مصر: «ألاعيب» مشرعين إسلاميين في البرلمان تربك المرحلة الانتقالية

«العسكري» دعا السلطات الثلاث للتعاون وقال: الانتخابات الرئاسية تجرى في موعدها

TT

بربطات عنق، وياقات مبللة بالعرق في حر القاهرة، يتسابق نواب ومحامون وسياسيون، على أروقة البرلمان والمحاكم في صراع محموم، خلال الفترة الانتقالية الحالية التي يقودها الجيش، ويقترب من تسليمها لرئيس منتخب بنهاية الشهر المقبل على أقصى تقدير.

وأبرز صراع في هذا المجال يستحوذ الآن على متابعات المصريين يدور بين النائب الإسلامي عصام سلطان، والمرشح لانتخابات الرئاسة أحمد شفيق.. وبينما هناك مخاوف من أن تتأجل الانتخابات بسبب التداخلات القانونية، قال مسؤول في المجلس العسكري الحاكم أمس إن مصر «تمر بمرحلة بالغة الأهمية والدقة»، لكن «انتخابات الرئاسة لن تتأجل»، داعيا إلى التعاون بين سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية.

وخلال اليومين الماضيين، وبنبرة غاضبة، تحدث نوابٌ بقسوة وبطريقة غير مسبوقة في حق كبار القضاة الذين تتكون منهم اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. ويقول المراقبون إن البرلمان الجديد، منذ انتخابه مطلع هذا العام، ما زال مندفعا بقوة نحو صياغة قوانين مثيرة للجدل السياسي والدستوري، في بلد يسعى للاستقرار الأمني والاقتصادي. ويأتي هذا وسط تحذير من أن تؤدي «ألاعيب» المشرعين الإسلاميين لعرقلة المرحلة الانتقالية.

ومن المفارقات أن البرلمان أصدر قانونا يحرم من عملوا مع مبارك من العمل السياسي وتقلد المناصب، في الوقت نفسه الذي يعد فيه قانون آخر يعفو عمن كانوا محرومين من العمل أيام مبارك، وغالبيتهم إسلاميون.

ويعد البرلمان هذه الأيام سلسلة أخرى من القوانين، كان منها تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، ومقترحات بشأن قوانين ذات علاقة جوهرية بوضع مؤسسات كالجيش والقضاء والأزهر والجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد.

وقال مسؤول في وزارة العدل إن ما يحدث الآن يعتبر «تدنيا في الحالة التشريعية وفي الصياغة التشريعية، إلى درجة غير مسبوقة في علوم القانون والعلوم الدستورية».

وقال الخبير الدستوري المصري الدكتور شوقي السيد أمس إن بعض النواب يمارسون «ألاعيب تشريعية»، وبعضهم قليل الخبرة وآخرون مع الانتقام والتشفي. ويهيمن على الأغلبية في البرلمان نواب حرموا لعقود من ممارسة العمل السياسي والتشريعي، إضافة إلى قدوم عشرات من هؤلاء النواب من مواقع دعوية كمنابر المساجد وحلقات الدروس الدينية، بما في ذلك نواب ينتمون لتيارات كانت حتى سنوات قليلة ماضية تمارس العنف بالسلاح ضد مواطنين وسياح ومفكرين وسياسيين.

وفي الوقت الحالي يهيمن مثل هؤلاء المشرعين على امتيازات ومقاعد. ويكيل بعضهم الانتقادات، التي تصل أحيانا إلى حد الشتائم، ضد قيادات ما زالت تعمل في مواقعها منذ أيام مبارك بينهم قضاة ووزراء. ومن بين أبرز من يستهدفهم قانون العزل الذي صدر من البرلمان، آخر رئيس وزراء لمبارك، الفريق أحمد شفيق، المرشح للرئاسة.

