للترشح لانتخابات الرئاسة، التي يقوم بها المرشحان عمرو موسى وأحمد شفيق، على سبيل المثال، تثار قضية علاقتهما بالنظام السابق، حتى أصبحت هذه القضية تخيم بظلالها على حملتيهما للترشح للرئاسة، ويثيرها البعض كذلك بطرافة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي المقابل، يدافع غالبية الآباء عن توجهاتهم خوفا من وصول رئيس من الجيل الجديد يفتقر للخبرة لموقع الرئاسة.

ويواصل موسى وشفيق جولاتهما الانتخابية للرئاسة المصرية في المحافظات المصرية مع اقتراب العد التنازلي للاقتراع عليها يومي 23 و24 مايو (أيار) الحالي؛ لكن لا يخلو الأمر من الدعاية المضادة التي تطارد حملتيهما حيث يوصفان بأنهما من «الفلول» و«الحرس القديم» ومن بقايا نظام مبارك، الذي أطاحت به ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» العام الماضي.

وشغل موسى منصب وزير الخارجية لمدة عشر سنوات في عهد مبارك قبل أن يشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في 2001، فيما كان أحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السابق. ويواجه كلا المرشحين انتقادات عدة في جولاتهما، تصل أحيانا إلى حد مهاجمتهما ومطاردتهما خلال المؤتمرات الانتخابية. الحال نفسها تشهدها صفحات موقع «فيس بوك» الذي يمتلئ بحملات عديدة ضدهما، مثل: «امسك فلول» و«تعالوا ننتخب بحرية بعيدا عن شفيق وموسى»، ثم كانت فكرة حملة: «ضِيِّع بطاقة أبوك لو هينتخب موسى أو شفيق»، التي دشنها عدد من النشطاء مؤخرا وانتشرت سريعا خلال الأيام الماضية. وأثارت الحملة ردود فعل واسعة بين تأييد ورفض وسخرية رواد الموقع.. فرغم اسم الحملة الساخر؛ فإنها تحمل مضمونا صداميا، فهي تعكس صراعا بين النظام الماضي والثورة، متمثلا في الآباء وأبنائهم، حيث تدعو إلى قيام الشباب والفتيات بإخفاء بطاقة الهوية (الرقم القومي) الخاصة بوالديهم يوم انتخابات الرئاسة، إذا كانا لديهما نية انتخاب المرشحين شفيق أو موسى، وذلك لتعويق عملية الانتخاب التي تستلزم الحضور بالبطاقة وتفويت الفرصة عليهما.

وكتب مدير إحدى صفحات الحملة في التعريف بها: «أعلنا الحرب على الفلول، لو أبوك أو أمك سيرشحان الفلول ومفيش أمل في علاجهما، لا تضيع وقتك في مناقشات وكلام معهما، اسرق بطاقتيهما يوم الانتخابات وأنقذ بلدك».

وهو ما دعا أحد الكتاب المحسوبين على نظام مبارك للتعليق على الحملة على حسابه على موقع «تويتر» أول من أمس بقوله: «ما يسمى بحملة (اسرق بطاقة أبوك لو هينتخب شفيق‏ أو موسي) مضحكة فعلا، ولكنها تعبر عن أن من يسمون أنفسهم بالثوريين لم ينجحوا في إقناع أهلهم»، وهو ما أثار ضده عاصفة من الهجوم بعد تداول تعليقه.

ويروي كثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن آباءهم وأمهاتهم الذين ينتمون إلى «حزب الكنبة» أو «الأغلبية الصامتة» يفضلون مرشحي النظام السابق بحثا عن الاستقرار، أما الأبناء الذين ينتمون لجيل الثورة فهم بالطبع ضد ذلك الترشيح، وينقسمون في تأييدهم بين اختيار مرشح ثوري أو إسلامي.

وتحكي عالية جمال الدين، 26 سنة: «وصلت حدة الخلاف بيني وبين والدي إلى أشدها عندما قرر ترشيح اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق، وفسر أبي اختياره بأن سليمان هو الوحيد الأقدر على (تربية العيال الثوار)، وبعد استبعاد سليمان، وجد أبي أن الفريق أحمد شفيق هو الأصلح من بعده». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «والدي لم يقتنع بوجهة نظري بأن الثورة يجب أن تمحى معها كل رموز النظام البائد، كما ينتقد اختياري لمرشح غير مرشحه بأنني لا أريد أن أسمع نصائح من هم أكبر سنا، وأننا - أي الجيل الأصغر سنا - لا نريد استقرار البلاد».

الصدام السياسي في وجهات النظر بين الآباء والأبناء، تراه المستشارة النفسية والاجتماعية الدكتورة أميرة بدران، أمرا طبيعيا نتيجة الأفكار التي تتكون لدى الفرد منذ الصغر وتكون مقدسة ولا تقبل أن يغيرها أحد، ويعتبر أي فرد يحاول معارضة هذه الأفكار جاهلا ولا يعرف مصلحته. وتضيف: «للأسف هذه الأفكار تتملك كثيرا من الآباء والأمهات نتيجة تراكم خبرات وعادات مورثة نتيجة عدم التعود على وجود ثقافة الرأي والرأي الآخر، ولأن الشباب بعد الثورة أصبح لديهم وعي سياسي واستخدموا عقلهم للحكم على الأشياء؛ حدث هذا الصدام بينهم وبين أسرهم، لأن الأهل لم يتوقعوا أن تكون لأبنائهم وجهة نظر مختلفة، معتقدين أنهم ليست لديهم الخبرة الكافية لاتخاذ القرار السليم».