وحذر مسؤول في وزارة العدل في الحكومة الحالية، التي يطالب البرلمان بإقالتها، أمس، من خطورة خلق «عوار تشريعي»، وقال: «حذّرنا، لكن لا مجيب ولا سميع.. صدور تشريعات بهذا الشكل يربك العملية الانتقالية»، مشيرا إلى أن الأغلبية الإسلامية «ربما تتخوف من أن يصدر حكم من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب بسبب بطلان قانون انتخاب أعضائه.. ربما هذا يفسر استعجال النواب في إصدار تشريعات مربكة».

وتحدث محامون إسلاميون الليلة قبل الماضية أثناء جلسة في مجلس الدولة، بشكل قالت المصادر إنه استفز عددا من رجال القانون والدستور الذين شاركوا في جلسة قضائية عن قانون العزل السياسي. وكان من بين الحضور الدكتور شوقي السيد الذي قال وهو يهم بالخروج من الجلسة: «نحن نعيش حالة مأساة كاملة في صناعة التشريع.. الآن أرى أن هناك تشريعات تصدر من البرلمان كرد فعل وانتقام وتشفٍ».

وأضاف الدكتور السيد أن الجدل حول إصدار البرلمان قوانين متسرعة «لا يصب في صالح أحد، لأنه في النهاية أنت تعمل تشريعات تخلق مراكز قانونية وتكون في الوقت نفسه ضد الاستقرار وفي الوقت نفسه تتعرض لعدم الدستورية، وتعمل قلقا في المراكز القانونية وفي المعاملات»، مشيرا إلى أن مجلس الشعب، لو استمر على نفس السياسة التشريعية «ستكون البلد في خطر، والمراكز المستقرة ستكون مزعزعة وتؤدي إلى اضطراب»، مشيرا إلى أن «ما يحدث ضد بعض القضاة (في اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة) مهزلة».

ويدافع نواب إسلاميون من خريجي كليات الحقوق، عن القوانين التي يشرعونها في البرلمان. وحين تولى البرلمان انتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد هيمن على أغلبية العضوية فيها إسلاميون أيضا، قبل أن يقرر القضاء إبطال الشكل الذي قامت به هذه الجمعية.

وكان يشغل عضوية الجمعية الدكتور عاطف البنا، الخبير الدستوري، والذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس شرطا أن تعرض القوانين التي يضعها البرلمان على قسم التشريع بمجلس الدولة (وهو قسم مختص بمراجعة جميع القوانين والقرارات الجمهورية)، لأن البرلمان بلجانه وأعضائه قادرون على وضع القوانين وضبطها.

وأضاف البنا أن البرلمان لم يصدر أي قوانين إلا قانون العزل السياسي، وأن كل الباقي ما زالت مجرد مشروعات قوانين، و«لا داعي للتعليق على مشروعات قوانين محل نقاش».

وقال رئيس البرلمان الدكتور سعد الكتاتني إن مجلس الشعب يؤدي واجبه طبقا للدستور والقانون، وإن نوابه لا يؤاخذون على أي رأي يتم التعبير عنه تحت قبة المجلس.

وطالب المحامي عصام سلطان عضو مجلس الشعب، باستبعاد شفيق من قائمة المرشحين الرئاسيين، بناء على حكم محكمة القضاء الإداري الصادر الليلة قبل الماضية ببطلان قرار لجنة الانتخابات الرئاسية بإحالة قانون عزل «الفلول» للمحكمة الدستورية. لكن الدكتور محمد قطري، منسق حملة شفيق الرئاسية قال إن موقفه القانوني سليم، وإنهم سيرفعون دعوى قضائية بالطعن على قانون العزل السياسي أمام المحكمة الدستورية العليا.

ومن جانبه، دعا المجلس العسكري الحاكم السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية إلى التعاون والتمسك بالثوابت الوطنية للعبور بالوطن إلى بر الأمان، قائلا إنه يكن التقدير والثقة الكاملة لقضاء مصر واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وأعضائها، مع ضرورة التزام كافة السلطات بأحكام الدستور والقانون، وكذا الالتزام بتنفيذ الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد.